جماهري: يمكن للكتلة أن تلتئم حول تناوب جديد، مبني على تعاقد سياسي جديد، بأفق اجتماعي ديموقراطي ومهام حداثية
فاطمة بلمودن: التكتل السياسي اليوم ينبغي أن يصب في اتجاه تنزيل مقتضيات الدستور والالتفاف حول الدفاع عن ثوابت الأمة
قال عبد الحميد جماهري إن خلاصة اللقاء الذي جمع ثلاثة أحزاب من أحزاب الكتلة، يوم الأربعاء مساء، يمكن إجمالها في الحاجة إلى «تناوب جديد مبني على تعاقد سياسي جديد، بأفق اجتماعي ديموقراطي» يتغيى أهداف الحداثة ومهامها، وأضاف أن الجائحة الحالية بينت الحاجة إلى دولة حامية، مربية واستراتيجية بمضامين التضامن المجتمعي والأولويات من تعليم وصحة ومحاربة الفساد والريع والتهرب الضريبي.. إلخ.
وأضاف عضو المكتب السياسي الذي كان يتحدث في ندوة نظمتها مؤسسة الفقيه التطواني بسلا، ضمت كلا من سعيدة أبو علي وعبد العزيز الراشيدي من حزب الاستقلال وفاطمة بلمودن وعبد الحميد جماهري من الاتحاد الاشتراكي وشرفات أفيلال ورشيد ركبان من التقدم والاشتراكية، أن الخلاصة الثانية تكمن في الحاجة إلى »معبئ وطني اليوم، قادر على تدشين مرحلة تأسيسية جديدة في الفعل الوطني«،عاطفا على دور الكتلة السابق التي قال عنها »إنها كانت أكبر تجمع استراتيجي سياسي في تاريخ المغرب الحديث »ضمنت تعبيد الطريق إلى كل الانتقالات والمصالحات التي جاءت من بعد وأهمها حكومة التناوب التوافقي…
وكانت الندوة قد تمحورت حول الكتلة التاريخ والمسار.. ونشط فصليها كل من بوبكر التطواني والصحافي عبد الحق بلشكر من أخبار اليوم، وطرحت سؤالا أوليا حول ما تبقى من ميثاق التأسيس وأدوار الكتلة التي تم إعلانها يوم 17 ماي 1992 من طرف القادة الخمسة لأحزابها، اليوسفي وبوستة وعبد الله إبراهيم ويعتة الذين غادروا إلى دار البقاء، إضافة إلى محمد بنسعيد أيت يدر أطال الله عمره.
وفي ذلك قال جماهري إن ميثاق التأسيس ينص في أول مبادئه على «تثبيت استرجاع الأقاليم الجنوبية والنضال بكل الوسائل من أجل استكمال الوحدة الترابية»، وهو ما يجعل هذه اللحظة الوطنية ما زالت مستمرة، بل ما زالت هي المحرك الكبير لكل تصرفات الدولة ومواقفها، شعبا وملكا وحكومة«.
وأضاف إلى ذلك أن اللحظة ما زالت تختزن أحد عناصر هذا الميثاق ولم تنهه 28 سنة منذ إعلانها، ويتعلق الأمر «بضمانات المؤسسات الديموقراطية المنتخبة التي تدخلنا نهائيا في زمن قواعد لعب متوافق عليها لا تتغير حسب تغير الظروف، وشدد في هذا الأفق على ضرورة» الخروج من التجريبية السياسية التي تفتح الأبواب لكل التدخلات، قد تجعل الحقل السياسي رهين فاعلين ميتا-حزبيين، أو رهين المكونات المهيمنة.. أن الكتلة هي لأحزاب وطنية تشترك بكونها أسست لأول تعاقد مازال دائما لحد الآن في ما يتعلق بالقضايا الكبرى للبلاد، أي “استكمال التحرير والبناء الديمقراطي وأيضا تحصين الوطنية وتكثيفها.” مذكرا بالتحولات والتغيرات التي عرفها العالم في مرحلة التسعينيات، وأكد جماهري، وهو يستحضر لحظات من تاريخ الكتلة الديمقراطية، أنه على المستوى الإفريقي ما كان مطروحا على أجندات التغيير هو المؤتمرات الوطنية لمصاحبة الدول الإفريقية في تغيير سقوط “قبيلة العسكر” التي كانت تحكم، من قبل فرنسا، حيث رفض المغرب أن ينخرط في هذه المبادرة التي طرحتها باريس.
وقال عبد الحميد جماهري، “إن الكتلة الوطنية كانت أكبر تكتل استراتيجي عرفه المغرب الحديث، وربما أكبر وأكثر القراءات السياسية ذات قرب بواقع البلاد وتدبيرها في مجموعة من التحولات”، موضحا أن الكتلة جاءت ضمن جواب وطني بشركاء أساسيين هم الدولة المغربية والمجتمع المغربي بكل مكوناته.
وبخصوص ميثاق الكتلة نجد، يضيف جماهري “أنها وضعت لنفسها شرطا أساسيا هو تثبيت استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية، وهذه اللحظة الوطنية لاتزال قوية، وأكثر من هذا يمكن أن أقول إنه من لم يستوعب في الحقل السياسي هذه الحقيقة سيظل دائما خارج التعاقد الوطني الأساسي”.
وبخصوص العنصر الثاني فهو عمل الكتلة الذي ارتكز على إقرار إصلاح دستوري، فاليوم نتوفر على دستور متقدم تعطله السياسة عكس ما كان في السابق.
حسب المتحدث فإن العنصر الثالث هو الانتخابات، وفي هذا الصدد يقول: “فاليوم هناك معضلة، إذ لحد الساعة ليست لنا قواعد لعب نهائية نبني بها ديمقراطيتنا، ففي كل استحقاق يجب أن نتفاوض ونتحاور على جميع المستويات المتعلقة بالنظام الانتخابي، لذا يجب أن نعود إلى روح الكتلة التي عالجت بها هذه النقط ككيان جماعي، وستساعدنا على وضع قواعد اللعب”.
وشدد جماهري على أنه يجب الخروج من التجريبية السياسية التي دخلتها المقاربة الانتخابية، مسترسلا بالقول إنه” آن الأوان لأن تذهب الدولة بعيدا في تفاصيل ترتيب المشهد السياسي والعمل بالآفاق الاستراتيجية التي يمكن أن تدخل فيها…”. وفي ما يتعلق باليسار قال جماهري إن» المناضلين كانوا ينخرطون من أجل أن يصبحوا شهداء لا وزراء، لكنهم كانوا يدركون، كما قال الفقيد بوستة، أن الوزارة لا يمكن تبخيسها لتحقيق الأهداف المنشودة من التغيير ومن الممارسة السياسية، منبها إلى أنه لا يمكن لأي كان أن يقول بأنه »يصبن أحسن في الظروف التي نعيشها».
وبخصوص اليسار دوما قال جماهري بأن السؤال هو ماذا قدمنا من تطور يهم السياسة وممارستها، متسائلا أين هي الضمانات السياسية اليوم المطلوب من اليسار دراستها والتعمق فيها ؟
ليجيب بأن الموضوع الأول هو القضية الوطنية، ثم الموقف من الدولة في تدبير الحقل السياسي وعقلنة التاريخ، والانتخابات وممارستها ومراجعة الموقف منها متسائلا : هل نريد أن نكون شاهدين على التاريخ فقط ، أو نريد أن نكون فاعلين فيه وفي تغييره»؟ وهذه الأسئلة هي الأشياء المعقولة التي نطلب من القوى اليسارية أن تنكب عليها…
وذكر عبد الحميد جماهري، أن العنصر الذي تغير ويجب أن نأخذه بعين الاعتبار هو وجود فاعلين سياسيين نابعين من المجتمع، وإن كانوا خارج التعاقد الوطني الأصلي، بمعنى آخر أن الكتلة نجحت في الإصلاحات لكنها فشلت في الانتخابات، الشيء الذي جعل فاعلين آخرين يردون ويعطون جوابا آخر، فهناك حقل سياسي غير مكتمل، وهو سؤال مطروح على المجتمع وعلى الدولة، يقول المتحدث. ولفت إلى أن الترتيبات التي حدثت، كانت الكتلة أمام لحظات مفصلية خلال سنوات سابقة، وكان هناك تفاوت في التقدير والأولويات، ففي سنة 2011 بدا أن استيعاب الدولة لمجمل وثائقها الإصلاحية خلق دهشة كان الجواب عليها بجزء داخلي والآخر خارجي.
من جهتها، دعت فاطمة بلمودن إلى الرجوع “للمجتمع وتطوير هويتنا وتقوية اختياراتنا المبدعة في قضية نموذجنا التنموي ومواجهة التحديات المطروحة، خاصة في مجال التعليم والتشغيل، والتصدي للمد الإسلاموي الذي يتفشى داخل المجتمع”.
وقالت فاطمة بلمودن، القيادية بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أول أمس الأربعاء 23 دجنبر، إن التحولات التي حدثت اليوم وتقع على كافة المستويات وإعادة تشكيل مفهوم طوبوي “الأمة” التي تناضل داخله عدد من المكونات، من شأنها أن تعرقل مسار الديمقراطية الذي وضعته الكتلة الوطنية.
وأوضحت بلمودن، خلال الندوة المنظمة من طرف مؤسسة الفقيه التطواني حول موضوع “الكتلة الديمقراطية الذاكرة والمسار”، أننا نجحنا في تحقيق العديد من المكتسبات خاصة الإصلاحات الدستورية ومرحلة التوافق وما واكبها من مصالحات وخاصة التعامل مع الصوت الحقوقي لترسيخ المسار الديمقراطي، وهو ما حمله دستور 2011.
وأكدت المتحدثة، أنه مع هذه الإصلاحات المتقدمة والمسار التنموي، يطرح تساؤل عريض حول “عدم أهمية الأحزاب السياسية في اعتبارات المواطن اليوم، والهجوم الذي يشنه على السياسة بصفة عامة”.
وذكرت فاطمة بلمودن، أن التكتل اليوم ينبغي أن يصب في هذا الاتجاه، وفي مسار تنزيل مقتضيات الدستور المتقدمة، والالتفاف حول الدفاع عن ثوابت الأمة، معتبرة أن تدهور دور الأحزاب السياسية في التأطير والاستقطاب والتواصل والوساطة من شأنه أن يكرس عدم الثقة وضيق الأفق لدى الشباب والأجيال القادمة.
وخلصت المتحدثة إلى ضرورة تغيير طرق تواصل الأحزاب مع المواطنين بالنظر إلى التطورات الحاصلة داخل المجتمع والاشتغال وفق مشروع مجتمعي مندمج ومتطور.