تسعينية في‮ ‬دار للمسنين تتلقى أول لقاح في‮ ‬إسبانيا : قصة مغامرة تطوير لقاح ضد كوفيد ‮-‬19‮ ‬ انطلقت من بيت مهاجرين تركيين في‮ ‬ألمانيا‮ ‬

‮ ‬تلقت تسعينية في‮ ‬دار للمسنين بوسط إسبانيا لقاحا ضد كوفيد‮-‬19‮ ‬الأحد،‮ ‬لتكون أول شخص‮ ‬يحصل عليه في‮ ‬البلاد،‮ ‬وفقا لصور بثها التلفزيون الوطني‮.‬
وقالت أراسيلي‮ ‬روزاريو هيدالغو سانشيز‮ (‬96‮ ‬عاما‮ ) ‬مبتسمة إنها لم تشعر‮ “‬بأي‮ ‬شيء‮” ‬عندما تم حقنها باللقاح‮.‬
وبعد تلقيها اللقاح،‮ ‬وقفت هذه السيدة ذات الشعر الأبيض القصير،‮ ‬وتقيم في‮ ‬دار المسنين في‮ ‬لوس أولموس في‮ ‬غوادالاخارا‮ (‬الوسط‮)‬،‮ ‬برفق بعدما ارتدت سترتها السوداء وغادرت مستندة إلى مشاية‮.‬
وتلقت اللقاح بعدها الممرضة مونيكا تابياس التي‮ ‬تعمل في‮ ‬دار المسنين،‮ ‬لتكون ثاني‮ ‬شخص في‮ ‬البلاد‮ ‬يحصل على لقاح‮ “‬فايزر-بايونتيك‮”.‬
تم اختيار دار المسنين لإطلاق حملة اللقاح في‮ ‬إسبانيا لقربها من مستودع فايزر،‮ ‬حيث وصلت اللقاحات السبت من بلجيكا قبل ان‮ ‬يتم توزيعها في‮ ‬جميع أنحاء البلاد‮.‬
كما وقع عليها الاختيار لعدم تسجيل إصابات بالوباء فيها‮.‬
اعتبرت مديرة الدار مارينا فاديللو الخميس أن ذلك‮ ‬يمثل مصدر‮ “‬فخر وارتياح كبيرين بالنسبة لنا‮” ‬مضيفة‮ “‬نحن نمثل جميع دور المسنين في‮ ‬إسبانيا‮”.‬
تابعت أمام الصحافيين‮ “‬إنه لشرف لنا جميعا‮ “.‬
ووافقت وكالة الأدوية الأوروبية في‮ ‬21ديسمبر على بدء عمليات التلقيح‮.‬

تفاصيل المغامرة‮ ‬

‮ ‬يجلس زوجان باحثان إلى المائدة صباح نهار شتوي‮ ‬لتناول الفطور في‮ ‬مطبخ منزلهما في‮ ‬ألمانيا‮. ‬يومها اتفق أوغر شاهين المدير التنفيذي‮ ‬لشركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية‮ “‬بايونتيك‮” ‬وزوجته أوزلام توريجي‮ ‬على أمر واحد‮: “‬ضرورة إطلاق‮” ‬أبحاث لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا المستجد الذي‮ ‬ظهر في‮ ‬الصين‮.‬
وكان أوغر شاهين قرأ للتو مقالا علميا‮ ‬يصف التفشي‮ ‬الكبير لهذا الفيروس في‮ ‬مدينة ووهان‮. ‬وتقول زوجته‮ “‬استنتج من ذلك بأن هناك احتمالات كبيرة بأن تكون جائحة على الأبواب‮”.‬
وبدأت نقطة انطلاق مغامرة ستفضي‮ ‬إلى تطوير أول لقاح ضد كوفيد‮-‬19‮ ‬يرخص في‮ ‬العالم الغربي‮. ‬وهو إنجاز تم التوصل إليه خلال فترة زمنية قياسية‮.‬
وعامل السرعة أساسي‮ ‬في‮ ‬هذه العملية التي‮ ‬اطلق عليها اسم‮ “‬سرعة الضوء‮”.‬
وأكدت توريجي‮ “‬منذ ذلك التاريخ‮ (…) ‬لم‮ ‬يمر‮ ‬يوم لم نعمل فيه على هذا المشروع‮”.‬
وبعد أربعة أيام في‮ ‬28‮ ‬يناير أكدت ألمانيا تسجيل أول حالة معروفة لانتقال العدوى بين البشر على الأراضي‮ ‬الأوروبية‮.‬
وبعد أقل من أسبوعين كشفت منظمة الصحة العالمية لأول مرة اسم الوباء الجديد‮: ‬كوفيد‮-‬19‮.‬
وبدأ الربيع‮ ‬يحل على مدينة ماينز،‮ ‬حيث مقر شركة بايونتيك عندما تحول الوباء الذي‮ ‬تفشى في‮ ‬الصين إلى أزمة صحية عالمية‮.‬
وأرغم ازدياد الحالات الحكومات على إغلاق الحدود والمدارس والمؤسسات الثقافية والرياضية والإدارات‮. ‬وبات العالم في‮ ‬عزلة‮.‬
وباشرت شبكة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي‮ ‬تقف وراء نجاح الاقتصاد الألماني،‮ ‬أنشطتها لرفع التحدي‮ ‬الجديد‮.‬
وعلى مسافة قريبة من بايونتيك،‮ ‬كثفت إحدى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي‮ ‬تأسست قبل‮ ‬130‮ ‬سنة وتيرة إنتاجها‮.‬
ورغم أنه‮ ‬غير معروف،‮ ‬تبين أن الأخصائي‮ ‬في‮ ‬زجاج‮ “‬شوت‮” ‬طرف أساسي‮ ‬في‮ ‬صناعة الأدوية بفضل زجاجاته المستخدمة بالملايين في‮ ‬الأبحاث السريرية حول الفيروس‮.‬

خصائص الزجاج الضرورية

والزجاج الذي‮ ‬ينتجه وبات اختصاصه،‮ ‬مطلوب بقوة لقدرته على تحمل درجات الحرارة القصوى من‮ ‬80‮ ‬درجة تحت الصفر إلى‮ ‬500‮ ‬درجة‮. ‬وهي‮ ‬ميزة ستكون أساسية إذ أنه‮ ‬يجب تخزين لقاح فايزر-بايونتيك في‮ ‬حرارة‮ ‬70‮ ‬درجة مئوية تحت الصفر‮.‬
وبحلول نهاية‮ ‬2021‮ ‬ينوي‮ ‬مصنع زجاج شوت انتاج زجاجات تكفي‮ ‬لملياري‮ ‬جرعة لقاح‮.‬
وواجهت الشركة كوفيد‮-‬19‮ ‬حتى داخل مقارها‮. ‬وسرعان ما تفشى الفيروس في‮ ‬مركز انتاج مهم في‮ ‬مترنيخ ببافاريا بعد إحدى حفلات الجعة،‮ ‬لتصبح المنطقة أول بؤرة لانتشار كوفيد‮-‬19‮.‬
ونتيجة إغلاق الحدود،‮ ‬لم‮ ‬يتمكن عمال‮ ‬يتحدرون من جمهورية تشيكيا من‮ “‬لقاء أصدقائهم أو أسرهم لأسابيع‮”.‬
وفي‮ ‬كافة أنحاء العالم منعت الجائحة الطائرات من التحليق،‮ ‬وحولت المطارات التي‮ ‬تعج عادة بالمسافرين إلى مبان مقفرة وكئيبة‮.‬
وفي‮ ‬مركز الشحنات الدوائية التابع لخدمة‮ “‬لوفتهانزا‮” ‬للشحن في‮ ‬مطار فرانكفورت،‮ ‬يتسارع النشاط ويتصاعد التوتر‮.‬
ويستعد أكبر مركز أوروبي‮ ‬لنقل الأدوية الذي‮ ‬تولى نقل‮ ‬120‮ ‬ألف طن من الأدوية العام الماضي،‮ ‬لنقل الملايين من جرعات اللقاح‮.‬
ويملك المركز مساحة مكيفة تقدر ب12‮ ‬ألف متر مربع مخصصة لهذا النوع من المنتجات‮. ‬ودرجات الحرارة المطلوبة تؤمن في‮ ‬حاويات خاصة بواسطة كتل من الثلج الجاف،‮ ‬ثاني‮ ‬اكسيد الكربون بشكله الصلب في‮ ‬درجات حرارة تبلغ‮ ‬78‭,‬9‮ ‬تحت الصفر‮.‬
و”فرابورت‮” ‬الشركة المشغلة لمطار فرانكفورت ليست المؤسسة الوحيدة التي‮ ‬تستثمر في‮ ‬مجال التبريد‮.‬
وفي‮ ‬ولاية بادن-فورتمبيرغ‮ (‬جنوب‮ ‬غرب‮) ‬دخلت‮ “‬بايندر‮” ‬وهي‮ ‬شركة ألمانية‮ ‬غير معروفة صغيرة إلى متوسطة الحجم،‮ ‬على الساحة‮.‬
ما هو اختصاصها؟ إنتاج‮ “‬ثلاجات فائقة البرودة‮” ‬تكون درجة الحرارة فيها‮ “‬أكثر برودة من القطب الشمالي‮” ‬بحسب الاعلام الألماني‮. ‬بالتالي‮ ‬يمكن لدرجات الحرارة ان تصل حتى‮ ‬90‮ ‬درجة مئوية تحت الصفر‮.‬
وقامت مؤسسة‮ “‬توتلينغن‮” ‬التي‮ ‬تعد من الشركات الرائدة في‮ ‬السوق،‮ ‬أولا بتزويد المختبرات ثم الوسائل اللوجستية وباتت تتعاون مع السلطات الألمانية لتجهيز مراكز التلقيح‮.‬
واعلنت آن لينز المكلفة المكتب الاعلامي‮ “‬كل شيء بدأ في‮ ‬غشت‮ ‬عندما تلقينا طلبات من شركات الخدمات اللوجستية‮ (…) ‬وأكدت أن‮ +‬علينا تجهيز مراكزنا المخصصة للتخزين بثلاجات‮”.‬
وأضافت‮ “‬مذاك ازداد الطلب لدرجة أصبحنا نعمل على مدار الساعة ونوظف ونبحث عن مزيد من الموظفين‮”.‬
وعلى وقع هذه الأنباء تحسنت البورصات العالمية،‮ ‬واستعاد العالم أجمع الأمل‮.‬
لكن في‮ ‬مدينة ماينز من‮ ‬غير الوارد الانجرار وراء الحماسة‮. ‬وقال شاهين ممازحا في‮ ‬حديث لوكالة فرانس برس‮ “‬على كل الحال الاحتفال بالشامبانيا ليس من عاداتنا‮”.‬
وأثناء احتساء فنجان من الشاي،‮ ‬يفكر الزوجان وهما في‮ ‬العقد الخامس من العمر وأبناء مهاجرين أتراك،‮ “‬بما حصل حتى الآن وكل ما سيحصل مستقبلا‮”.‬
وعلى مسافة‮ ‬600‮ ‬كلم من ماينز،‮ ‬في‮ ‬العاصمة الألمانية‮ ‬يلهو ألبرت بروم الاطفائي‮ ‬المتقاعد البالغ‮ ‬ال66‮ ‬من العمر،‮ ‬بلعبة ليغو‮.‬
وهو مكلف الاشراف على مراكز التلقيح الستة التي‮ ‬تريد برلين إقامتها في‮ ‬إطار حملة وطنية،‮ ‬ويقوم ببناء محطة صغيرة للتطعيم مع مكتب للتسجيل وممرات مرور‮.‬
ويقول أمام مطار تيغل القديم،‮ ‬وهو من المراكز التي‮ ‬سيتلقى فيها سكان برلين اللقاح،‮ “‬فكرت في‮ ‬آلية لضمان فسحة ضرورية تفاديا‮ +‬للازدحام‮+”.‬
وتم إنشاء‮ ‬450‮ ‬مركز تلقيح في‮ ‬كافة أرجاء البلاد،‮ ‬أكبرها في‮ ‬هامبورغ‮ ‬حيث‮ ‬يمكن تطعيم سبعة آلاف شخص‮ ‬يوميا في‮ ‬64‮ ‬حجرة صغيرة مخصصة لهذه الغاية‮.‬
وفي‮ ‬هامبورغ‮ ‬كما في‮ ‬برلين سيضطر كل زائر إلى اتباع سلسلة إجراءات بدءا بالتحقق من الهوية حتى عملية التلقيح‮.‬
وسيخضع كل فرد لمعاينة طبية قبل تلقي‮ ‬اللقاح وفي‮ ‬نهاية المطاف ستكون هناك‮ “‬قاعة انتظار‮” ‬للتأكد من أن العملية برمتها تمت بشكل صحيح‮.‬
وأكد بروم‮ “‬نتوقع أن تستغرق العملية بكاملها ساعة‮”.‬
وفي‮ ‬الثاني‮ ‬من ديسمبر،‮ ‬كانت بريطانيا أول بلد‮ ‬غربي‮ ‬يجيز بشكل طارىء استخدام لقاح فايزر-بايونتيك‮.‬
وتلتها في‮ ‬هذه الخطوة الولايات المتحدة والسعودية وسنغافورة‮. ‬وبدأ صبر ألمانيا التي‮ ‬ضربتها بقوة موجة ثانية من حالات كوفيد‮-‬19،‮ ‬ينفذ‮.‬
ومارست ضغوطا على الوكالة الأوروبية للأدوية،‮ ‬الهيئة الناظمة،‮ ‬لتتخذ قرارا بشأن اللقاح والذي‮ ‬كان مقررا في‮ ‬29‮ ‬ديسمبر على أبعد تقدير‮.‬
وفي‮ ‬21‮ ‬من الجاري‮ ‬أعطت الوكالة الأوروبية للأدوية الضوء الأخضر للقاح،‮ ‬قبل أكثر من أسبوع من الموعد المحدد‮. ‬واعلن الاتحاد الأوروبي‮ ‬بدء حملة التلقيح في‮ ‬27‮ ‬منه‮.‬
وفي‮ ‬مركز هامبورغ‮ ‬أكدت السلطات الصحية أنها مستعدة في‮ ‬حين بدأت بايونتيك عمليات تدريب على الانترنت مع أطباء وممرضات‮. ‬وتجيب الشركة على أكثر من ألف سؤال من الفرق الطبية‮.‬
وانطلقت أولى الشاحنات المحملة بجرعات اللقاح من مصنع فايزر للإنتاج في‮ ‬بلجيكا الأربعاء‮.‬
وتتجه الشاحنات إلى مراكز التوزيع ال25‮ ‬التي‮ ‬حددتها السلطات الفدرالية الألمانية التي‮ ‬ستنقلها لاحقا إلى مناطق البلاد ال294‮ ‬بحسب بايونتيك.وسيواكب عناصر شرطة مسلحون القوافل على طول الطريق‮. ‬وتتخوف ألمانيا من عمليات تخريب محتملة بعد أن ازداد عدد الرافضين للقاح واولئك الذين لا‮ ‬يؤمنون بوجود الفيروس،‮ ‬منذ الصيف‮.‬
وفي‮ ‬مرحلة أولى سيتم تلقيح الأشخاص الأكثر عرضة للخطر الذين تزيد أعمارهم عن ثمانين عاما‮.‬
وتفشى الفيروس بقوة في‮ ‬عدد من دور رعاية المسنين ويبقى عدد الوفيات اليومية مرتفعا‮.‬
وتعتبر المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن كل لقاح سينقذ حياة بشرية‮. ‬وتقول‮ “‬عندما نرى عدد الأشخاص الذين توفوا جراء هذا الفيروس ندرك حينها عدد الأوراح التي‮ ‬سينقذها اللقاح‮”.‬
وبما أنه‮ ‬يتم الأخذ بالحسبان مرور أي‮ ‬يوم،‮ ‬قرر المسؤولون في‮ ‬دار للمسنين في‮ ‬هالبرشتات‮ (‬شرق‮)‬،‮ ‬بدء حملة التطعيم السبت،‮ ‬ومنح شرف الأولوية لإديث كويزالا،‮ ‬المقيمة البالغة من العمر‮ ‬101‮ ‬عاما،‮ ‬لتكون أول شخص‮ ‬يتلقى اللقاح‮.‬
من المقرر انطلاق حملة التلقيح رسميا الأحد في‮ ‬جميع أنحاء البلاد،‮ ‬وفي‮ ‬دول أخرى في‮ ‬الاتحاد الأوروبي‮.‬
وربما سيتمكن أوغر شاهين وأوزلام توريجي‮ ‬من احتساء فنجان جديد من الشاي‮ ‬خلال الفطور‮.‬


بتاريخ : 28/12/2020