تبوريشة مغربية أصيلة

عبد السلام المساوي

 

إن المغرب ساكن في وجدان أبنائه أينما تفرقت بهم السبل، وهذا الأمر يسري على كل الديانات وعلى كل بلدان الهجرة التي انتقل إليها « ولاد وبنات البلاد « الموسومون منذ لحظة المجيء والولادة وحتى لحظة الذهاب والرحيل، بوسم الانتساب المشرف المسمى ..المغاربة .
الحنين للجذور شعور لا يمكن للإنسان أن يخفيه، مهما بعدت المسافات وطال الزمن، وهو ما تأكد حين عبر رئيس الوفد الإسرائيلي « مائير بن شبات « عن حنينه لأصوله وتكلم بالدارجة المغربية .
حكايات لا تنتهي تمتد من صفرو إلى أشدود وإلى دبدو، ومن الدار البيضاء إلى بير شيفا، ومن مكناس أو مراكش أو الصويرة أو تافيلالت أو سوس أو فاس أو الرباط إلى بقية المدن الإسرائيلية التي ذهب إليها مواطنونا من معتنقي الديانة اليهودية. حكايات تقول الارتباط كله، والحنين كله، والامتنان كله لملك البلاد، أمير المؤمنين، كل المؤمنين، أنه جعل حلم زيارة بلد الآباء والأجداد مباشرة، ودون تعقيدات إدارية لا معنى لها، حلما قابلا للتحقق السريع والعاجل والفوري .
قالتها امرأة صويرية تقطن في تل أبيب لقناة تلفزيونية هناك « كنت أعتقد أنني سأموت دون زيارة أخيرة للمكان الذي ولدت فيه والذي ترقد فيه والدتي..كنت حزينة لهذا القدر القاسي والحزين حتى سمعت هذا الخبر ..شكرا محمد السادس على منحي، منحنا جميعا، فرصة هذا التذكار المغربي الأخير «.
لم يستطع بن شبات مغالبة حنينه إلى وطنه الأم، وشوقه إلى عاداته وتقاليده، وبفخر واعتزاز ب « تامغربيت « أصر على التحدث بالدارجة المغربية في حضرة الملك محمد السادس، وعبر عن الولاء للملك بعبارات الدارجة المغربية من خلال ترديده جملة « الله يبارك في عمرك أسيدي، الله يطول لينا في عمرك « .
ولقد هزت كلمة مائير بن شبات، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، المغرب من أقصاه إلى أقصاه، بل وصل صداها إلى كل المغاربة أينما كانوا في العالم الذين اعترفوا أن «تبوريشة « المغربية عبرت ذاتهم والمسام، وأنهم أحسوا بشيء رائع يسري في كل العروق وهم يرون تشبث ابن مخلوف وعزيزة بالحديث باللغة الأم، اللغة المغربية، التي رضعها من الثدي الأصل، والتي جعلته يقول للجميع ما قاله ، وكله تأثر واضح وصادق رآه الجميع بالعين المجردة .
إن علاقة اليهود المغاربة بوطنهم الأصل، علاقة استثنائية ومتفردة ولا يوجد لها مثيل لها في العالم أجمع .
شيء ما تحرك في دواخلنا جميعا ذلك الثلاثاء .
ذلك الشيء يسمى تمغربيت الأولى التي تقطننا دون أي استثناء، والتي يتساوى فيها اليساري باليميني والمتشدد بالحداثي والليبرالي والشيوعي بمن لا انتماء له إلا المغرب .
« تمغربيت « هوية لوحدها وانتماء لوحده وانتساب لوحده ، فيها تجتمع هاته الفسيفساء التي تشكلنا نحن المغاربة جميعا، يهودا ونصارى ومسلمين وديانات أخرى، وعربا وأفارقة وأندلسيين وأمازيغ وقادمين آخرين من كل مكان على هاته الأرض لكي نصنع منذ قديم القرون والعقود الأمة المغربية، وهي نسيج وحدها، وهي تفرد خاص واستثناء مغربي خالص.
يوم الثلاثاء الماضي كانت تبوريشة مغربية أصيلة وأصلية، ذكرت كل واحد منا وكل واحدة بشيء ما داخله يقول له إنه مغربي ويقول لها إنها مغربية …
نقولها بالصوت المغربي الواحد …لنا نحن هذا الوطن الواحد والوحيد، وهاته البلاد التي ولدتنا وصنعتنا وصنعت كل ملمح من ملامحنا، والتي تجري فيها دماء أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا، والتي تجري دماؤها في مسامنا وفي العروق .
نفخر بهذا الأمر أيما افتخار، ونكتفي أننا لا ندين بالولاء إلا للمغرب، وهذه لوحدها تكفينا، اليوم، وغدا وفي باقي الأيام ، إلى أن تنتهي كل الأيام …
لا بد من الانطلاق من كون الأمر يتعلق بوطن، والوطن هنا ليس مجرد رقعة جغرافية لتجمع سكني، بقدر ما يعني انتماء لهوية ولحضارة ولتاريخ .
منذ قديم القديم نقولها: هذا البلد سيعبر إلى الأمان في كل الميادين بالصادقين من محبيه وأبنائه الأصليين والأصيلين، لا بمن يغيرون كتف البندقية في اليوم الواحد آلاف المرات، والذين يكون المغرب جميلا حين يستفيدون ويصبح قبيحا حين لا ينالهم من الفتات شيء .
لا نستطيع أن نعدكم بأن المغرب سيتوقف عن تقديم الدروس المجانية وعن إطلاق الصفعات الحضارية نحو أولئك الذين يتخيلون كل مرة واهمين أنهم أكبر من هذا البلد الأمين ومن هذا الشعب الأمين …
لتطمئن الحملان الصامتة، سيزداد صمتها مع تطور الأحداث كلها، وسيرتفع صوت البلد وناسه فقط في كل الأرجاء بالدعاء بالسلامة لهذا البلد وأهله، فذلك ما يشغل البال ( بال الكل قمة وقاعدة ) في نهاية المطاف.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 29/12/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *