تصفية مستمرة لحركة القوات الشعبية في آيت باعمران بعد الخروج السياسي لفرنسا من المغرب…

محمد الوحداني

 

*هامش تاريخي :

الكتابة التاريخية وعي شقي تزعج دوما محدودي الأفق .
وأول سؤال من سؤالين يواجه قراء هذا العمود هو :

1 – لماذا بالضبط ينزعج « التيار الثالث « من انتماء ساكنة المنطقة الجنوبية عموما إلى حزب القوات الشعبية، وخصوصا وأكثر انخراط آيت باعمران في الحركة الاتحادية ؟ وبالمناسبة آيت باعمران ليست قبيلة تحديدا، بل هي» تحالف تاريخي لمجموعات إثنية متعددة الثقافات والآفاق « تشكل أحد أكبر التجمعات السكانية والبشرية في الجنوب المغربي من سوس إلى وادي الذهب .
والثاني: لماذا بالضبط أزعجت وتزعج نتائج الحركة الاتحادية في الانتخابات هذا التيار الثالث منذ انتخابات 1963 إلى الانتخابات المقبلة عام 2021 ؟
– إزعاج أثناء مرحلة المسلسل الديمقراطي، وتمتين الجبهة الداخلية، والقوة الأيديولوجية والانتخابية لحزب القوات الشعبية .
– استمرار الإزعاج أثناء «مرحلة بناء الجهوية الموسعة والحكم الذاتي» بالرغم عن تراجع نتائج حزب القوات الشعبية – بفعل الاغتيالات والتصفيات والسجون والنفي والإجهاز على تجربة التناوب الديمقراطي والمنهجية الديمقراطية، أما الحركة الاتحادية فإنها متجذرة وما زالت قوية داخل المتخيل السياسي المغربي، وداخل المؤسسات الوطنية والدولية .
ونقدم هنا إشارات تاريخية للأهمية الاستراتيجية لإقليم آيت باعمران كملاحظات عامة لفهم السياق التأطيري لرؤيتنا :
كل القوى الاستعمارية الكبرى حاولت دوما الدخول للمنطقة، وبناء قواعد عسكرية بها أوتأسيس مراسي وموانئ :
( فرنسا، إسبانيا، إنجلترا، ألمانيا، البرتغال….) إلى حد أن إسبانيا جعلت منها عاصمة للصحراء ومستعمراتها بإفريقيا الغربية… و في العقود الأخيرة كانت الولايات المتحدة الأمريكية تفكر في إنشاء قاعدة عسكرية بها .
وحتى بالنسبة لملف الصحراء المغربية، فإن تداول الملف أمميا لدى الأمم المتحدة في اللجنة الرابعة كان معروفا تحت اسم : « ملف إفني والصحراء الغربية «، كل هذه التفاصيل وغيرها كثير تجعلنا أمام معطيات يجب على صناع القرار التفكير فيها مليا، والاستماع إلى من يهمه أمر الوطن، الاستنارة بمن يعرف تاريخ الملفات، وليس التورط كل مرة مع فاعلين انتخابيين محدودي الفكرة والفكر، حدود تفكيرهم هو موعد الانتخابات ونهم الجلوس على كراسي رئاسة الحكومات والمجالس الترابية…، نقول لهم إن هذا الإصرار والترصد جريمة في حق الوطن و الحركة الاتحادية وقبائل آيت باعمران .
البدء :

كان من مبررات « التيار الثالث» لإقناع القصر بخطورة تجذر الحزب في آيت باعمران، تهمة جاهزة وسبب تاريخي داخلي مرتبط بحدة وأنفة الباعمرانيين وتاريخ مقاومتهم، وهذه الصفات موجودة أيضا لدى الحركة الاتحادية، مما يجعل الأمر خطيرا في رأيهم، مما يلزم الدولة كل مرة بقطع الطريق وفبركة الملفات وتزوير النتائج لصالح أحزاب معلومة !
لم يكن هدف هذا « التيار الثالث» الحفاظ على الوطن أو على الملكية، ما دام أن كل المحاولات الانقلابية كان من ورائها زعماء أو تحالفات هذا التيار… و كان بغيته الحقيقية هو وضع حد لانتماء مواطني المنطقة وأبنائها – خصوصا في الجنوب من أكادير إلى الداخلة، بحكم أنهم يشكلون أغلبية إثنية وقوة اقتصادية وانتخابية – للحركة الاتحادية، وبما أن التيار الثالث يعلم جيدا أن قضية الوحدة الترابية، والصحراء المغربية، قضية مركزية في النظام السياسي المغربي من جهة، وأن مصالح جيواقتصادية وجيوسياسية كبرى ترهن مصالح البلد كلها من خلال تطورات الأوضاع في الجنوب، وبما أن كومبارسات هذه الأحزاب الإدارية المصنوعة على مقاس مصالح أشخاص وليس مصالح الوطن، يعلمون جيدا أن لا شرعية ولا كفاءة ولا بطولة و لا مجد حقيقي لهم عند الشعب، و لا يمكنهم أبدا نيل ثقة المواطنين ولا الحصول على أغلبية ديمقراطية تمكنهم من تسيير وتدبير المؤسسات الرسمية للدولة المغربية، فإن محاولاتهم المكررة والمشروخة.. كانت هي كيل اتهامات ممنهجة وجاهزة ضد كل شرفاء الوطن وأحزابه الحقيقية والوطنية، وبما أن لكل مقام مقال، ونحن هنا نتحدث عن صحراء الجنوب المغربي، فالتهم التي كانت جاهزة آنذاك هي أن :
– الشعب قاصر وليس مؤهلا أن ينتخب المؤهلين، وسيختار حزب القوات الشعبية أوالأحزاب الوطنية الأخرى، إذن على الدولة وحفاظا على الملكية والوطن أن تصحح الوضع ! بما معناه أن البديل سيكون هي هذه الأحزاب الإدارية الناطقة الرسمية باسم التيار الثالث ومصالحه .
– وبالنسبة لمنطقة آيت باعمران هم أصلا مشكوك فيهم، أضف إلى ذلك أنهم سيصوتون على حزب القوات الشعبية، إذن فالتهمة تهمتان، ويجب أن تزور إرادتهم وأينما كانوا ليس فقط في نفوذ تراب آيت باعمران ! ولغريب الصدف أن من كان يتهم آيت باعمران لدى الدولة بهذه التهم الخطيرة هو من فضحه التاريخ : أوفقير الجنرال الانقلابي والبصري إدريس الوزير/ الحاكم الذي كان و من معه سببا في تعطيل أي تقارب بين القصر والشعب والذي أنهى حياته بمحاولة خلق فتنة العيون والضرب في مغربية الصحراء…! الذي قال لأحد باشوات سيدي إفني حينما تم تعيينه باشا على حاضرة آيت باعمران وفي مكتبه : سنعينك عند بوليزاريو حتى ظن المسكين أنه سيذهب إلى تندوف ! بل أن ما قام به في العيون من تحريض على الانفصال، كان يقوم به من قبل في سيدي إفني حيث كان يقوم عملاؤه من موظفين بتنسيق مع الطابور الخامس بالمدينة على كتابة شعارات مضادة للوطن، خدمة لهذه الأجندة، ودائما أثناء تصويت الشعب على الاتحاديين …

* النتائج المخدومة ضد الوطن والحركة الاتحادية :

ارتأت و بإصرار ممنهج حسابات «بعض خدمة المصالح الفرنسية» أو ما سماه الشهيد المهدي بنبركة ب « الخيار الثالث» و قرارات رضا كديرة و من معه في ما سمي وقتئذ بحركة « جبهة الدفاع عن الحريات الديمقراطية « في أواخر الخمسينيات « و ما عرف بجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية « في أوائل الستينيات، أن تكون النتيجة الانتخابية ضد حركة القوات الشعبية في منطقة آيت باعمران .
ولمكر المصالح والتاريخ تصادفت المغادرة السياسية لفرنسا من مناطق نفوذها الحمائي في شمال ووسط المملكة المغربية، مع انتفاضة 23 نوفمبر بآيت باعمران، ضد التواجد العسكري الإسباني في المنطقة عام 1958، وقد إلتأم وفد من زعماء قبائل المنطقة، لتقديم البيعة للمرحوم محمد الخامس، وفي نفس اللقاء قدمت ملتمسات كان من بينها تعيين ممثلين للدولة في الإقليم، لكن مياها كثيرة جرت تحت جسر هذا التواصل، بسبب تحريض « بعض المقربين « ضد آيت باعمران، مما جعل قبائل باعمران ولمدة ثمانية أشهر دون إداريين معتمدين من العاصمة !
كانت حسابات رضا كديرة وأوفقير وأزلامهم تواصل خطتها من خلال استراتيجيتين :
1 – سياسية عبر خلق هوة بين القصر و آيت باعمران.
2 – انتخابية عبر استئصال الحركة الاتحادية من آيت باعمران .
وقد تجلت الاستراتيجية السياسية لهذا التيار المقرب في التحريض الدائم للملوك العلويين ضد آيت باعمران ( بالرغم عن الارتباط الدائم للمنطقة مع القصر من خلال :
– تقديم البيعة .
– الدعاء للملوك في صلوات الجمعة والأعياد .
– رفض مقترح التجنيس الإسباني لساكنة المنطقة عام 1947 .
– رفض الباعمرانيين للمقترح الإسباني بإحداث دولة إفني عام 1958 .
– رفض الباعمرانيين القرار الأممي لمنظمة الأمم المتحدة، لاستفتاء ساكنة قبائل آيت باعمران عام 1968 حول سؤال الجنسية وتشبثهم بمغربيتهم .
– الدور المركزي الذي لعبه الباعمرانيون المقيمون في المناطق الصحراوية للحفاظ على الوحدة الترابية ومغربية الصحراء ). لكن كل هذا لم يشفع طيلة عقود للمنطقة، وكما العادة حيث إن قرب بعضهم من أذن الملوك جعل إقليم آيت باعمران يدفع ثمنا سياسيا لاختياراته الانتخابية الاتحادية .
وتمظهرت الاستراتيجية الانتخابية لبعض المقربين من دوائر صنع القرار، للإجهاز على الحركة الاتحادية بإقليم آيت باعمران، طيلة ستينا عاما مما يعني ذلك أن الأمر مستمر إلى اليوم من خلال :
– بعد إخراج إسبانيا بقوة السلاح من نفوذ بادية آيت باعمران أواخر الخمسينيات، تم تزوير نتائج الانتخابات البرلمانية والمحلية، في اقتراع عام 1963، حيث إن ساكنة المنطقة صوتت بالإجماع على المرشح الاتحادي وأحد الرموز التاريخية لهذه المنطقة ولعموم الصحراء المرحوم سي حماد الدرهم، ليتم إنجاح اسم آخر محسوب على رضا كديرة وأوفقير… دون إغفال أنه لم يصوت أحد على هذا المرشح الذي أنجح عنوة، والذي لا تربطه أي علاقة بالمنطقة ! التي نعرف جميعا تعاطفها المبدئي والتاريخي مع الحركة الاتحادية من جهة، ومن جهة اخرى المعطى القبلي الذي يحكم العملية الانتخابية فيها، وفي الجنوب المغربي عموما وإلى حدود اليوم .
وكذلك كان الأمر بعد خروج إسبانيا من إفني في 30 يونيو 1969، حيث استمرت الاستراتيجيتان، فمن الناحية السياسية تسبب الجنيرال الدموي وقائد أكثر من انقلاب لاغتيال المرحوم الحسن الثاني وأسرته في سوء تفاهم وفهم كبيرين، بين الملك وساكنة المنطقة، من خلال تنظيم غير المأسوف عليه «جنرال الدم» لمحاولة اغتيال الملك أثناء زيارته للمدينة، لكن فشل هذه المحاولة جعل أوفقير يتهم الباعمرانيين بذلك ! درءا لنفسه من أي شبهة، ومواصلة لنفس الخطة السياسية ….
وكما هي العادة استمر بعض أولئك المقربين في الانقضاض على هذه الفرصة انتخابيا والحديث عن أن الانتماء القبلي لآيت باعمران شبهة تاريخية ودموية ( العصيان والتمرد… ) وأنه سيزيد طين هذا القضية بلة الانتماء الحزبي للحركة الاتحادية، وبالتالي على الدولة أن تجد حلا لوقف زحف الحركة الاتحادية في المنطقة.
وانطلقت محاولات التأثير الاستباقي عبر ( حرق مقر الحزب، تهديد المرشحين، تهديد الناخبين، اعتقالات في صفوف المناضلين، إشاعات مغرضة ضد الحزب….)، لكن المواطنين كانوا على الموعد وبقوة حيث تمت حماية مكاتب التصويت، وتم إفشال محاولة تزوير الانتخابات في السبعينيات بمدينة سيدي إفني حاضرة قبائل ايت باعمران، حيث سجلت الحركة الاتحادية نتيجة ساحقة، تمثلت في حصول حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على مائة بالمائة من مقاعد بلدية سيدي إفني .
وبعد شهور تم فبركة قضية سب الملك ( التهمة الرائجة آنذاك ) ضد رئيس بلدية سيدي إفني، الاتحادي الأستاذ محمد شوقي، وزج به لسنتين في السجن السيء الذكر بإنزكان الذي كان إسطبلا للخيول والحمير !!! وتم تهديد باقي أعضاء المجلس الاتحادي لبلدية سيدي إفني من طرف باشا المدينة وبعض مسؤولي أجهزة أمنية، بأنهم أمام خياران إما أن يلتحقوا بحزب التجمع الوطني للأحرار، أو خيار الالتحاق برئيسهم بالسجن ! وأنه سيتم فبركة ملفات لهم وإدخالهم السجن أيضا…
يتبع

الكاتب : محمد الوحداني - بتاريخ : 31/12/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *