لكن بعد مرور62 سنة على اغتيال عبان رمضان عاد اسمه إلى الواجهة مع تظاهرات الحَراك الشعبي في الجزائر الذي انطلق في 22فبراير2020 ، إذ رفع مئات الآلاف من الجزائريين صورته و هتفوا باسمه، و في محاولتهم لإرجاع العسكر إلى ثكناتهم وبناء دولة مدنية، كتب متظاهرو الحَراك الشعبي الجزائري يافطة عريضة (اسمعوا،اسمعوا يا ناس،عبان رمضان ترك وصية، دولة مدنية ماشي عسكرية )في إشارة منهم إلى دعوته في مؤتمرالصوماملإعطاء الأولوية للجانب السياسي على الجانب العسكري
اشتهرت الثورة الجزائرية بأنها « الثورة التي تقتل/تأكل أبناءها» أو كما قال المناضل والمؤرخ الجزائري القدير محمد أحربي، «بأن الثورة الجزائرية هي حرب داخل حرب»، أي أنها ثورة أهلية داخل الثورة الجزائرية الكبرى المعادية للاستعمار، لقد تكاثرت عمليات الاغتيالات حتى قبل مجيءالاستقلال، حيث تحولت الثورة الجزائرية منذ جريمة اغتيال عبان رمضان إلى انقلاب عسكري مفتوح وجنايةمكتملة الأركان ودائمة في حق الشعب الجزائري، كما سيتم شرعنة الاختيار العسكري مع انقلاب هواري بومدين ضد الرئيس الشرعي أحمد بنبلة سنة 1965 الذي سيُودع في السجن بدون محاكمة لمدة خمسة عشر عاما، وسيفرج عنه في بداية عَقْد الثمانينيات بعفو رئاسي، وتوالت بعده سلسلة الاغتيالات في فترة استقلال الجزائر كان أولهم محمد خيضر الذي كان من بين المناضلين السبعة الذين أطلقوا الشرارة الأولى لثورة الأول من نوفمبر ،وكان مسؤولا عن «صندوق التضامن» في الثورة، لكن عندما انضم إلى المعارضة ضد الجناح العسكري الذي يقوده بومدين، عمل على تنظيم صفوف المعارضة في أوروبا و قام بتنظيم عملية الهروب من السجن للمعارض الكبير الحسين آيت احمد، وتمت مطاردته في منفاه بإسبانيا ،عندما اعترض طريقه مجموعة من المسلحين الذين أردوه قتيلا في شوارعمدريد أمام مرأى ومسمع من زوجتهسنة 1967ودفن بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء بجانب المقاوم المغربي محمد الزرقطوني، واستمرت لعنة اغتيال عبان رمضان التي ستطارد منقتلوه واحدا واحدا، من الذين كانوا سباقين في جناح العسكريين إلى تدشين جرائم الاغتيالات ، ففي سنة 1970 تم العثور على كريم بلقاسم مخنوقا بنفس الطريقة التي اغتيل بها عبان رمضان، في غرفة بأحد الفنادق بمدينة فرانكفورت بألمانيا، بعد أن تحول إلى معارض لنظام هواري بومدين.
انفجرت الحرب «الأهلية الجزائرية» سنة 1988وأُطلقت على الصراع المسلح بين الحكومة الجزائرية وفصائل متعددة وُصفت بأنها تتبنى أفكار «الإسلام السياسي» منها «الجماعة الإسلامية للجهاد المسلح»،لقد بدأ الصراع المسلح سنة 1991بعد إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية لعام 1992 واستمرت لأكثر من عَقد من النزاع ذهب ضحيته أكثر من 100.000ألف شخص جلهم من المدنيين، وسيضطر نظام الرئيس الشاذلي بنجديد لإجراء بعض الإصلاحات السياسية وتنظيم انتخابات ديمقراطية فاز بها الإسلاميون بأغلبية ساحقة، لكن الاتجاه العسكري الحاكم المُكَوَن من مجموعة من «العُقداء» العسكريين، سيقررون إبطال هذه الانتخابات وإجبار الرئيس بنجديد على التنحي وتقديم استقالته، ومن أجل ملء هذا الفراغ الدستوريسيتم استدعاء الرئيس محمد بوضياف الذي كان لاجئا في المغرب كأحد القادة التاريخيين الستة الذين فجروا ثورة نوفمبر، والذي بدوره سيتم استدراجه للمجيء إلى الجزائر واغتياله كذلك غيلة وغدرا في تجمع خطابي وعلى شاشات التليفزيونات المحلية والعالمية من لدن حارسه الشخصي في شهر جوان 1992، وما زالت أسباب اغتياله مجهولة وبدون سبب مقنع.يتحمل مسؤولياتها ما يسميهم الجزائريون بتكتل «العِصابة «
(لقد ظهرت المقاومة الوطنية في الصحراء المغربية لقوات الاحتلال الإسباني و الفرنسي بعد عام واحد من حصول المغرب على الاستقلال،سنة 1956، تحت قيادة جيش التحرير المغربي الذي استمد عناصر قوته من دعم قبائل الصحراء المغربية) ،(اعتمدنا على المرجع الموضوعي والموثق علميا لمؤلفه علي الشامي بعنوان «الصحراء الغربية ، مقدمة التجزئة في العالم العربي») ولقد تشابكت منذ البداية، مسألة الحدود المغربية في تيندوف و قضية الصحراء المغربية /الغربية، التي ستشكل الأساس التاريخي للأزمة الحدودية بين الجزائر والمغرب ، لقد كان على اسبانيا بموجب اتفاقية مدريد عام 1957 بعد حصول المغرب على استقلاله سنة 1956،أن قام المغرب بالمطالبة بحقه في المستعمرات الاسبانية في شمال غرب افريقيا (سبتة و مليلية) و في عام 1957انطلقت وحدات من جيش التحرير المغربي لقتال السلطات الاستعمارية الإسبانية المتمركزة في طرفاية والساقية وريو دي أورو، بهدف تحرير هذه الأراضي من الاحتلال الأجنبي، وبفضل الدعم الذي تلقاه جيش التحرير من القبائل الصحراوية ،تمكن من إلحاق الهزائم بالقوات الاسبانية التي اضطرت إلى التراجع إلى المدن الداخلية في الصحراء،ونتيجة لهذه الخسائر وقعت اسبانيا اتفاقية مع فرنسا عام 1958للقيام بحملة عسكرية مشتركة ضد جيش التحرير المغربي عُرِفت بعملية «المكنسة» أو «أوكيفيون»وهو الاسم الحركي الذي أطلقته فرنسا واسبانيا على عملية الهجوم على المقاومة المغربية، استطاعفيها جيش التحرير أن يحرر مناطق السمارة و بير إنزارن، و في سنة 1958توَغل جيش التحرير المغربي في العديد من المناطق الصحراوية، وقامت اسبانيا وفرنسابهجوم مشترك لتصفيته ، «وفي سنة 1961سيتم إعلان منطقة الصحراء محافظة تابعة لإسبانيا»
تمثل معاهدة لالة مغنية في 18مارس 1845اطارا مرجعيا في ترسيم الحدود، و هي المعاهدة التي وقعها المغرب و فرنسا بعد هزيمة معركة إيسلي 1844بسبب مساندته ودعمه لثورة الأمير عبد القادر الجزائري ،و في تلك المعاهدة تم التنصيص على استمرارية الحدود التي كانت بين المغرب وتركيا، لتصبح هي الحدود الحالية بين المغرب و الجزائر ،ولقد تلت هذه الاتفاقية عدة اتفاقيات أخرى، سنة 1901-1902، و بقي مشكل ترسيم الحدود عالقا،خصوصا بعد اكتشاف معدن الحديد في تيندوف، ولقد غلبعلى هذا الصراع أوضاع الحرب الباردة وانحياز المغرب للمعسكر الأمريكي بينما انحازت الجزائر إلى المعسكر السوفياتي و لاسيما بعد انقلاب بومدين 1965،و ماغَدًى هذا النزاع بقوة هو صعوبة استغلال معدن الحديد المكتشَف بتيندوف إذا تم نقله عبر الصحراء في اتجاه المحيط الأطلسي أي عبر المرور بالأراضي المغربية في الصحراء المغربية، باعتبار الكلفة الكبيرة لنقله من منطقة تيندوف إلى الساحل المتوسطي للجزائر في الشمال،وفي مفاوضات يونيو1972 التي أتاحتالاستغلال المشترك للمناجم في مقابل الاعتراف المغربي بجزائرية منطقة تيندوف، و التشارك في استغلال و إنتاج و تسويق حديد تيندوف، كان من ثمارها معاهدة حول الحدود المغربية – الجزائرية، نصت على دعمالجزائر لمغربية الصحراء الغربية، و( قد تلا ذلك اللقاء تصريحات الرئيس هواري بومدين في مؤتمر القمة العربي بالرباط في اكتوبر 1974أمام الملوك ورؤساء الدول العربية،اعتبر»بأن مشكلة الصحراء لاتهم سوى المغرب وموريتانيا، وأن الجزائر مع الدولتين تؤيد تحرير كل شبر من الأرض وكل الجزر التي لا تزال تحت الاحتلال الإسباني»، (م، علي الشامي ص 214 )
لقد عرف مسار الوحدة المغاربية بعض الإرهاصات الأولية من خلال قيام بعض الوطنيين المغاربة بالدعوة إلىوحدة الأقطار المغاربية خاصة أثناء فترة الكفاح الوطني المسلح ضد الاحتلال الفرنسي و طرده من الأقطار المغاربية، من خلال الدعوة إلىتوحيد الكفاح المسلح و تكوين جيش التحرير المغاربي بالموازاة مع توحيد النضال السياسي، وهو ما تُرجم على أرض الواقع في تجربة مكتب المغرب العربي و «لجنة تحرير المغرب العربي» بالقاهرة عام 1947،وكذلك الحال في لقاء مؤتمر طنجة سنة 1958دون أن ننسى تجربة إنشاء «جيش تحرير المغرب العربي» في 1955،لقد كان إجماع الشعوب المغاربية على ضرورة بناء الوحدة المغاربية محسوما في الوقت الذي كان منتظرا فيه وضع قاطرة بناء المغرب العربي المستقل، وهكذا عَبًر المناضل المغاربي المهدي بنبركة في المؤتمر الثاني لحزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1962 عن امتعاضه وتبرمه من مسار الاندماج الوحدوي، أي بعد استقلال الدول المغاربية الثلاث(إنه لا يجوز أن تبقى وحدة المغرب العربي مجرد شعار أجوف دون مدلول ،بل يجب أن يعطى لهذا الشعار مضمونه الصحيح عن طريق توحيد المنظمات الجماهيرية وإقامة المؤسسات السياسية و الإدارية المتوازنة،(م،المهدي بنبركة «الاختيار الثوري في المغرب» ،ص 53بيروت 1964) وعلى المستوى السياسي بدأت اللقاءات بين البلدين بتاريخ 1970بين الملك الحسن الثاني و الرئيس هواري بومدين بمدينة تلمسان و التي علقت عليها الجماهير المغاربية آمالا عريضة من أجل حل النزاعات و الخلافات القائمة بين أقطار المغرب العربي و العمل على تحقيق وحدة دول المغارب،و قد تم في هذا اللقاء، الاتفاق على حل مشكل الحدود بين القُطرين وتأسيس شركة جزائرية –مغربية لاستثمار منجم الحديد»بغار جبيلات» وطُرحت مشكلة الأراضي التي تحتلها اسبانيا، و أعقبها لقاء آخر،جمع الملك الحسن الثاني والرئيس الموريتاني مختار ولد دادة وذلك بمدينة أغادير المغربية سنة 1973بهدف الاتفاق على الحدودومشكلة الصحراء تحديدا،كما ظهرت دعوات مغاربية لتفعيل قضية الوحدة المغاربية عبر التعاون و التكامل الاقتصاديين،لأن الوحدة ضرورة اقتصادية،تفتح سوقا مكوَنة على الأقل من مائة مليون نسمة ،تتعاون في الجهود على القضاء على التخلف، إن نزعة الانفراد بالقيادة في شمال غرب افريقيا ، من العوامل التي جعلت القومية الجزائرية على الرغم من حداثتها، تحاول إيجاد موطئ قدم لها بالمنطقة الأطلسية ،وجعل هذه الاختلافات الحدودية تطفو فوق السطح على نحو جلي في النزاع حول الصحراء، بينما «نجد أن المغرب ركز بعد حصوله على الاستقلال على استكمال وحدته الوطنية التي أعطت للقومية المغربية طابع تحرير وطني،في حين أن الجزائر كانت تعارض هذه الرغبة من منطلق المصالح الوطنية الضيقة،(م، علي الشامي»
لكن ما هي الأسباب التي حالت دون بناء اتحاد مغاربي بعد الاستقلال خاصة وأن كل أسسو مقومات هذا الاتحاد كانت متوفرة ،وما هي أفاق مشروع الاتحاد المغاربي الحالي في ظل ما تعيشه البلدان المغاربية من خلافات معقدة، خاصة ،بين المغرب والجزائر،وذلك عندما تُحْشَر فيها قضيةالصحراء المغربية التي يدعي الجزائريون أن المغرب يحاول «توريط»الجزائر في الصراع الدائر بينه وبين جبهة البوليزاريو، مع العلم أن مشروع الوحدة المغاربية لم ير النور حتى قبل ظهور هذه القطبية الشائكة التي زادت الطين بلة و قضت على كل أمل في تحقيق مغرب موحد كبير،إن الخلاصة البادية للعيان أن زُمْرة العسكر في الجزائر لا يطيقون أن يجاورهم أحد، حتى ولوكانت الثورة الصينية أو الكوبية، لأنهم لا يحتملون المنافسة الشريفة وعلائق المجاورة الديمقراطية، لقد أصيبوا بعد حرب التحرير بعقدة الخواء «الاستعلائية» وبأنهم فوق العالمين، وتنكروا للدعم الذي قدمه لهم جيرانهم نتيجة لنزوعهم التسلطي إلى الإنفراد بزعامة المغرب العربي،سواء كان ذلك على مستوى دول الجوارالمغاربية أو الإفريقية، ولقد عبرعن ذلك،وزير النفط السابق في الجزائر عند تأميم الثروة النفطية في مطلع عقد السبعينيات بنشوَة منتفخة، بأن «الجزائر هي بمثابة يابان إفريقيا». لقد ورث عسكر الجزائر من الاستعمار الفرنسي، نزوع «الرغبة في الهيمنة والتسلط»دون امتلاك القدرة على الفعل ، عندما أغدق الاستعمار عليهم أراض شاسعة كان يحتفظ بها لنفسه، مُنتزعة من الحدود المغربية والتونسية،ولقد تجلى هذا التغول الجزائريفيإصرارها على اعتماد خرائط الحدود في طبعتها الاستعمارية وعرقلت التفاهم حولها في محاولة لتأبيدمدة الصراع حولها لفترة تفوق نصف قرن، لأن العسكر في الجزائر استطابوا وضع استاتيكووأن تبقى قضية الوحدة الترابيةبدون حلولإلهاء المغربعن مشاريعه الإنمائية،لقد اعتمد الجيش الجزائري على حزب»جبهة التحرير الوطني» التي تحولت بعد الاستقلال إلى فئة كمبرادورية تعيش على الريع النفطي، و منذ إزاحة وتهميش الجناح السياسي في مؤتمر الصومام ،وصعود الانقلابيين العسكريين إلى سدة الحكم ، اكتشفنا كثرة افتعال المؤامرات الموجهة إلى الدول المجاورة للجزائر، نستحضرفي هذا السياق الشهادة الصادقة حول النزوع التوسعي للعسكر الحاكمين في الجزائر، الذين لم ينازعوا المغرب وحده في وحدته الترابية ، بل مارسوا تنمرهم حتى مع الجارة التونسية وقاموابالاستحواذ على الحدود الصحراوية التونسية، من خلال الشهادة الصادقة لوزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس،الذي صرحفي حوار تلفزيوني «أن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب كاملة على صحرائه يمثل مكسبا قويا للمملكة في الدفاع عن سيادتها و حقوقها المشروعة مؤكدا أن النظام الجزائريهو الذي يتحمل مسؤولية إجهاض الحلم المغاربي»ومن جهة أخرى ،أكد أن المملكة المغربية ليست هي من كسر الخيار المغاربي وإنما كسره أولائك الذين يلعبون بالنار،ومن أشهروا الحرب على المغرب وكذا على تونس) وأضاف أن المغاربة ليسوا و حدهم ضحية النظام العسكري الجزائري بل المنطقة المغاربية برمتها (فهذا النظام هو الذي أشهر الحرب على المغرب ،بل وحتى على تونس التي اقتطع مئات الكيلومترات من صحرائها ،في تنكر تام للتضحيات بين البلدين الجارين في سبيل استعادة الجزائر سيادته من الاستعمار» مذكرا بأن العدوان الوحيد الذي تعرضت له تونس غداة استقلالها،كان من جهة النظام الجزائري، في إشارة إلى الهجوم على «قفصة» و قال (إنه في الوقت الذي لا تؤمن فيه تونس و المغرب بمنطق تحقيق الخريطة الاستعمارية بالمنطقة ) نجد أن الحكام الجزائريين يتشبثون بالخريطة كما وضعها الاستعمار، وأعرب السيد ونيس عن اعتقاده بأنه لوأنالنظامالجزائري اتخذ القرار الديمقراطي الصحيح،فإن فتح المسار في بناء المغرب الكبير كان سيتحقق ،بأن تكون الدول الثلاث أي تونس و المغرب و الجزائر هي الرابح الأكبر، في هذا السياق، يجب أن نذكر كذلك شهادة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة –منقولة حسب رواية وزير الداخلية التونسي الأسبق الطاهر بلخوجة – الذي قال رواية عن الحبيب بورقيبة الذي (كان يعتبر أن مشكل الصحراء الغربية قضية مصطنعة و يرجع ذلك إلى أن الجزائر كانت تسعى دائما إلى فرض وجود تلك الرقعة و تدعيمها ككيان ،) لقد فضلنا ذكر و جهة نظر الدولة التونسية في علاقتها الموتورة مع النزوع التوسعي الجزائري ضد الجارة التونسية ،لأن هذه الشهادة القيِمة لاتترك للنظام العسكري في الجزائر فرصة أن يعلق مشجبه على الحق المغربي.