التراث الثقافي اللامادي شدّ وجذب بين المغرب والجزائر
عزيز الحلاج
لا يُدرك في الجزائر الشقيقة، أن التراث الثقافي غير المادي الذي يُمارَس في بلدينا معا، فيه تشابه واختلاف بسيط .فهو إرث عام مشترك قبل ترسيم الحدود، يُتوارث جيلا بعد جيل، ويتطور بفعل السنين والمهارات، ويُصقل بفضل ذوي الملكات والمواهب.
غني عن البيان أن المغرب والجزائر قطران شقيقان، يؤلف بينهما أكثر بكثير ما تنسفه السياسة. فلكليهما تاريخ مشترك ولغة واحدة وعِرق واحد وتراث واحد وذاكرة جمعية ومستقبل واعد. ولقد أفلحت الدول الامبريالية في رسم الحدود-بشكل جائر- بين الطرفين، وبث الشقاق بين الشعب الكبير الواحد، وأججت الإحساس بالهوية والنظرة الضيقة للماضي، للحاضر والمستقبل.
ولأن الجزائر تمتلك أكبر مساحة في القارة الأفريقيّة، وموارد طبيعية كثيرة ومتنوعة،وُظفت-للأسف- في بناء ترسانة عسكرية مبالغ فيها، بعقدة حب التفوق والتعملق، على حساب معيش إخوتنا الجزائريين، فإنها تغار أو لنقل تحسد المغرب الذي يتطور بخطى حثيثة على كافة المستويات.ومن أعراض هذا الحسد، أنها تتربص وتتحين وتتدافع بالمناكب لتحد من تحركاته، وتغمط حقوقه وتقمع مشاريعه، وتستكثر عليه أيضا أحقيته في تراثه الثقافي واللامادي.
والعجب، أن تتحدث الجزائر عن أن التراث اللامادي بمنطقة المغرب العربي يندرج ضمن موروثاتها الثقافية، لذلك لا نستغرب أن تلوك باستمرار حديثا مملا حول سرقات أدبية وفكرية قام بها المغرب ضدها، وتنسب أعلاما مغاربة إليها، اعترف التاريخ بمجهوداتهم الكبيرة على شاكلة الرحالة بن بطوطة، وطارق بن زياد.. ويتعدى الأمر الأعلام، إلى الأماكن والأفكار والمواقف والفنون والآداب والموسيقى.. ولكن المغرب، لم يطالب أو يتبجح- يوما- بمشاهيرَ»جزائريين» من الفن والمغنى والقلم والسياسة والرياضة.. مسقطهُم مدينة وجدة المغربية.. !
ولكَم سمعنا الجزائر تتهم هذا المطرب أو ذاك الملحن المغربي في موضوع أغنية تراثية بأنه نحّال أو سارق، وامتد الأمر إلى المواقف، حتى صرنا نُصبح ونمسي على ترديد الجزائر بأنها هي أول من اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية وليس المغرب !وهي أسبق من المغرب في كذا وكذا.. وخطابات الجزائر طافحة بأسماء التفضيل والمبالغة وثنائيات التعاظم والاستصغار والتعريض واللمز والوعيد.. والحديث المستفيض عن الأوليات والأسبقات كلما أتت على ذكر المغرب.
والعُجابُ، في إطار عنجهية الجزائر واستماتتها في إضعاف التراث اللامادي المغربي، بل وعدم الاعتراف بفضلٍ أو إبداعٍ للمغرب،تقيم الندوات وتعقد المحاضرات والمهاترات من أجل أن تستأثر بملكية عادة متجذرة أو تقليد تغلغل في تفاصيل حياة المغاربة مثل طبق الكسكس، أو «سكسو»، بفتح السين أو كسرها أو تسكينها، القصعة الشهيرة بالمغرب، الذي يعد شارة من شاراته الثقافية وسلوكاته الحضارية وعاداته وتقاليده الأثيرة، الذي يكون في كل جمعة بعد صلاتها، وفي المآتم والعقائق.. وعند رمي «ضالة» أو سقف فوق أعمدة منزل أو عند انتهاء عملية الحصاد.. أو قرب المساجد في «ليلة 27» أو إخراج النذور والصدقات.. أو كوجبة غذاء أو عشاء أو سحور باللبن من غير مرق.و ويفضلُ الكسكسُ، أن يلقب ب»الطْعامْ»، يؤكل بواسطة الملاعق أوعلى شكل لُقْمات مُكوّرة باليد، وبعد الشبع يتم لحس الأصابع واحدا واحدا، فكل حبة من حباته، في المعتقد الشعبي،حسنة وأجركبير.
وتتحضر طريقة «الكسكس» بالمغرب حسب المناطق المختلفة، ويكون بالقمح أو الذرة أوالشعير.وهو أنواع منوّعة، فثمة الكسكس ب»التْفاية»، أي بالبصل والزبيب والحمص، وقد يكون فقط بالعدس والبصل من غير لحم، أو بالخضر المتنوعة(سبْع خْضاري)، خاصة الفلفل والقرع الأحمر والجزر والحمص)، والتوابل،وترفَقه «زلائف» من المرق،أو مايسمى لدى العامة ب(الرّْوا). ويُكللُ الكسكسَ لحمُ الدجاج أو لحم الديك الرومي ، أو لحم الظأن أولحم الخروف أو لحم البقر أولحم الجمل، أو القدّيد أي اللحم المجفف، أو لحم رأس الكبش،بل من المناطق من توظف حتى السمك (الأخطبوط والفرخ والتونة..)
لا مِراء أن الكسكس، ضارب في قدم حضارة شمال إفريقيا، وآية ذلك أن هناك الكسكس المغربي والجزائري والتونسي، بل هناك كسكس ليبي وآخر مصري وفرنسي وحتى أمريكي،ما يجعلنا نقول بأن الكسكس بسبب العولمة صار عالميا،غير أن إصرار الجزائر على أحقية ملكيته،وضرب التعددية الكسكسية واعتبار ما عدا كسكسها نسخة ثانية أو لاغية، ضرب من المغالطة.فالكسكس المغربي له تفرده وخصوصيته ولذته ونكهته وطبخته المميزة المختلفة،وتاريخه الضارب في عمق الثقافة المغربية الأثيلة، ولا يمكن نكران وجوده، فبشهادة سواح العالم وأهل الذائقة الرفيعة يستأهل اعترافا دوليا، وأن تُسجل اليونيسكو ملكيته للمغرب كتراث غير مادي مستقل وليس أبدا مشتركا مع هذا البلد أو ذاك.
لم يكن الصراع حول الأوليات والخصائص عن فراغ، إنها السياسة الملعونة، بأهداف استراتيجية تتغيا التنكّر لحق المغرب في تراثه اللامادي،بل والمادي أيضا، تنتهجها جزائر اليوم بزعم أنها الدولة القوية المهيمنة الغالبة والمتحكمة في المنطقة،تسلخها من هوياتها وتنزع منها خصوصياتها وموروثاتها، وحسبنا أن «الولايات المتحدة الأمريكية، تكن احتراما عميقا للتراث المغربي، فصندوق السفراء الأمريكيين للحفاظ على التراث استثمر، منذ سنة 2002، أكثر من 860 ألف دولار أمريكي في 11 مشروعا من أجل الحفاظ على التراث الثقافي المغربي، المادي منه واللامادي.
الكاتب : عزيز الحلاج - بتاريخ : 19/01/2021