منذ الأيام الأولى لولايته، عمل جو بايدن على تأكيد القطيعة مع سياسة سلفه دونالد ترامب الخارجية عبر إعادته واشنطن إلى اتفاقات دولية وتصريحاته الودية لحلفاء انتقدهم ترامب. لكن في الكثير من الملفات الأساسية وأبرزها المنافسة مع الصين، يبدو أن استمرارية السياسة السابقة هي التي ستحكم المشهد.
وتعهد الرئيس الأمريكي الجديد في حفل تنصيبه بـ»أننا سنعيد ترميم تحالفاتنا». وعكس ذلك التعهد في أولى الاجراءات التي اتخذها، فانضمت واشنطن من جديد إلى اتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية، في إشارة إلى عودتها للمؤسسات متعددة الأطراف بعد أربع سنوات من نهج أحادي متشدد.
الصحراء المغربية:
لا تراجع
وفي ما يتصل بقضتنا الوطنية، التي يتابعها الرأي العام، جرى اتصال هاتفي ما بين مستشاري الامن القومي الأمريكي جيك سوليفان و الإسرائيلي مئير بن شابات
وصرحت ايميلي هورن، المتحدثة باسم مجلس الامن القومي الامريكي، في بيان نشره موقع البيت الابيض على الانترنت «WH.GOV»، بأن مستشار الامن القومي الامريكي ديك سوليفان، قد اجرى اتصالا هاتفيا جمعه بنظيره الاسرائيلي مئير بن شابات، اتصال هاتفي يأتي بعد تصريح الرئيس المنتخب جو بايدن، حول القضايا الراهنة في المنطقة.
وقد جاء في البيان الرسمي القصير نسبيا، المنشور بتاريخ 24 من يناير الحالي، بان مستشار الامن القومي الامريكي جيك سوليفان، قد اجرى اتصالا هاتفيا يوم 23 من يناير الجاري، مع مستشار الامن القومي الاسرائيلي، و اليهودي من اصل مغربي مئير بن شابات . واللافت في الاتصال هو تزكيد مستشار الامن القومي الامركي على بنادالسياة الامركية على «ترتيبات استئناف العلاقات الاسرائيلية مع مجموعة من الدول العربية، من بينها الإمارات العربية المتحدة، علاوة على البحرين و السودان و المغرب» ، وهو ما يدخل في خانة الحفاظ علي ثوابت وضعها دونالد ترامب..
نموذج منظمة الصحة العالمية
وسجل ارتياح دولي بعد عودة الولايات المتحدة إلى منظمة الصحة العالمية مؤكدة دعمها لها ومشيدة بدورها القيادي في مكافحة وباء كوفيد-19، في موقف مناقض لسياسة الرئيس السابق دونالد ترامب الذي سحب بلاده من المنظمة.
وبعد أقل من 24 ساعة على أدائه اليمين الدستورية، أكد الرئيس الأمريكي السادس والأربعون خطه المختلف تماما عن سلفه الذي طالما قلل من خطورة فيروس كورونا المستجد وهاجم منظمة الصحة العالمية معتبرا أنها «دمية» بأيدي الصين.
وأعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس على تويتر مساء الخميس أنه تحدث هاتفيا مع نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، وقال «شكرتهما، هي والرئيس جو بايدن لالتزامهما إلى جانب المنظمة والصحة العالمية».
وكان بايدن قد كلف خبير الأمراض المعدية الطبيب أنتوني فاوتشي القيام بمداخلة خلال اجتماع للمجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية.
وفي كلمته، قال فاوتشي العضو السابق في خلية الأزمة التي شكلها ترامب قبل أن يعينه بايدن مستشارا، إن الولايات المتحدة «تنوي الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه المنظمة»، كما شكر المنظمة «لدورها القيادي في الاستجابة الصحية العامة العالمية لهذا الوباء».
وأكد أن «الولايات المتحدة مستعدة للعمل بالشراكة والتضامن لدعم الاستجابة العالمية لوباء كوفيد-19 وتخفيف تأثيره في العالم وتعزيز هيئاتنا وإحراز تقدم في الاستعداد لأوبئة مستقبلية وتحسين صحة كل شعوب العالم ورفاهها».
وتخطت حصيلة كوفيد-19 في الولايات المتحدة عتبة رمزية الأربعاء، إذ تجاوز عدد الوفيات عدد الجنود الأمريكيين الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الثانية، ليصل إلى 405 آلاف و400 وفاة منذ بدء تفشي الوباء.
والولايات المتحدة هي البلد الأكثر تضررا جراء الوباء من حيث عدد الوفيات، وكذلك الإصابات التي تجاوز عددها 24,4 مليونا.
وأكد جو بايدن مرة جديدة أن مكافحة الوباء إحدى أولوياته. وفي هذا الإطار، كان الأمر بالعودة إلى صفوف منظمة الصحة من أولى القرارات التي افتتح بها ولايته.
وقال فاوتشي متوجها إلى غيبريسوس « وقع الرئيس بايدن رسائل تنص على العودة عن إعلان الإدارة السابقة الانسحاب من المنظمة، وهذه الرسائل نقلت إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإليك يا صديقي».
كذلك أعلن أن بايدن سيصدر مذكرة خلال النهار يبدي فيها رغبة الولايات المتحدة في الانضمام إلى آلية «كوفاكس» التي شكلتها منظمة الصحة العالمية لتوزيع اللقاحات ضد فيروس كورونا المستجد على الدول الفقيرة.
ورد غيبريسوس «هذا يوم عظيم لمنظمة الصحة ويوم عظيم للصحة العالمية».
وأضاف «منظمة الصحة العالمية هي عائلة من الأمم وجميعنا سعداء لبقاء الولايات المتحدة في العائلة. نحن عائلة».
وباشرت واشنطن رسميا في يوليوز آلية الانسحاب من الهيئة الدولية منددة بـ»سوء إدارتها» لأزمة الوباء ومتهمة إياها بالانحياز للصين. وكان للقرار انعكاسات فادحة على موارد المنظمة المالية.
وتطرق فاوتشي إلى فريق الخبراء الدوليين الذي أرسلته المنظمة إلى الصين حيث يحقق حاليا في منشأ الفيروس، فتمنى أن يكون التحقيق «قويا وشفافا».
انقلاب على السعودية…
وفي خطوة أثارت ارتياح المجتمع الدولي، فتح بايدن الطريق أيضا أمام تمديد العمل باتفاقية «نيو ستارت» لخمس سنوات إضافية، وهي آخر معاهدة دولية كبيرة مع روسيا في مجال الحد من التسلح النووي.
وفي انقلاب آخر على سياسة ترامب، هذه المرة بشأن العلاقة مع السعودية الحليفة القريبة للرئيس السابق، ينوي وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن وضع حد للدعم الأمريكي للتحالف العسكري الذي تقوده الرياض في حرب اليمن المتهم بارتكاب عدة تجاوزات.
وأما المديرة الجديدة للاستخبارات الأمريكية أفريل هينز فوعدت بالكشف عن تقرير سري بشأن اغتيال جمال خاشقجي العام 2018 على يد عناصر سعوديين، في خطوة من شأنها إرباك ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي اعتبره مجلس الشيوخ الأمريكي «مسؤولا « عن مقتل الصحافي السعودي.
وبعيدا عن مواقف القطيعة تلك ذات الرمزية، قد تكتفي إدارة بايدن في بعض الملفات بتغيير في النبرة والأسلوب، لا بتغيير تام للاستراتيجية.
ويرى بول بوست الأستاذ في جامعة شيكاغو أن السياسية الخارجية الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة هدفت دائما إلى إبقاء الولايات المتحدة في الطليعة، وأصبح هذا التحدي أكثر إلحاحا مع صعود قوة الصين.
وقال لفرانس برس «ربما يتغير الخطاب قليلا لكن لا يهم من هو الرئيس، الهدف النهائي يبقى نفسه. ومع بايدن، لا أنتظر تغييرا في ذلك».
وزير خارجية بايدن: ترامب كان محقا..!
ووصل الأمر بإقرار بلينكن أمام مجلس الشيوخ بأن دونالد ترامب «كان محقا في اتخاذ موقف حازم أكثر تجاه الصين». كما أكد وزير الخارجية الأمريكي المقبل أن واشنطن ستواصل اعتبار المعارض خوان غوايدو رئيسا لفنزويلا، واصفا الرئيس نيكولاس مادورو بـ»الدكتاتور الوحشي»، وهي عبارة لم يتوان سلفه مايك بومبيو عن استخدامها.
بالإضافة إلى ذلك، لا توجد نية من المعسكرين اليمني أو اليساري في الولايات المتحدة بالتراجع عن الانسحاب من أفغانستان والعراق بعد سنوات من «حروب لا نهاية لها».
كما أكد بلينكن أنه لن يتراجع عن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، الذي أحدث ضجة عالمية حينما أعلنه ترامب في بداية ولايته.
في هذا الإطار، ترى فيليس بينيس من مركز دراسات «انستيتوت فور بوليسي ستاديز» المقرب من اليسار الأمريكي أن في ذلك الموقف دليل على أن بايدن لن يكون راديكاليا في مجال الدبلوماسية كما في مجالات مكافحة التفاوتات الاقتصادية والعرقية والتغير المناخي.
واعتبرت أن «الاجراءات التي اتخذها ترامب هدفت إلى إرضاء العناصر الأكثر تطرفا في المشهد السياسي الإسرائيلي، وما لم يقم بايدن بإلغائها، سيتحول الموقف الأمريكي إلى وسيلة لتطبيع تلك الحالات المتطرفة».
ينطبق ذلك على الموقف من إيران أيضا .
ويريد بايدن العودة إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015 الذي انسحب منه ترامب لاعتباره غير كاف في ردع أنشطة طهران النووية، لكن بلينكن وفريقه أعربا عن موقف صلب ضد «أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار»، وحذرا من أن على الجمهورية الاسلامية ان تقوم بالخطوة الأولى، ما ينذر بمفاوضات شاقة في هذا الإطار.
وفي ما يتعلق بالصين وإيران وكوريا الشمالية، يبقى العنوان العريض للإدارة الجديدة «التنسيق مع حلفائنا»، في تعارض مع ترامب الذي غالبا ما اختار اللعب وحيدا في تلك الملفات.
لكن في العمق، يبدو أن سياسة أنتوني بلينكن، الذي من المتوقع أن يوافق مجلس الشيوخ على تعيينه في الأيام المقبلة، تحظى حتى الآن بإعجاب الجمهوريين.
وقال السناتور ليندسي غراهام أبرز داعمي ترامب خلال فترة ولايته «إنها بداية جيدة» في تعليقه على السياسة الخارجية للإدارة الجديدة.