يعتبر التعليم الرقمي من بين المفاهيم الحديثة في ميدان التربية والتعليم، وذلك نظرا للثورة الرقمية التي بات يشهدها العالم برمته وما يصاحبها من تطورات تقنية وتكنلوجية، والتي أصبحت تفرض نفسها على جميع القطاعات الحيوية، بما في ذلك قطاع التعليم كقطب استراتيجي تعول عليه جميع البلدان في التقدم و الريادة الحضارية. والتعليم الرقمي يركز بالضرورة على استخدام التقنية والأنظمة الإلكترونية والحواسيب لدعم عملية التعليم والتعلم، كما يعتمد على استخدام الوسائط الالكترونية في الاتصال بـين المعلمـين والمتعلمين و المؤسسة التعليمية برمتها. إذ يسعى إلى إدماج التكنولوجيات الحديثة في المنظومة التربوية قصد تحسين أداء المتعلمين والزيادة من فاعلية التعلم.
في ظل هذا المشهد الجديد الذي فرضته التحولات التكنولوجية والرقمية العالمية نتساءل عن:
* ما هو دور التعلم الرقمي و كيف يمكن توظيفه في العملية التعليمية؟
* ما المقصود بالمهارات الرقمية؟ وما هي أهميتها؟ وكيف يتم إكسابها للمتعلمين؟
* كيف يمكن إدماج التكنولوجيا ووسائل الاتصال في ميدان التدريس؟ p وماهي الصعوبات التي تحول دون ذلك؟
أهمية التعليم الرقمي
كان ينظر للتعليم الرقمي على أنه أداة للقضاء على التعليم التقليدي الكلاسيكي الذي يكون داخل فضاء المؤسسة التعليمية ويكون محور التعلم وأساسه هو الأستاذ والمتعلم وأيضا المادة التعليمية، لكن في الآونة الاخيرة بات ينظر للتعليم الرقمي على أنه أداة أساسية لتجديد العملية التعليمية ، وذلك تماشيا مع المتغيرات التكنولوجية الحديثة. فقد أشارت مجموعة من البحوث العلمية إلى أن التعلم الرقمي يزيد من كفاءة المتعلم وتحصيله الدراسي .
كما اعتبرت منظمة اليونيسكو أنه “فـي ظـل الشـروط المناسـبة، بإمـكان تقنيـات الإعلام والتواصـل الحديثـة إحـداث أثـر كبيـر جـدا فـي توسـيع إمكانـات التكويـن أمـام سـاكنة مـا فتئـت تـزداد تعـدادا وتنوعـا، دون اعتبـار للحواجـز الثقافيـة، وخـارج المؤسسـات التعليميـة والحـدود الجغرافيـة”، فبإمـكان التكنولوجيـات أن تحسـن مـن عمليـات التدريـس والتعليـم، عبـر تسـهيل إصـلاح الأنمـاط التعليميـة التقليديـة، وتحسـين نوعيـة النتائـج والتعلـم، والمسـاعدة علـى اكتسـاب الكفـاءات النوعيـة، ودعـم التعلـم مـدى الحيـاةLifelong learning، وتحسـين التدبيـر المؤسسي.
كما أكد المختصون في مجال التربية على أن الوسائل الرقمية والتكنولوجية تساهم في الرفع من جودة التعليم وتحسين التعلمات وتجويدها، حيث تنمي لدى المتعلم اتجاهات ايجابية حول المقرر الدراسي، كما تنمي لديه دافع التعلم والرغبة في تطوير مهاراته وكفاياته، خاصة وأن التكنولوجيات الرقمية اكتست جل مناحي الحياة وأصبحت تأخذ جل أوقات الأفراد، إذ يقضون الساعات الطوال أمام كل ما هو رقمي من حواسيب، هواتف نقالة، لوحات إلكترونية…إلخ. من هنا كانت الحاجة ماسة لمحاولة إدماج هذه التقنيات في العملية التعليمية.
فالمنظومة التربوية برمتها والتعلمية بشكل خاص (المعلم والمتعلم والمادة التعليمية) عليها ان تأخذ بعين الاعتبار هذه التحولات الرقمية، مع الوعي التام بأهمية وخصوصية هذه المرحلة من اجل تطوير العملية التعليمية.
التعليم الرقمي وتحسين العملية التعليمية
تؤكد الاتجاهات الحديثة في التربية على ضرورة تجاوز الأساليب التقليدية في التعلم والتي تعتمد بالضرورة على اعتبار أن الأستاذ هو مالك المعرفة العلمية وهو قطب الرحى في عملية التعلم، كما تحد من إمكانات المتعلم وتجعله فقط مجرد متلقي سلبي، في حين نرى الاتجاهات الحديث تؤكد على ضرورة مواكبة المؤسسة التعلمية للتغيرات التي يشهدها العالم في ظل الثورة الرقمية والتكنولوجية إذا بات من غير المجدي أن نحافظ على نفس الوسائل البيداغوجية في التعلمات خاصة أمام ارتفاع مستوى اهتمام الأفراد بالتكنولوجيات الحديثة في واقعهم اليومي، كما انعكس هذا الوضع أيضا على المؤسسة التعليمية التي باتت مطالبة بتطوير وتحديث أساليبها البيداغوجية والديداكتيكة.فقد بينت بعض التقارير كتقرير تقرير شركة “أوفكوم” لعام 2014الذي يحمل عنوان الأطفال والأهل: التقرير حول اسـتخدام وسـائل الإعلام والمواقف ، يسلط الضوء على سيطرة استخدام التكنولوجيا وسط من تتراوح أعمارهم بين 5 و15 عاما في الولايات المتحدة، حيث ما يقارب 9من كل 10 أطفال ( %80) يصلون إلى الإنترنت في المنزل، كما أن 7 من كل 10 ( 71%) يصلون إلى الحاسوب اللوحي في المنزل.
ويمكن الحديث عن أهمية التعلم الرقمي وانعكاساته الإيجابية على العملية التعليمية انطلاقا من ثلاث جوانب أساسية:
-الجانب المعرفي: المتمثل في إتقان التعلمات الأساسية وتجويدها من ناحية (القراءة، الكتابة، إتقان اللغات، التمكن من مهارات البحث العلمي، بالإضافة إلى ربط التعليم بما يعرفه المجتمع من تطور تكنولوجي).
– الجانب التربوي أو جانب المهارات الحياتية، فهي تمثِّل المهارات العملية التي يحتاج كل فرد لإتقانها، حتى يعيش حياة أكثر استقلالية بذاته مندمجا في المجتمع بإيجابية. والحاجة تزداد إلى مهارات الحياة بوصفها تلك الوسائل والطرق التي تثري تجربتنا الحياتية في مجالات التعليم والعمل والعلاقات والإنجاز، لأنها تتناول أساليب ونماذج التفوق وطرق الأداء.
– والتعلم الرقمي المتمثل في “التعلم عن بعد” يعمل على تحقيق هذين الجانبين من خلال إتاحة فرص التعلم لكافة الأفراد كونه غير مقيد بمكان أو زمان محددين أو فئة معينة دون أخرى، كما أنه غير مقتصر على نوع معين من أنواع التعليم،حيث يتابع المتعلم تعلمه حسب إمكاناته وقدراته.
ويتضح مما سبق أن التعلم الرقمي ينبني على مجموعة من المكونات الأساسية والضرورية:
• المكون المرتبط بالجانب التعليمي: وهو الذي يشتمل على مكونات أو أقطاب المثلث البيداغوجي المكونة من:
– المكون المرتبط بالجانب التعليمي التكنولوجي: وهو الجانب الذي يشتمل على كل ما هو تكنولوجي من مواقع إلكترونية التي يتم الوصول إليها انطلاقا من الحواسيب الآلية واللوحات الإلكترونية والشبكات التي تحول المحتويات إلى كل ما هو رقمي.
-المكون المرتبط بالجانب التعليمي الإداري: هو تلك الخطط والإجراءات والجداول الزمنية التي نضعها لقياس مدى تحقيق الأهداف المرجوة من التعلم الرقمي أو بمعنى آخر هو فلسفة شاملة للتعليم الرقمي.
التعليم الرقمي ..
مكتسبات وتحديات
المكتسبات:
مكتسبات عدة حققتها المنظومة التربوية المغربية، ســواء علــى مســتوى مشــاريع إصلاحهــا أم علــى مســتوى السياســات العموميــة فــي مياديــن التعليم الرقمي، ويمكــن عــرض أهمهــا فيمــا يلــي:
– ينص الدسـتور علـى ضـرورة أن « تعمـل الدولـة والمؤسسـات العموميـة والجماعـات الترابيـة، علـى تعبئـة كل الوسـائل المتاحـة، لتيسـير أسـباب اسـتفادة المواطنـات والمواطنيـن، علـى قـدم المسـاواة، مـن الحـق فـي الحصـول علـى تعليـم عصـري ميسـر الولـوج وذي جـودة).
– كما أكد الميثاق الوطني للتربية والتكوين منذ 1999 على أهمية إدماج الوسائط الرقمية ففي المادة 119 من الدعامة
– كما تنص الرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2030-2015) على ضرورة الانخراط الفاعل في اقتصاد ومجتمع المعرفة عبر أربعة مداخل: تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
• الاكثر استعمالا في العالم.البحث العلمي والتقني.التفوق والتميز الدراسي والتكويني.
واعتبرت إدماج التكنولوجيا والرقمنة شرطا حاسما في تجديد المدرسة والنهوض بها وتطويرها.
-كما تهدف استراتيجية المغرب الرقمي (2020-2013) إلى جعل المغرب مركزا إقليميا في تكنولوجيا المعلومات والاتصال باعتبارها عاملا أساسيا لتطوير مجتمع المعرفة ويمكن أن يساهم بفعالية في التنمية البشرية وتحسين الانسجام
– مخطط جينيGENIE: يمثل الصيغة التنفيذية لاستراتيجية تعميم تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم العمومي حيثبادرت الحكومة المغربية لتعميم تكنولوجيا المعلومات والتواصل في المنظومة التعليمية، وذلك بإعطاء انطلاقة مشروع جيني في مارس 2005 من أجل تعميم تكنولوجيا المعلومات والتواصل في المدارس المغربية.
كانت هذه مجموعة من المكتسبات التي ينبغي ترصيدها وتطويرها والعمل على أجرأتها على أرض الواقع.
التحديات/ المعيقات
رغم أهمية المكتسبات السالفة الذكر، إلا أن واقع الحال يظهر مجموعة من التحديات والصعوبات أمام تحقيقها. فما هي أهم التحديات التي تحول دون إدماج التكنولوجيات الحديثة والرقمية في ميدان التعليم؟
ما زال إنتاج مضامين رقمية وطنية إنتاجا محتشما لا يرقى إلى المستوى المطلوب، حيث يتم استيراد معظم المضامين والتطبيقات الرقمية البيداغوجية، وهنا تطرح إشكالية مدى ملائمة هذه المضامين للخصوصية الوطنية وأيضا للحاجيات والانتظارت. صحيح أن هناك بعض المحاولات على هذا المستوى من قبيل:
– إنشاء حرم جامعي افتراضي الذي يهدف إلى تقاسم الحوامل الرقمية، وتمكين الطلبة من الولوج للخدمات الرقمية، وأيضا إنشاء مكتبة للدروس والوثائق متعددة الوسائط.
– كما أطلقت بعض الجامعات المغربية مبادرات تستهدف التعليم عن بعد من خلال بعض التطبيقات كتطبيق المووك”MOOC”اختصار للعبارة الإنجليزية“Massive Open Online Courses”أي هو عبارة عن دروس جماعية الكترونية مفتوحة المصادر، يقف على المقررات الجامعية المتاحة عبر الانترنت، حيثُ يسمح لأمهر الأساتذة الجامعيين والجامعات المرموقة بتحضير دورات تدريبية مطابقة لما يدرسونه في الجامعات.كما تساعد هذه المبادرات مــن تجــاوز مشــكل الاكتظــاظ فــي التعليــم العالــي الــذي يعانــي مــن نقــص متفاقــم فــي البنايــات والمدرسين
-كما تم إنشاء المختبر الوطني للموارد الرقمية: حيث يندرج إحداث هذا المختبر ضمن الإجراءات الكثيرة المتخذة قصد إرساء الآليات التربوية الكفيلة بتحسين التعلمات. وتتمحور المهام الرئيسية للمختبر الوطني للموارد الرقميةLNRNحول اقتناء وإنتاج المضامين الرقمية وتوصيفها، كما عهدت إليه بعض الأنشطة التكميلية مثل المساعدة على التأطير واليقظة الرقمية وكذا العمل على نشر الموارد الرقمية سواء تلك التي تم اقتناؤها أو توطينها أو إنتاجها.
لكن رغم أهمية هذه المبادرات إلا أنها تبقى محاولات متفرقة ،إذ لا يزال إنتاج مضامين رقمية مغربية إنتاجا ضعيفا وإن وجد هذا الإنتاج فإنه يفتقر للتقييم وأيضا لعدم ملائمته للمنتظرات التربوية. كما يتعين على الوزارة الوصية التشجيع على ابتكار مضامين رقمية حديثة من خلال تنظيم مباريات وطنية للابتكار البيداغوجي. وأيضا تشجيع الطلبة الباحثين خاصة طلبة المدارس العليا للتربية والتكوين وأيضا المراكز الجهوية على البحث في مجال إنتاج المحتويات الرقمية البيداغوجية. ومــن شــأن هــذا الجمــع بيــن مــا هــو نظــري وتطبيقــي أن يخلــق إطــارا منظمــا للبحــث والممارســة التربويــة كفيــلا بإغنــاء كل مــن البيداغوجيــا والديداكتيــك وربطهمــا بالســياق.
• تكوين الموارد البشرية
يعتبر تكوين الموارد البشرية من بين العراقيل والتحديات التي تواجهها منظومة التربية والتكوين خاصة فيما يتعلق بتكوين متخصصين في ديداكتيك التعلم الرقمي، فإدماج التكنولوجيا في المنظومة التربوية يحتاج إلى متخصصين مؤهلين للقيام بمهام التنشيط التربوي والصيانة الإلكترونية للموارد الرقمية. وفي هذا السياق لابد من التركيز على التكوين والتكوين المستمر لهيئة التدريس ولكافة العاملين بقطاع التعليم من أساتذة، مفتشين، رؤساء المؤسسات التعليمية… على استعمال التقنيات التكنولوجية الحديثة، مع ضرورة توفير عدد كافي من المكونين في هذا المجال، وذلك قصد تمكين المدرسين والأطر التربوية من استعمال هذه التقنيات، وحسن إدماجها في المسارات الدراسية، والعمل على تطويرها، فاستعمال التكنولوجيا في العملية التعليمية يعد ضرورة وطنية من أجل مواكبة التحولات العالمية الرقمية.
• تحديات تنظيمية ولوجستية
إدماج الوسائل الرقمية يصطدم بجملة من العوائق التنظيمية واللوجستيكية تتمثل في:
• صعوبة تجهيز جميع التلاميذ بالحواسيب/ الألواح الرقمية.
يستخدم %81 من السكان في البلدان المتقدمة شبكة الأنترنت، أي أكثر من ضعف النسبة في البلدان النامية (40%)،
صعوبة توفيــر ارتبــاط إنترنيــت بصبيــب معقــول يســاعد علــى إدخــال تقنيــة «الويفــي» فــي المؤسســات. حيث أشار تقرير منظمة الأمم المتحدة حول حالة الأطفال لعام 2017 أن في أفريقيا 3 من بين كل 5 أفراد (تتراوح أعمارهم بين 15 و24) لا يستفيدون من الانترنت بينما في أوروبا فالنسبة هي فقط 1 من كل 25 فرد.]
تتطور أجهزة الحاسوب باستمرار مما يجعل وجود برامج جاهزة لجميع أنواع الأجهزة غير ممكن وبذلك نضطر لتغيير الأجهزة باستمرار وهذا مكلف ماديا.
المدرس: تغير في الأدوار والمسؤوليات
في ظل الثورة الرقمية ،أصبحنا نتحدث عن المدرسة الإلكترونية، المحفظة الرقمية، الفصول الافتراضية والمقررات الإلكترونية وغيرها من المفاهيم التي تدل على استخدام التكنولوجيا ووسائل التواصل في العملية التعليمية، وعلى إثر ظهور هذه الأنماط المختلفة من التعليم صار من الضروري أن يواكب المدرس هذه التحولات وأن تتغير أدواره ومسؤولياته التي كانت متمثلة في التلقين وشحن عقول المتعلمين بالمعارف والمعلومات، إلى أدوار جديدة تتناسب مع متطلبات العصر الرقمي والتي تعتمد بالأساس على التوجيه والتأطير والمواكبة التربوية، ومساعدة المتعلم على البحث والتقصي وتهييئ بيئة تعليمية داعمة للتعليم، لأن المعلومات والمعارف متاحة ومتوفرة، لكن اختيار الأنسب منها وما يلائم احتياجات المتعلم المعرفية يحتاج لمدرس يلعب دور الموجه والمرشد في الحصول على تلك المعلومات الملائمة لمهام التعليم والتعلم، فالمدرس اليوم تحول من كونه مصدر للمعلومات إلى مستشار معلوماتي.
خاتمة:
المغرب إن هو أراد اللحاق بركب التنمية والازدهار،عليه أن يعيد التفكير في إصلاح منظومة التربية والتكوين، وأن يوظف كل ما هو جديد في ميدان التعلم من أجل تطوير أنظمته وتفعيل مدخلاته، من خلال إعادة النظر في المناهج التعليمية وأيضا نوعية الكفايات التكنولوجية المراد تعبئتها كموارد أساسية للتعلم، كل هذا وذاك يستوجب أن تواكب المدرسة المغربية رهان التعلم الرقمي لتكون بالفعل منخرطة في الفعل التربوي المنشود.
* استاذة بجامعة الحسن الثاني ، الدار البيضاء
* عن مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية