هل ماتوا والسلام!!!
عبد السلام المساوي
الأمر يتعلق بأرواح ضحايا لأناس لا يريدون أن يظلوا عالة على المجتمع لذلك يشتغلون، لا يهم أين، لكن يشتغلون.
الأمر يتعلق بمغاربة من مدن مختلفة قرروا أن يذهبوا حتى شمال المملكة لكي يجدوا ما يعيلون به أسرهم، وقرر لهم القدر الرباني -ولا اعتراض على مشيئة الله- ولكن قرر لهم الإجرام البشري أن يموتوا بهذا الشكل الفاجع والمفجع والجنائزي الرهيب.
لن نسأل أحدا كيف استطاع هذا المعمل السري أن يشتغل بسرية كل هذا الوقت؟
لن نسأل أحدا: أين غابت أعين كل من يراقبون كل شيء؟
لن نسأل أحدا من المسؤول؟
سنترحم على أرواح أبنائنا الذين قضوا نحبهم، سنعتبر أنهم رحلوا مثلما رحل ضحايا معمل ليساسفة ذات يوم فقط لأنهم كانوا يرغبون في العمل بشرف وجد ووفق ما يوفره لهم عرق الجبين.
ثم سنقول للجميع أن دم من ماتوا في رقابنا إلى يوم الدين مهما حاولنا تمثيل من لا علاقة له بالموضوع.
28 مغربيا ومغربية (بعضهم في عمر الزهور وآخرون بأسر وأبناء) ماتوا غيلة وغرقا وصعقا وغدرا في طابق أرضي لإقامة سكنية، قالت عنه السلطات الإدارية أنه «معمل سري»، لكن جاءت الأمطار لتعري فضيحتنا، وتضعنا جميعا أمام حقيقتنا المرة: كلنا فاسدون، وكلنا متواطئون، ولا نستثني أحدا… منا ومنكم.
إن قتل 28 مواطنا في قبو سري جريمة إرهابية بكل المقاييس… إن الفاجعة أكبر من كل التصورات… ويجب أن يكون العقاب في المستوى نفسه… أما الاكتفاء بتقديم «أكباش فداء»… فلن يزيدنا إلا اقتناعا بأنكم… كلكم فاسدون.
ما وقع في قبو طنجة، أفظع مئات المرات من جرائم «الهولوكوست»، إذ حشر 46 عاملا وعاملة داخل مكان ضيق في عمق خمسة أمتار تحت سطح الأرض، وأغلق عليهم بباب حديدي ضخم، وسكبت عليهم عشرات الأمتار المكعبة من مياه الأمطار الملوثة بالواد الحار، ومعها «كيلووات» من الكهرباء الصاعق، وتركوا لحال سبيلهم يصرخون ويستغيثون… حتى انفجرت رئاتهم.
لم يطرقوا جدران الخزان… لأنه لم يكن هناك خزان أصلا.
وحده الموت كان يتلوى وسط المياه العفنة، مثل وحش خرافي، ويلتهم الأرواح، كما يلتهم «خبزا صغيرا» في فطور دافئ.
في كل مرة نعيد نفس السيناريوهات لكن بطرق أكثر بشاعة، تحدث كوارث وفواجع متوالية لكن لا نستوعب الدروس والعبر المطلوبة، في كل حادث مأساوي نخرج العويل واللطم ثم بعد ساعات وربما أيام ننسى أصل المشكلة، ننفجر غضبا على أرواح مواطنين أبرياء، ولكن سرعان ما تنطفئ النار ويخبو اللهب بلا أثر وكأن شيئا لم يكن. للأسف سنعيد نفس القصة مع حادثة معمل طنجة كما سبقها من الأحداث الأليمة، سنبكي ونقيم الدنيا ولا نقعدها ونكتب آلاف التدوينات ثم تعود الحياة إلى وضعها الطبيعي دون أن نقف على أصل المشكل الذي دفع عمالا إلى أن يشتغلوا خارج القانون بلا حماية، وجعل رب عمل يؤسس مقاولة بدون أوراق أو رقابة وتطلب من السلطات ممارسة «عين ميكة» تجاه خرق سافر للقانون دون عقاب أو جزاء.
إن فاجعة طنجة تكشف حجم الاستهتار والتقصير في مجال احترام القانون أمام مرأى ومسمع من السلطة، تكشف عن مدى الجشع المرضي الذي يبرر للباطرون ربح المال دون حماية لمستخدميه ورميهم كل يوم وسط قبو انتهى بدفنهم فيه.
الفرصة اليوم مهما كانت مأساوية أمام السلطات للضرب بقوة على مظاهر العمل خارج دائرة القانون وبعيدا عن التنظيم المؤسسي وشركات المغامرات والمقاولات السرية التي تكاثرت مثل الفطر خارج رقابة السلطات أو بمباركة منها، وهذا لا يجوز السكوت عنه أو التهاون حياله لأنه يمس بصورة بلد واستقراره. لا يمكن من الآن فصاعدا أن يستفيد مسؤول معين على حساب مأساة الوطن، أو يربح مستثمر جشع فوق جثث مواطنين غلبهم الفقر والتهميش.
لا يمكن أن نتسامح كل مرة مع مظاهر المحسوبية والزبونية التي يدفع ثمنها المواطن الضعيف. كفى من الاتجار بالمآسي والتهرب من المسؤولية.
الذين ماتوا يوم الاثنين الماضي ليسوا فقط الفقراء الهاربين من الحياة القاسية، نحو القبو القاتل.
الذين ماتوا يوم الاثنين الماضي مجددا هم أنا وأنت وأنت وهاته النحن الجماعية الغارقة في تصفية حساباتها التافهة مع نفسها، الناسية أن هناك أناسا علنيين لا نريد أن ننظر إليهم، ولا نريد أن نحس بوجودهم، لذلك نسميهم السريين ونمضي.
هاته السرية انتهت الاثنين الفارط مع أصوات الراغبات والراغبين في النجاة من القبو القاتل. هاته السرية لا يجب أن نكتبها في بلاغاتنا مستقبلا، على أمل أن تكون هذه البلاغات قليلة لأن أخبار الحزن أكثرت علينا ولم تعد لنا طاقة بتحمل المزيد منها.
من الآن فصاعدا، كل قتل علني، كل تواطؤ في هذا القتل العلني، يجب أن نعرف المتسببين فيه بالأسماء والكنيات والأوصاف والصفات وبكل شيء. ويجب أن نتوقف عن الكذب على علنية هذا البؤس المتجول فينا بادعاء أننا لم نره أو لم ننتبه إليه، أو بالزعم الفاجر أنه مجرد… بؤس سري.
بمناسبة ذكرى عيد العرش سنة 2017، قال جلالة الملك محمد السادس «ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم، رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله، والوطن، والملك، ولا يقومون بواجبهم؟ ألا يجدر أن تتم محاسبة أو إقالة أي مسؤول، إذا ثبت في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه؟».
الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 13/02/2021