اعتبرت اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح (السبت الأخير، أن حوار الفصائل الفلسطينية في القاهرة قبل أيام، شكل أرضية للانطلاق نحو تحقيق المصالحة الفلسطينية عبر الانتخابات العامة.
وقالت اللجنة في بيان عقب اجتماعها برئاسة الرئيس محمود عباس، في مدينة رام الله، إن النتائج التي تحققت في القاهرة تعبير حقيقي عن الإرادة الفلسطينية في تأسيس مرحلة جديدة من الشراكة الوطنية. وأضافت أن الشراكة المنشودة تقوم على «أسس الديمقراطية وإنهاء الانقسام عبر صندوق الاقتراع من خلال التمسك بعقد انتخابات حرة ونزيهة في جميع أنحاء فلسطين، بما يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة». ورحبت اللجنة بالجهود التي بذلتها مصر لدعم الحوار الفلسطيني والحرص الكبير لتذليل أية عقبات أمامه وإنجاحه وصولا لتنظيم الانتخابات الفلسطينية وفق المراسيم الرئاسية التي صدرت بهذا الخصوص.
وأعلنت الفصائل الفلسطينية الثلاثاء الماضي الاتفاق حول كل القضايا الرئيسية لإجراء الانتخابات العامة وذلك بعد محادثات عقدتها برعاية مصرية في القاهرة استمرت يومين. وأصدر عباس في 15 من الشهر الماضي مرسوما بالدعوة لانتخابات فلسطينية عامة على ثلاث مراحل ابتداء من مايو المقبل. وبموجب المرسوم ستجري الانتخابات التشريعية في 22 مايو المقبل، تتبعها انتخابات الرئاسية في 31 يوليو، على أن تتبع بانتخابات لتشكيل المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، في 31 غشت المقبل. وفي الشأن السياسي، أكدت اللجنة المركزية لفتح التزام الجانب الفلسطيني بحل سياسي قائم على أساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بالحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967.
تفاؤل بتحقيق المصالحة
وأعربت معظم الفصائل الفلسطينية عن تفاؤلها بنتائج حوار القاهرة، وإمكانية تأسيس نتائجه لتوافق فلسطيني واسع ، حول الانتخابات والمؤسسات الفلسطينية ، مؤكدة أن تحفظات بعض الفصائل على المشاركة في الانتخابات لا يقلل من أهمية الاتفاق، وما أنجزه من توافقات كبيرة، سيكون لها ما بعدها . وأبرزت الفصائل الفلسطينية، لا سيما المشاركة في حوار القاهرة، أن مخرجات هذا الحوار، هي «تعبير عن الإرادة الوطنية الفلسطينية، ولا يقلل من أهميتها تحفظات بعض الفصائل».
في هذا الصدد، قال الإعلامي والقيادي الفلسطيني في حركة «حماس»، أسامة عامر، في تصريح لوكالة المغرب العربي للانباء، إنه من حق حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية – القيادة العامة، وغيرهما من قوى وفصائل الشعب الفلسطيني التحفظ أو رفض المشاركة في الانتخابات، معتبرا أن الأمر يتعلق ب «حرية مقدرة ورأي ي حترم ، ولا ينفي ذلك كون هذه القوى والفصائل جزء من هذا الاتفاق ومن التوافق الذي جاء في بيان القاهرة الختامي، وبالتالي لن تكون في كل الأحوال معطلا لهذه الانتخابات».
وأضاف عامر أن من حق الجميع أن يتفق أو يختلف على هذا المسار أو ذاك، مذكرا أن ديباجة بيان القاهرة تقول إن كل طرف يلتزم بالتوافقات بمقدار مساهمته بالتنفيذ.
من جانبه، قال حسن القصاص، القيادي في حركة «فتح» في تصريح مماثل إن مخرجات اجتماع القاهرة هي تعبير مباشر وحقيقي عن الإرادة الوطنية الفلسطينية التي تجسد الوحدة الوطنية من بوابة الانتخابات العامة كطريق إلزامي للوصول للحرية والاستقلال.
وأضاف القيادي في «فتح» أن المسؤولية الوطنية التي تجلت في مباحثات القاهرة تؤسس لمرحلة جديدة من الديمقراطية وإنهاء الانقسام والشراكة على قاعدة متينه وأسس واضحة لا يمكن لأي كان أن يهدمها تحت أي ظرف من الظروف.
وسجل أنه يتعين على مختلف الفصائل التوجه للانتخابات بإرادة الانتصار لفلسطين الدولة وعاصمتها القدس ولمنظمة التحرير الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.
أما الحقوقي الفلسطيني محمد بسيسو فأكد من جهته أن الاتفاق بين الفصائل يعتبر نقلة نوعية مقارنة ب 15 سنة من الانقسام، معتبرا أن المهم يبقى تفعيل مضامين الاتفاق ووضع حد لسنوات من الاختلافات التي كلفت الشعب الفلسطيني الكثير.
وسجل أن ما تحقق من نتائج إيجابية في الحوار الوطني الفلسطيني الشامل بالقاهرة يعد خطوة جيدة تفتح الطريق أمام إحداث نقلة جديدة لترتيب البيت الفلسطيني ورسم خريطة واضحة نحو إجراء الانتخابات بمراحلها الثلاث وما سوف يترتب عليها من تطورات. وأضاف ان اتفاق القاهرة أكد على ضرورة تحقيق مبدأ الشراكة الوطنية الذي يبدأ تنفيذه بصورة عملية من خلال إجراء العملية الانتخابية بمراحلها الثلاث، التشريعية، والرئاسية، والمجلس الوطني، وأن كافة الفصائل المشاركة في الحوار تعهدت بأن يتم احترام وقبول نتائج الانتخابات، ومعالجة نتائج الانقسام الفلسطيني بكافة جوانبه على أسس وطنية شاملة وعادلة.
وتوصلت الفصائل الفلسطينية، في ختام اجتماعاتها بالقاهرة،إلى اتفاق مبدئي حول ترتيبات الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، وتعهدت بقبول واحترام نتائجها. وأكدت الفصائل الفلسطينية في وثيقة البيان الختامي التي توجت يومين من جلسات الحوار الوطني، بمشاركة 15 فصيلا،أن «الشراكة الوطنية تبدأ بانتخابات المجلس التشريعي وهي المرحلة الأولى من انتخابات المجلس الوطني، تليها انتخابات الرئاسة ثم تشكيل المجلس الوطني بالتوافق أو الانتخاب حيثما أمكن».
ولفت البيان إلى «وجوب الالتزام بالجدول الزمني الذي حدده المرسوم الرئاسي للانتخابات، مع التأكيد على إجرائها في الضفة وغزة والقدس الشرقية، والتعهد بقبول واحترام نتائجها».
واتفقت الفصائل الفلسطينية على تشكيل محكمة قضايا الانتخابات، بالتوافق من قضاة من الضفة والقدس وغزة، بحيث تتولى حصرا متابعة العملية الانتخابية، على أن يصدر الرئيس أبو مازن مرسوما بتشكيلها. وأوكلت الفصائل المجتمعة مهمة أمن الانتخابات إلى الشرطة في الضفة وغزة دون غيرها من الأجهزة الأمنية.
العمل مع فوز جو بايدن
وشجع فوز جو بايدن عباس على التوجه الى الانتخابات والدعوة لحوار وطني «جاد» مع حماس والفصائل، لتجديد شرعية مؤسسات سلطته، وفق ما يعتقد أشرف أبو الهول، رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية والمتخصص بالشؤون الفلسطينية.
ويضيف «الاتجاه الدولي الذي تمثله فرنسا وألمانيا في اتجاه إحياء مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن يتحقق بدون وحدة الفلسطينيين. لهذا بذلت مصر والأردن جهودا كبيرة لإقناع السلطة الفلسطينية وحماس».
ويرى أشرف ابو الهول أن العامل الإقليمي المتمثل ب»اعتراف عدد من الدول العربية بإسرائيل وسعي تركيا وقطر لعلاقات طبيعية مع إسرائيل، وتداعيات حصار غزة، كل هذا جعل حماس تخاف من أن تكون بدون مظلة حماية ما دفعها لقبول الانتخابات».
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة مخيمر أبو سعدة «الانتخابات ستفتح الطريق لمحادثات سياسية جديدة بين السلطة وإسرائيل، وهذا ما تريده إدارة بايدن».
وبحسب قيادي كبير في حماس، فقد اتخذت الحركة قرارا «حاسما» في المضي في الانتخابات بعد حصولها على «ضمانات من دول عربية وإسلامية وأجنبية»، في إشارة ضمنية إلى مصر وقطر وتركيا وروسيا.
وأضاف «طالما هناك استعداد لدى السلطة وحركة فتح للتوافق حول القضايا الخلافية، فهذا مشجع للتقدم»، مشيرا إلى أن «حماس تريد أن تكون فصيلا معترفا به دوليا في منظمة التحرير وشريكا سياسيا في السلطة حتى لو بنسبة أقل».
وتابع «بالوحدة فقط يمكننا مواجهة المخططات الإسرائيلية ومعالجة آثار الانقسام الكارثية على شعبنا، وعلى العالم ان يلتقط هذه الفرصة لإنصاف الفلسطينيين».
وتفرض إسرائيل منذ أربعة عشر عاما حصارا شاملا ومشددا على قطاع غزة الذي يعيش فيه نحو مليوني شخص ويعاني من فقر ونسبة مرتفعة من البطالة.
ويتساءل الكاتب والمحلل السياسي في لندن عبد السلام عقل حول جهوزية حركة فتح «المنقسمة على نفسها لخوض الانتخابات»، فماذا لو فازت حماس؟ هل سيعترف العالم بها؟».
وحصلت القطيعة بين حركتي فتح وحماس بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية في 2006، والفشل في تقاسم السلطة، ما أدى الى مواجهات مسلحة بين الطرفين انتهت بتفرد حماس بالسيطرة على قطاع غزة وطرد حركة فتح منه.
ويقول عقل، وهو مدير منظمة»حقوق» الفلسطينية، «يشعر الطرفان بأن شرعيتهما على المحك ويحتاجان إلى انتخابات تجدد بقاءهما، ولكن ستبقى سلطة برأسين في غزة ورام الله».
ويرى مدير مركز التقدم العربي للسياسات في لندن محمد مشارقة من جهته أن اتفاق القاهرة هذه المرة «ليس كغيره» من الاتفاقات السابقة، «إذ أدرك العالم أن استمرار الجمود والترهل في الحالة الفلسطينية قد يفتح المجال لمسار من التطرف والعنف والفوضى والإرهاب، وهو ما لا يحتمله الإقليم ولا العالم».
ويشير إلى أن حماس «أجبرت» على التوافق «لتأهيل نفسها في إطار النظام السياسي المثقل باتفاقات أوسلو والتنسيق الأمني مع الاحتلال والعودة الى المفاوضات باعتبارها الآلية الوحيدة للحلول».
ويضيف أن البديل هو «مطاردة حماس في العالم كحركة إرهابية خارجة عن الشرعية».
ويخلص مشارقة إلى أن ما بعد الانتخابات القادمة «خارطة سياسية جديدة، فلن تبقى حركتا فتح وحماس على صورتيهما السابقة».
وبحكم الانقسام الفلسطيني، تخضع الأراضي الفلسطينية لنظامين سياسيين مختلفين: أحدهما يتجه نحو العلمانية في الضفة الغربية المحتلة برئاسة محمود عباس حيث يعيش نحو 2,8 مليون نسمة، وآخر ديني بقيادة حماس في القطاع.
ومنذ 2007، حل الرئيس الفلسطيني المجلس التشريعي وفرض «عقوبات» على قطاع غزة، من بينها إحالة الآلاف من الموظفين العموميين للتقاعد المبكر.
وفشلت جولات عديدة من الحوار بين حركتي فتح وحماس، رعتها مصر وأطراف أخرى.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية في غزة حسام الدجني أن أقرب سيناريو لما بعد الانتخابات هو «فدرالية بين رام الله وغزة»، مضيفا «الانتخابات حاجة وطنية داخلية، مع مراعاة الضغوط الخارجية».
وقد يقود هذا الخيار إلى أن يشكل عباس حكومة مركزية تضم الوزارات السيادية وتتولى الإشراف على العلاقات الخارجية وجلب وإدارة المال، بينما تدير حماس مؤسسات «حكومية خدماتية» في قطاع غزة، بحسب الدجني.