وريه خليه : جهة كلميم واد نون الحائط القصير؟
محمد الوحداني
انتظر الجمع عودة المعني بالأمر الخارج بعد تلقيه مكالمة ليلية، والذي اتجه صوب طريق طانطان…واعدا رفاقه بالعودة السريعة، كي يتجهوا بعدها جميعا صوب قاعة انتخاب رئيس لجهة كلميم واد نون…
عضو تحالف حزب القوات الشعبية ومن معه، من باقي شركاء الأحزاب السياسية الأخرى، تبدى للجميع بعد أن شقشقت خيوط فجر ذلك اليوم ، أنه لن يعود، و أن رئاسة الاتحاد لمجلس جهة كلميم واد نون، قد تبخرت كما خيوط سواد تلك الليلة البهيمة !
كان باديا من إسهام بلفقيه، وانسحابه المتكرر، واتصالاته التي لا يجاب عنها … وذلك الصمت المطبق على الجميع، مثل قدر أحمق الخطى، أن كفة كل ذلك النصر الانتخابي الساحق، وعدد الأصوات وعدد المقاعد المحصل عليها، ورئاسات الغرف والمجالس المحلية، كل ذلك ذهب أدراج حسابات التيار الثالث !
كان أعضاء التحالف الذي يشكل الاتحاديون أغلبية مطلقة فيه، تائهين وسط هذه العاصفة التي لم تخطر على بالهم قبل أيام، حيث إنهم كان مكتفين بأغلبيتهم …
لكن حسابات أخرى كانت تتحرك على ضفاف جهتهم، فالحزب المنافس قبلها بأيام كان قد فقد أي فرصة لترؤس أي جهة على طول خارطة الوطن، بما فيها جهة سوس ماسة، حيث إن حزب «العدالة والتنمية» كان قد حصل نتائج غير منتظرة، واستطاع أن يحقق أغلبية مطلقة في مجلس بلدية أكادير عاصمة سوس ماسة، أغنته عن التحالف مع أي حزب آخر، وحصل أيضا على أغلبية في مدن إنزكان وتزنيت… والحزب الذي كان يراهن بقوة على رئاسة جهة تعود أصول كثير من قيادات الصفوف الأولى فيه، إليها، بدا للجميع أنه وبعد حصوله على نتائج مخلة فيها، أنه قد فقد أية إمكانية للفوز برئاستها …
(…) ولا يفوتنا هنا أن نستحضر حقيقة تاريخية يعرفها الكل دولة وحكومة وأحزابا وشعبا، أن حزب القوات الشعبية، كان يتنازل عن الرئاسة لصالح الحزب المنافس، لكن ذلك الزمن كان قد مضى، فرياح إصلاح الميثاق الجماعي عام 2015، كانت قد هبت بقوة، وجعلت من تلك الرئاسة البرتوكولية للجهات، رئاسة أكثر من مجرد صدارة رمزية، فرئاسة الجهة الآن كمؤسسة دستورية أضحت كرسيا بهيبة ديمقراطية… ورئيس الجهة الذي كان ينتظر ولاة الجهات كي يوقعوا له مجرد أوذونات محروقات كي يتنقل من مقر الجهة إلى أقرب مصلحة إدارية، استيقظ كي يكتشف أنه أصبح آمر صرف ميزانيات ضخمة، وسيد مستقل عن وصاية عمرت نصف قرن في كثير من الاختصاصات… وإن اكتشف مع الوقت أن الأمر بالصرف لا يعني انه أصبح رئيس مجلس حقيقيا….
كان حزب القوات الشعبية يتنازل عن رئاسة جهة كلميم واد نون، لأنها كانت مجرد برتوكول، لكن حينما أصبحت الرئاسة أكثر استقلالا…. ومؤسسة دستورية يستقبل ملك البلاد الجالسين على كراسيها ويوشحهم بظهير، فلا مجال نهائيا للتنازل…. ويجب أن لا نغفل هنا أن الصراع يدور حول رئاسة جهة صحراوية هي التي قال عنها المرحوم الحسن الثاني: بوابة الصحراء… ويجب أن نستحضر كل تلك الرمزية التاريخية لواد نون، و أن لا ننسى أن بلاد التكنة هي المحيط الهادئ الذي تتحرك فيه الأمواج العاتية لعموم قبائل الصحراء، ففيها تقطن كل القبائل الصحراوية الموزعة على تراب باقي جهات الصحراء، هنا تبدأ اللعبة، ومن يتحكم في خيوطها ينسج خيوط الخريطة الانتخابية في المناطق المتنازع عليها دوليا… جهة كلميم واد نون عبر التاريخ، لم تكن فقط موقعا استراتيجيا ونقطة حدودية لعبور القوافل التجارية، ولكنها أيضا جواز سفر انتخابي وسياسي …. ففيها مر الفينيقيون والبرتغال والإسبان والفرنسيس والمرابطون والموحدون…، والعلويون اعتبروها سيدة الباب…حتى مؤسسي جبهة البوليساريو مروا هناك طويلا، أو سكنوها، أو ليست القيادات السياسية لبوليساريو الداخل من أبنائها، و الجناح الإعلامي الدولي يتزعمه الآن كثير منهم….. حينما تأكد حزب الأحرار من أنه فقد رئاسة كل جهات المغرب، وضع صوب مدفعيته الثقيلة جهتين:
1 – جهة سوس ماسة، وهذه الجهة تفاوض عليها بالتي هي أحسن… ولا يمكنه غير ذلك أبدا، أو أن الفاتورة السياسية والأمنية ستكون أقوى… كلنا نعلم أن أي مقاربة أخرى خارج هذا السياق سيخرج منها حزب المنافس خاسرا…
حيث وظف ترسانة من الممكن لأي مطلع على صناعة اللعبة السياسة والانتخابية في المغرب، أن يتنبأ بها، كان مدخلها أن الجهة هي منتوج سياحي دولي يتطلب مراعاة الآخر الخارجي، وأنه يجب استحضار التوازنات الإستراتيجية الماكرواقتصادية، وأنه يجب أن نعرف بأن الاستثمار العالمي لا يمكن أن يدعم رئاسة حزب معينا .. وفي جهة لها مؤهلات اقتصادية، تساهم فلاحة وسياحة وصيدا وعملة صعبة ….في التوازنات المالية العامة، وبما أن الحكومة ستكون لها إكراهات مادية وتوازنات مالية….مفروض أن تستحضرها، فالمنطق البراغماتي يقول: أن تتنازل عن رئاسة جهة أعقل من أن تتنازل عن رئاسة حكومة، فالرباط أهم من أكادير سياسيا وانتخابيا… أضف إلى ذلك أن هذا الحزب يعتبر مجلس جهة سوس ماسة من الناحية الرمزية : هيبة أمام الدولة…و أمام الرأي العام…
2 – جهة كلميم واد نون، تقليديا كل القيادات السياسية والانتخابية السابقة لحزب المنافس كان في سجل منجزاتها رئاسة هذه الجهة، إذن من غير المقبول نهائيا أن يفقد رئاستها، هذا من جانب، ومن جهة أخرى فهي سياسيا و أمنيا بالنسبة له متحكم فيها في آخر المطاف….. وحتى إذا تطورت الأوضاع إلى حدها الأقصى، فحزب القوات الشعبية المعروف بحساسيته تجاه أي قرار قد يمس بتوازنات الجبهة الداخلية في منطقة الصحراء المغربي، وهو أصلا الذي يعتبر نفسه في خدمة المعادلات الاستراتيجية الكبرى للقضية الترابية، لن يتجاوز مطلقا الخط الأحمر، ولو كان ذلك على حساب وجوده الانتخابي ورمزيته السياسية.
بعض علماء التيار الثالث الذين يحرضون منافسيه على الحركة الاتحادية و عليه شخصيا، من خلال دعوتهم لرفع السقف ضده وضد كل الرموز القوية للحركة الاتحادية، وحزب القوات الشعبية، وحتى المكلفين بمهام انتخابية من داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، ربما يتوهمون أنه متحكم فيه، وذلك عبر تحريك ملفات قضائية ضده، وكذلك ضد باقي الاتحاديين، خصوصا في جهات الصحراء المغربية، فهو يعلم وهم يعلمون أنها ملفات مفبركة وفارغة.
دون أن ننسى شيئا مهما أن التجرؤ الانتخابي على جهة الجنوب الأوسط (جهة كلميم واد نون) ممكن ومسموح به… ومتحكم فيه…. وهذا الوضع استفاد منه موظفون عموميون، وخسر فيه الوطن والجهوية و الديمقراطية… وضاعت التنمية، وأصبحت جهة كلميم واد نون معطلة، وأكثر جهة تصدر البطالة و الهجرة داخل المغرب وخارجه، … وفي جهة كلميم واد نون أضحى فوز حزب معلوم أهم من الوحدة الترابية ومن التنمية ومن الديمقراطية ومن هيبة مؤسسات الدولة والقضاء، وضع الوطن في كفة والحزب في كفة، وهذا غير مقبول نهائيا تحت أي مبرر….
وفي تقدير التيار الثالث جهة كلميم واد نون حائط قصير…..
الكاتب : محمد الوحداني - بتاريخ : 25/02/2021