في مجموعته القصصية الجديدة» صانع الاختفاءات»

 

أنيس الرافعي بائع أرواح متهالكة ونحات للأفول

 

صدر حديثا عن مؤسسة «بتانة» الثقافية بالقاهرة، مجموعة قصصية جديدة للكاتب أنيس الرافعي تحت عنوان: « صانع الاختفاءات«.
المؤلف الذي يقع في 120 صفحة من القطع الصغير، و الموشى داخليا بأيقونات ساخرة (كاريكاتير ) من إبداع الفنان العراقي المعروف برهان المفتي، يضم ثماني قصص مطولة يفصل بينها «وقت مستقطع «، هي : رجل العلبة، رجل الأكياس ، رجل البانتوميم ، رجل الأعداد ، رجل الأوركسترا ، رجل الفنار ، سيدة المكواة ، ورجل العصافير . وقد صمم غلافه الأستاذ عبد الرحمان الصواف.
ففي أحشاء مدينة « كازابلانكا « المستقبليّة ، التي أضحت فجائعيّة بلا روح، و منتمية بامتياز إلى عالم «الديستوبيا « الكارثيّ والخبيث و «الأبوكاليبتيكي « ، الذي يجرّد البشر من آدميتهم ويحطّم أجمل ما في أعماقهم . وبين حنايا وإحداثيات ساحة وهميّة هي جناس تصحيفيّ لساحة «السراغنة « الحقيقيّة ، وفي الآن ذاته تمثيل هندسيّ ﻠ «مكعّب روبيك « بكافّة أبعاده الميكانيكيّة وسحره التصميميّ واحتمالاته الرياضيّة …يعمد شخص ، لا نعلم على وجه اليقين الراسخ ، إن كان ساردا مخاتلا، أو رجلا مختلّا، أو مؤلفا مخفقا لمخطوطة غامضة وغير مكتملة تحمل عنوان «مخلوقات المفكّرة « إلى تأسيس « وكالة وطنيّة للمساعدة على الاختفاء الطوعيّ «، ثمّ طفق تباعا ، بوصفه ماحيّ هويّات متلاشيّة، وبائع أرواح متهالكة، ومبتكر تنكّرات متسلسل، وأستاذا للتبدّد الفائق ، ونحّاتا للأفول ، من خلال شركته الغرائبيّة العابرة للمنطق العقلي السليم ، التي يدّعي أنّها ذات طابع إحسانيّ وميسم إنسانيّ صرفين، في إعادة تدوير متلاشيات المصائر المعطوبة والحيوات السيّئة، و»تهريب « أجساد من وقع عليهم الاختيار ومن تردّت أرواحهم في الدرك الأسفل من كثافة الحضور، نحو الضفة الأخرى للتواري .
بيد أنّ الأحداث سوف تسلك مسارا آخر غير متوقّع ، حينما أقدم السيّد مدير الوكالة على اتّخاذ مساعد لتعضيده في مهمّته يكنّى ﺑ «سانشو «، حيث سيشهر في وجهه راية العصيان ، ويسعى بشتّى السبل لتقويض مشروعه المحتشد بأحلام اليقظة، واضطرابات الهذيان، وقوائم المهيأين للانطفاء في السديم .
إننا في هذا الكتاب القصصي « الذي « يدفع متلقيه إلى القراءة ببطء وفق إيقاع جديد « حسب تعبير « رولان بارث»، أمام كناية رمزيّة مضمّخة بالكوميديا السوداء، وقدام متوالية سرديّة جهنميّة تعتبر نموذجا وضاء « للميتا- فيكشن» ، مزوّدة بنصين مرشدين، أحدهما قبليّ والآخر بعديّ، تستضمر بذكاء فنّي لافت « نظريّة الألعاب «، وتقدّم لنا محرقة جماليّة آسرة لصهر الأجناس والأنواع و الطروس ، وشرارة معرفية خلاّقة لنسف الجسور المصطنعة بين السجّلات والفنون والمرجعيات .
مرّة أخرى ، يؤكد أنيس الرّافعيّ ، من خلال هذا (الكتاب /العمل)، فسيفسائيّ المظهر ومتعدّد البواطن، المتقن لغة وتشخيصا ومعمارا ورؤية ومرجعيّة وتخييلا ، قدرته الفائقة على حفر تجربته المغايرة واسمه المرموق عميقا على لحاء دوحة القصة القصيرة، متشعّبة الأغصان ممتدّة الجذور، في تربة خلاسيّة، قوامها العضويّ طميّ الموهبة المتسلّحة بالأسانيد التقنيّة المكينة، و ماء المغامرة الحكائيّة المدروسة.


بتاريخ : 13/03/2021