التعاقد في التعليم .. السلبيات والسلبيات !

معاد وشطين

بداية القضية

منذ سنة 2016، شرعت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بالمغرب، في توظيف عشرات الآلاف من الأساتذة في الأسلاك التعليمية الثلاثة، لسد الخصاص المهول في القطاع، وبعد توالي الاحتجاجات ومطالبة الأساتذة بالترسيم في الوظيفة العمومية، ضمانا للاستقرار المهني والنفسي والاجتماعي، ومقابل رفض الوزارة الوصية قبول المطلب، أعلنت هذه الأخيرة عن التخلي التام عن نظام التعاقد سنة 2019، وأصدرت (النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية) وصادقت عليه في المجالس الإدارية للأكاديميات في 15 مارس من السنة نفسها، على أنه نظام يحقق المماثلة بين (أطر الأكاديمية) وموظفي الوزارة من نساء ورجال التعليم. فهل أتى بإيجابيات ؟ وهل حقق المماثلة ؟

التعاقد مفروض !

الأساتذة الذين اختاروا التوظيف بالتعاقد – مرغمين على ذلك – باعتبار الوزارة لم تَفتح مباراة نظامية للترسيم، ووضعت خيارا وحيدا لم يكن أمام المترشحين إلاَّه. وأمامَ نفيِها أنه لم يُفرض وأنَّ توقيع العقود تم برغبة من الأساتذة، فذلك أنّ البطالة تنخر حملة الشواهد من الشعب المغربي، ولو فَتحت مبارتين الأولى «بالعقدة» والثانية «نظامية»، حينها لا يمكن التسامح مع من طلب الترسيم ممن اختاروا العقدة. لكن أمامَ «عقد الإذعان» الذي أصدرته مؤسسة عمومية، دون أن يُشارك المتعاقد معه في تسطير بنوده والتفاوض حولها، ودون أنْ يَحتفظ بنسخة من العقد تتضمن توقيع الأكاديمية، فهنا لا مجال للحديث عن حرية الاختيار، فالتعاقد مفروضٌ.
ومن حيث التسمية في شهادة العمل، كانت الصفة موظفا بموجب عقد، فأستاذا متعاقدا، ثم أستاذا إطار الأكاديمية. والكثير من الأساتذة المتعاقدين الآن، يجدون صفتهم أستاذ، كأن لا فرق بينه وبين زميله المرسّم، وكل مدير مؤسسة تعليمية وهوَاه. الكلُّ يُسمّي!

إيجابيات التعاقد !

لا يمكن مطلقا الحديث عن إيجابيات نظام التعاقد في التعليم، لأنه لا يتضمن إلا سلبيات تولِّد سلبيات؛ فالقول إنَّه مكّن من تزويد المناطق النائية بالأساتذة، تلغيه أسئلة مصيرية، ما الضير من تزويد تلك المناطق بأساتذة مرسَّمين ؟ لماذا لا يمكن سدّ ذلك الخصاص إلا بواسطة نظام «الكونطرا» أو حتى بأطر الأكاديمية ؟ ما التعليل ؟ هل كانت الدولة ستترك أبناءها في الجبال والصحاري دون تعليم لو لم يتم اعتماد هذا النمط ؟
خمس سنوات وشوارع وطننا العزيز تغلي بالاحتجاجات، ويَزداد معها الاحتقان بين المحتجين ورجال الأمن.. خمس سنوات وتستمر الإضرابات والمظاهرات والمسيرات، التي لم تَطلب إلا الإدماج في الوظيفية العمومية، باعتباره حقا بقوة الفصل 31 من الباب الثاني من دستور المملكة لسنة 2011، وتأبى الوزارة أن تُحقق مطلبًا وحيدا وأوحدا، تحت مسمى «الخيار الاستراتيجي».

المماثلة مع أساتذة الوزارة !

من المؤسف جدا أن تتحدث وزارة التربية الوطنية عن المماثلة، وكأنَّ الأساتذة المتعاقدين يقرأون دون أن يَقوَوا على فهم بلاغة وفصاحة وبراعة اللغة العربية في (النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية).
فعلى مستوى الترقية؛ لا حقَّ للأساتذة المتعاقدين في الدرجة الممتازة (خارج السلم)، إذ تنحصر الترقية ما بين الدرجة الثانية والدرجة الأولى، بمنطوق المادة 15 من الباب الثاني من (النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية المصادق عليه). إلى جانب هذا، ومنذ الفوج الأول، كل الأساتذة المتعاقدين قابعين في الرتبة 1.
وعلى مستوى الحركة الانتقالية؛ لا حق للأساتذة المتعاقدين في الحركة الوطنية، بمنطوق المادة 58 من الباب الخامس من (النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية المصادق عليه) إذ أنَّ قدرَ الأستاذ أن يُسجن في أكاديمية واحدة طول حياته. أليس من حقِّي على سبيل المثال، أن أختار كلَّ سنة التنقل بين الأكاديميات وفق شروط الحركة الانتقالية الوطنية مؤديا مهنتي، مُدرّسا في شمال ووسط وجنوب وطني؟ زارعا القيم الوطنية والإنسانية والدينية النبيلة في الناشئة، أبناء وبنات الوطن، أطر الغد. بأي حقّ لدى المُشرّع الحق في حرماني من حق الانتقال المهني في وطني ؟
وعلى مستوى التقاعد؛ جعلت الوزارة الوصية الأساتذة المتعاقدين، منخرطين في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR)، بمنطوق المادة 81 من الباب السادس من (النظام الأساسي الخاص بأطر الأكاديمية المصادق عليه)، في حين ينخرط أساتذة الوزارة في الصندوق المغربي للتقاعد (CMR)، وشتَّان بينهما من اختلافات ! فأين المماثلة من كل هذا ؟!

الجهوية في التعليم !

لستُ مربيًا ولا مُدرّسًا صالحًا، إنْ لم أحب أن أرى وطني يزدهر وينمو ويتقدم في مصاف الدول المتقدمة، ولست كذلك إنْ قلتُ أنَّ مشروع الجهوية سلبي أو لا يمكنه أن يَتحقق.. بل كل الشعب المغربي مع القرارات التنموية والسيادية التي يُطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيّده. لكن وزارة التربية الوطنية لم تأخد من ورش الجهوية إلا الاسم، ولم تُسقطه إلا على أضعف حلقة فيها وهي «الأستاذ»، فلا هي غيرت برامج دراسية لتناسب خصوصيات كل جهة، ولا هي أعلَت قيمة الأستاذ الذي هو قلب المنظومة التربوية والتعليمية. بل رفعت شعار الجهوية عبر التوظيف الجهوي، المؤطر بـ (نظام أساسي خاص بأطر الأكاديمية الجهوية)، والذي هو نظامٌ واحدٌ نسخته اثنتا عشْرة أكاديميةً جهوية، الاختلاف في هذه الأنظمة الـ 12، هو اسم الأكاديمية الجهوية فقط !
إلى جانب هذا، فأغلب القرارات والمذكرات الهامة، مركزية تصدر عن الوزارة أساسًا، ولا تصدر عن الأكاديمية. فأين تفعيل الجهوية ؟

حل القضية والقضايا !

إنَّ حلَّ المأزق الذي فرضه هذا النمط من التوظيف، لا يمكن أن يتم إلا بإدماج جميع الأساتذة المتعاقدين في النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، بل والاستعداد لحل قضايا أكبر، ستَنتج عن حل المشكل الأصل. إنّها قضايا الترقي في الرتبة بأثر رجعي، وإلى الدرجة الممتازة لدى مدرسي الأسلاك الثلاثة ! فالأساتذة المتعاقدون في التعليم الثانوي خاصةً، وَلجوا التدريس بصفة «أستاذ التعليم الثانوي بسلكيه»، منهم من تم تكليفهم في السلك الإعدادي، ومنهم من تم تكليفهم في السلك التأهيلي. حين تَحقق مطلب الإدماج، من حق أساتذة الإعدادي المطالبة بالدرجة الممتازة، وبذلك ستبدأ احتجاجات أخرى. فضلا عن هذا، فالدرجة الممتازة من حق الأساتذة المتعاقدين في السلك الابتدائي، ومن حق أساتذة السلك الإعدادي المرسّمين. وهكذا ستبقى لعبة (شد الحبل) مستمرة، الوزارة تقوم بالتدشينات والتصريحات، والأساتذة في صراع مع رجال الأمن في شوارع الرباط (كلاهما يتذكران الطفولة ويلعبان لعبة البوليس والشفارة، لكن بطرقة دموية مؤسفة وغير حضارية، بعيدة عن القيم وعن حقوق الإنسان).
إلى متى سنبقى في صراع حول الحقوق، وننسى المنافسة الدولية من أجل إبعاد نظامنا التعليمي من الرتب الأخيرة التي يحصل عليها كل سنة ؟ أرجوكم يا أصحاب القرار، لا تَجعلوا المغاربة يعتقدون أنَّ كل هذا مخططٌ مدروس للنيل من الأستاذ في المجتمع، ولا تجعلوهم يعتقدون أنَّ هناك أيادٍ خفية من صالحها الأزمة، لا أحد منها تسره هذه الكهربة الطويلة، اتقوا الله في وطنكم وفي أبناء وطنكم.

الكاتب : معاد وشطين - بتاريخ : 22/03/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *