في انتظار تفاصيل النموذج التنموي الجديد 2/ 2
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
ثانيا: استطاع المغرب تدبير ملف أساسي وجوهري من ملفات النموذج التنموي الجديد ووضع السكة لذلك، وقد سبقت الإشارة إلى أن ملك البلاد ذكر، في خطاب أكتوبر 2018، التغطية الصحية وتطلع المغاربة إلى تعميمها وتسهيل ولوج الجميع إلى الخدمات الاستشفائية الجيدة .. وهو بند واحد فقط من بنود ثورة اجتماعية كبيرة دبرها المغرب، والواقع أن وزير المالية بنشعبون كان على حق، وهو يتحدث أمام البرلمان، خلال جلسة المصادقة على المشروع الملكي الخاص بتعميم التغطية الاجتماعية، عن ثورة اجتماعية حقيقية ونقطة تحول في مسار الإصلاح الشامل للحماية الاجتماعية ومشروع مجتمعي غير مسبوق.
لقد دبر المغرب هذا التحول وهذه الثورة، بوسائل النموذج القائم، لكن بإرادة سياسة تجاوزت الظرفية المأساوية إلى خلق أفق جديد للمغرب، قبل أن يتشكل النموذج في خطاطة عمل وفي مقتربات جديدة وفي تنويع الإرادة المعبر عنها!
إن الخلاصة هي أن المغرب، الذي لا يملك سحرا طبيعيا تحت ترابه، ولا عصا مدفونة في جباله وسهوبه، نفطا أو غازا، أبان عن قدرة ذكائه الجماعي في لحظات صعبة على البشرية كلها…
ويمكن أن نتنبأ، بدون خوف من الخطأ، بأن نأمل أنه سيحَيِّن سؤال بحره الأطلسي.. ويدفع بعدم إدارة ظهرنا للمحيط .
لقد كتب العروي في الصفحة 239، من كتاب»المغرب والحسن الثاني» الصادر سنة 2010 أن «المغرب جزيرة، يحيط بها البحر والجبل والصحراء(…) المغرب، سواء تحت حكم المنصور أو مولاي إسماعيل ، محمد الثالث، أو عبد الرحمان، تحت حكم محمد الرابع أو محمد الخامس، مع الحسن الأول أو مع الحسن الثاني، يواجه نفس المخاطر، شمالا، وشرقا وجنوبا، وعليه فإن الخلاص يكمن في المحيط الأطلسي الذي لم يعد للمغاربة أبدا أن يديروا له ظهرهم.».
وفي هذه النقطة، استطاع المغرب أن يدبر وضعا جديدا في واجهته الأطلسية، من خلال ميناء الداخلة.. وهو بحد ذاته تحد قوي، دبره المغرب بوسائل النموذج القائم والإرادة المتجددة…
الرجل الذي تولى هذه المهمة يعرف جيدا أن الملك خطب فيها مرتين بلغة غير مسبوقة ولا يرقى الشك إلى قسوتها، إذ أنه حرض على عملية قلب للتربة، حرض أيضا على هامش واسع لتقييم نموذج تنموي استنفد احتياطاته من الحلول.
* نموذج تنموي أصبح غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات.
* نموذج تنموي أصبح غير قادر على الحد من الفوارق الطبقية والمجالية، الفوارق بين مختلف المغاربة وبين مختلف مكونات تراب المغرب..
وطلب من الرئيس ومن اللجنة قبل ميلادها، أن تتحلى بكل الجرأة والموضوعية، «تسمية الأمور بمسمياتها، دون مجاملة أو تنميق، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي».
ننتظر إذن زلزالا سياسيا في محتويات النموذج..
إن الزلزال السياسي يقتضي أن يسمى السي بنموسى القط قطا، والريع ريعا، والفقر فقرا واللص لصا.. وهو مطالب من وراء ذلك، بأن يكون أمينا في تسمية ما يجب تسميته حتى نفسح الطريق للزلزال، لكي يخرجنا من حالة الركود القلق، حتى لا نستحلي وضعية العجز الفكري التي يبدو أنها تليق بجزء من النخبة وتفيدها في استمراء وضع منذور لخلق كل التوترات، بل الاحتجاجات ..
وقد كان الخطاب الملكي في الذكرى العشرين للعرش المومأ إليه أعلاه حاملا للتمثلات التي يجب أن ترافقها، تمثلات القيم التي لا بد منها لإنجاح هذا التفكير، وسلم قيم عملها،
* الحقيقة، ولو كانت قاسية أو مؤلمة.
* الشجاعة والابتكار في اقتراح الحلول.
* التحلي بالحزم والإقدام، وبروح المسؤولية العالية.
وفي مرحلة تالية، بعد الانتهاء من العمل..
*تنفيذ الخلاصات والتوصيات الوجيهة ولو كانت صعبة أومكلفة .
لقد مرت المهلةالكافية منذ أن طالب ملك البلاد بزلزال في أسلوب المعالجة وفي نتائجها وحلولها، وتم في هذه الفترة العودة إلى تجديد الحاجة و الضرورة إلى النموذج التنموي الجديد.. وخلالها اجتهدت الكثير من القوى السياسية والمهنية والمدنية في تقديم تصوراتها له، بل هناك محاولات عديدة أرادت أن تكون ناتج محصلة عمل مؤسسات دستورية، كما هو حال البرلمان وحال الحكومة، التي لم تفلح في صناعة مقترح وحيد بسبب الدور الذي أراد أن يلعبه رئيسها، بدون توفيق كبير..
بل، وكان من الممكن أن تشكل الحكومة مؤسسة التفكير والاقتراح في المجال إياه، لكن ذلك لم يحدث، وهو ما قد – للتنسيب- يفسر قول ملك البلاد في خطاب الذكرى العشرين للعرش في طبيعة اللجنة ومسؤولياتها.
فقد أطرها دستوريا بكونها لا ترقى إلى أن تكون حكومة ثانية..» هذه اللجنة لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية؛ وإنما هي هيئة استشارية، ومهمتها محددة في الزمن…».
في شكل اللجنة، ليس فوق الحكومة ولا تحتها، بل ولا تخضع لرهانات القوة التي تكون وراء تشكيل الحكومة أو المؤسسات الدستورية، بل هي لجنة تحتكم إلى روح التوافق في الواقع، الذي طبع معالجة الملفات الشائكة أو التي هي محط تنازع مجتمعي أو حزبي…..
ننتظر إذن زلزالا!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 27/03/2021