مقاهي ومطاعم في الحجر … الصوم ليلا ونهارا! 2/2
عبد الحميد جماهري
لم تعد الإجراءات الاحترازية تحتاج إلى دفوعات في الشكل والمضمون، أو في الكلي والجزئي، بعد أن أثبتت جدارتها على سلم القيم العالمي، في ما يخص التدابير الناجعة لمواجهة كورونا.
صرنا نسلم بالكثير منها إن لم نقل كلها..
وما يمكننا أن نعلل به هذا القرار أو ذاك لا يحتاج ترسانة مفاهيمية للدفاع عنه.
غير أن هذا النضج المغربي الشعبي، لا يعفينا من النظر إلى الجانب الصعب فيها، ولا سيما ما نراه من آثار لهذه القرارات على الحياة اليومية للقطاعات الهشة أوالواسعة الانتشار ، حيث يكون لهذه القرارات إسقاطات تمس الحدود الدنيا للعيش.
وما هو مطروح بالنسبة لقرار إغلاق المقاهي والمطاعم، هو الطبقة العاملة التي توجد خارج دائرة القطاع المهيكل…، والتي تجتاح بلادنا موجة تضامن واسعة معها !
قد نجد للفئات المسجلة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بابا مواربا للرزق يدخل منه المتضررون، وطريقا للإمساك ببعض الحل وتجنيب أصحابه الحاجة والشح في الفترة الرمضانية..غير أن هذا لا يبرر إغفال غير المسجلين في »”السينيسيس”«، وإلا سيصبح عذرنا الحكومي أفدح من الزلة، فنحوِّل وجود قطاع غير مهيكل في عالم المقاهي والمطاعم، إلى مبرر لمضاعفة الصعوبة في العيش!
فالنادل في وضعه العادي يكون محروما من الحقوق، وفي الوضع الحجري يصبح محروما من الدخل بسبب أنه محروم من الحقوق!
أي أننا نبرر عدم استفادته من التعويض في الفترة الوبائية بعدم تمتعه بحقوقه، وهكذا يصير الحرمان مضاعفا، ويبدو منطقيا ومعقولا في ثنايا القرار !!!
والأرقام، على لسان المسؤولين في فدرالية أرباب المقاهي والمطاعم أنفسهم، صادمة، بحيث يُقرون بأن قرابة 80% غير مصرح بهم في الصندوق المذكور!
وعلينا أن نقر معهم أن المصرح بهم هم من فئة القليلة، وأغلبهم كان دخله الشهري يضاعف المنحة التعويضية، المحددة في ألفي درهم، أربع وخمس وست مرات أو أكثر..
حدث لي أن سألت نادلا في مقهى، عن كيفية تدبيره لما بعد دخول شهر الفضيلة والروحانيات، فانطفأت عيناه كَمَدًا، وتحسَّر تحسُّر من لا يعرف ما ستأتي به الأيام، وهو يعرف أنها تخبئ له المؤلم والصعب …
ولما سألته عن رب المقهى، أبدى تعاطفه معه، بل تحسر على الوضع الذي ينتظره هو بدوره.
وهنا يتضح أن وحدة المصير تجعل الضرر يمس العامل ورب المحل، وهما مهددان، الواحد بقطع الرزق والمثل المأثور يقول: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) والثاني بالإفلاس..
ولا شك أن عدد المفلسين سيتضاعف، بعد سنة مرت تحت سيف المنع أو المنع المقنن، كما سيتضاعف عدد العاطلين، والأرقام تتحدث عن ما يفوق مائة ألف عامل وعاملة.. أي مائة ألف أسرة، لن تجد معيلا يعمل، وبمعدل الأسرة المغربية نحن أمام قرابة نصف مليون مغربي في حالة تجعلهم بدون أدنى فكرة عن مصدر الرزق، ابتداء من أول رمضان…
بعضهم، في المدن الكبرى، يسافر إلى «لبلاد» ليقضي رمضان، وغالبا ما يعيشه بتضامن، بين من يعمل في الحضر ومن يعيش في البادية..هؤلاء قد يجدون في التضامن العائلي بعض العزاء، وبعض السند. وغيرهم سيزداد سوء أوضاعه..
لا بد من تضامن أوسع، وربما أعطى المغرب المثل والنموذج فيه، وصار من المحبذ بل من الحيوي، إحياء الاندفاعة التضامنية التي واجهنا بها كوفيد في أبريل الماضي، والحاجة إليها قد تقتضي أن توضع جدولة للكلفات الخاصة بالقطاع وأصحابه:
هناك العمال، وهناك أرباب المحلات، ومنهم بالفعل من يعمل عن طريق كراء المحلات من عند الغير، بمبالغ نخمن أنها غالية، ولن يجد مصدرا لها، مع تعثر النشاط أو جموده طوال شهر كامل، ليلا ونهارا.
وأشكال القرارات التضامنية متنوعة، ومنها:
– السماح بالخدمات المنزلية، وهو حل لدى جزء مهم من القطاع، لفائدة جزء مهم من الأسر التي تفضل هذه الخدمات، وعدد وافر من الأفراد، ولا شك أن هذا القرار سيجعل الحل ممكنا، وعليه، فالمفروض في وزارة التجارة أن تدفع الحكومة نحو هذا الحل الجزئي..وإدراج القطاع في خانة الاستثناء الإيجابي (الحالات الخاصة ) الذي ورد في بلاغ الحجر الحكومي المضاعف..
– ووزارة المالية، في سياق الخطوات التضامنية هاته، لا بد لها من أن تعيد النظر، إما في عملية التضريب الحالية أو نسبة أداء الضريبة أو تعطيلها عن سنتي الأزمة الظاهرة للعيان..
– ولعل من المناسب أيضا أن يبادر أرباب المقاهي والمطاعم، في اندفاعة تضامنية من داخل القطاع، إلى تسجيل غير المسجلين، والاستفادة من الفترة الإضافية المعلن عنها من طرف الصندوق المعني، وهو أمر صار له طابعه التضامني الأخلاقي قبل المهني، لأن أرباب المقاهي والمطاعم لا يمكنهم، رغم صعوبة الوضعية، أن يعفوا أنفهسم من التضامن الذي يطالبون به الدولة، بل يجب أن يحضر هذا التضامن ضمن جدول أعمال الدولة في شخص الحكومة وأرباب المقاهي والمطاعم..عند فتح الحوار حول الموضوع.
التدبير الحكومي لما بعد القرار إجباري، وليس اختياريا..فهو واجب أخلاقي، سياسي، اجتماعي صحي، وغير ذلك من القيم التي تفرض أن تدبر الحكومة آثار قرارها.
فهي موجودة لهذه الغاية… …
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 10/04/2021