في حوار مع الفاعل المدني الجزائري الأستاذ وليد كبير.. : ما يرتكب في حق الشعبين المغربي والجزائري جريمة سياسية كاملة الأركان

الصراع بين البلدين هو صراع بين نظام الحكم في الجزائر وبين المغرب كدولة

أعتبر الصحراء مغربية عن قناعة تامة وقضية المغرب عادلة

 

أطلقت فعاليات مغربية وجزائرية، في أول يوم من رمضان هذه السنة (1442 هجرية/ 2021 ميلادية)، نداء إلى عموم الرأي العام بالبلدين وإلى حكوماتهما، أطلق عليه «نداء المستقبل»، يستهدف أمرين مركزيين: أولها فتح معبر إنساني لعبور المواطنين المغاربة والجزائريين على الحدود لتيسير الزيارات العائلية والتواصل الأخوي بين أبناء الدم الواحد. وثانيها نبذ خطاب الكراهية الذي يرهن مستقبل البلدين ويزرع الضغينة ويكرس روح العداء، والذي لا يخدم سوى أجندات أعداء حق شعوب المنطقة المغاربية في الأمن والسلم والنماء والتقدم.
من بين هاته الفعاليات المبادرة إلى إطلاق «نداء المستقبل» هذا، الذي وقعت عليه 100 شخصية جزائرية ومغربية، من آفاق متعددة سياسيا وأكاديميا وحقوقيا واجتماعيا وإعلاميا، نجد الأستاذ وليد كبير، الفاعل المدني والمناضل الجزائري المعارض للسياسة المتبعة من قبل نظام الحكم بالجزائر الشقيقة، والذي عرف دوما بمواقفه الوطنية الأصيلة داخل الجزائر، المنتصرة للحق والداعية للإصلاح والمنتصرة للمستقبل في أفقه المغاربي التكاملي المنتج والفعال.
بالتالي، فقد كانت مناسبة لنحمل إليها بعضا من أسئلتنا، المؤطرة ضمن سياق لحظة «نداء المستقبل»، وكذا التصعيد الذي تنتهجه جهات من ضمن نظام الحكم بالجزائر ضد المغرب ومؤسساته وحقوق شعبه في وحدة أراضيه. فكان هذا الحوار الهادئ والصريح والمسؤول مع الأستاذ وليد كبير، الذي نحيي فيه نبل أصالته الوطنية الجزائرية، تلك التي سعدنا دوما بصدقيتها ضمن صفوف الشعب الجزائري الشقيق، أبناء وحفدة شهداء التحرير العظام هناك ضد الإستبداد الإستعماري الفرنسي. وليس مفاجئا أن يمتلك دوما الأستاذ كبير حصافة تسمية الأشياء بمسمياتها في مواجهة الصراع المفتعل من قبل النظام الجزائري ضد حقوقنا الوطنية المشروعة في تحرير واستعادة صحرائنا المغربية. هنا نص الحوار.

 

 أطلقت فعاليات مغربية وجزائرية نداء مشتركا وقعه مثقفون وفاعلون جمعويون وشبابيون، من أجل المطالبة بتجسير العلاقات المغربية الجزائرية بما يحقق الأمن والتقدم للشعبين وللمنطقة المغاربية. ولقد تم اختيار فاتح رمضان ليكون موعدا مثاليا لإطلاق هذه المبادرة التي وقعها 100 من المثقفين والفاعلين من كل بلد من البلدين الشقيقين. هل تعتقدون أن تمة أفقا لتتجاوب معها حكومات الدولتين؟. وما الذي تترجمه مبادرة مماثلة اليوم، في ظل جو التصعيد الذي تنخرط فيه جهات إعلامية وسياسية من الجانبين؟

«نداء المستقبل» أول نداء يخصص لمطلب إنساني بحت. في السابق كانت هناك دعوات عديدة لفتح الحدود بشكل طبيعي، أما «نداء المستقبل» فهو دعوة لفتح معبر بري إنساني للراجلين خاص بالعائلات الجزائرية المغربية التي تعاني من ضرر نفسي مرده الحرمان من حرية التنقل لرؤية ذويها على طرفي الحدود!
حتى في الحروب تُفتح المعابر الإنسانية، فما هو المانع من تخصيص معبر إنساني للعائلات المختلطة خصوصا ونحن لسنا في حرب مباشرة بين البلدين؟
أعتقد أنه يجب حل العُقد التي تحكم علاقات الجزائر والمغرب بشكل تدريجي وليكن السياق الإنساني في أول المسار لإعادة العلاقات إلى شكلها الطبيعي.
لا مبرر يمنع الاستجابة الى المطالب التي وضعها «نداء المستقبل»، فمن حق العائلات الجزائرية المقيمة في المغرب زيارة ذويها في الجزائر عن طريق البر ومن حق العائلات المغربية المقيمة في الجزائر زيارة ذويها في المغرب عن طريق البر، ومن غير المعقول ان يُفرض على مواطن سواء جزائري او مغربي التنقل مئات الكلمترات برا وجوا كي يصل الى قرية أو مدينة يطل عليها من خلال نوافذ بيته!
لا مبرر أيضا عدم الاستجابة لنداء يدعو الى نبذ خطاب الكراهية الذي يرهن مستقبل البلدين ويزرع الضغينة ويكرس روح العداء خصوصا وأن ما يجمع الشعبين أكبر بكثير مما يفرقهما بل لا يوجد ما يفرق بين المغاربة والجزائريين.
سنبقى متفائلين بخصوص تجاوب الجهات الحكومية مع المبادرة رغم أن الظرفية تشهد تصعيدا يستثمر فيه أعداء التقارب لصالح مصالحهم الضيقة.
لسنا مسؤولين عن هذا التصعيد كمواطنين، وحلمنا في أن يحقق المطلب الحد الأدنى لمن تضرر بشكل مباشر من هذا الصراع الذي كلفنا الكثير.
إن ظرفية إطلاق هذا النداء مناسبة لتخفيض مستوى التوتر وإعطاء أمل نحو مستقبل مشرق للعلاقات، والشق الانساني لهذا النداء يضع في حرج كل من يتاجر في مآسي الشعبين.

 

 كان الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله، قد قال لي مرة إنه خجل مما سيقوله التاريخ عن جيل الإستقلال في المغرب والجزائر، الذي لن يترك للأجيال الجديدة من الشعبين سوى أسباب التوتر والتصعيد والقطيعة، بعد أن رسخ جيل الحركات الوطنية والفداء ضد الإستعمار الفرنسي اللحمة المغاربية والأخوية نضاليا بين الشعبين في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات. ألا ترون معي أستاذ وليد كبير أن الجريمة السياسية اليوم، التي ترتكب في حق شعبينا المغربي والجزائري هي في أننا نوسع بين أبنائه فقط أسباب البعاد والتوتر وإغلاق سبب التكامل والتواصل والتعاون؟

nكان لي شرف لقاء المجاهد عبد الرحمن اليوسفي رحمه الله خلال آخر نشاط سياسي له عندما أطلق «نداء وجدة من أجل الجزائر والمغرب» نهاية سنة 2018، وأحسست أن تقاسيم وجهه كانت تعبر عن خيبة أمل مما حدث بعد استقلال البلدين خصوصا وأن تلاحم الحركة الوطنية في البلدين والنضال المشترك ضد المستعمر الواحد أعطانا الحرية نعم، ومكننا من الاستقلال، لكننا دخلنا في صراعات انتجت لنا شللا في المنطقة ندفع ثمن تبعاته إلى اليوم.
إن ما يرتكب في حق الشعبين هو فعلا جريمة سياسة كاملة الأركان تغذيها آلة دعائية تخضع لحسابات أعداء التقارب الذين يتنفسون من بقاء التوتر ولا تخدمهم أشكال التواصل والتعاون والتكامل. لهذا وجب على القوى الخيرة عدم ترك ساحة النضال من أجل الدفع نحو التقارب الذي يخدم بالاساس المصالح العليا للبلدين.

كل من يتتبع مبادراتكم على مستوى شبكات التواصل الإجتماعي، يكبر فيكم مروءتكم في تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية في ما يتعلق بأسباب التوتر بين بلدينا، وأنك من الأصوات الوطنية الجزائرية التي تنتقد سياسة حكومات بلدكم الجزائر التصعيدية ضد الحقوق الوطنية المشروعة للشعب المغربي في صون وحدة أراضيه سواء في الصحراء أو تحرير مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية. كيف تقيمون من موقع وطنيتكم الأصيلة موقف رجل الشارع الجزائري حول ملف الوحدة الترابية للمغرب؟ ولمصلحة من يتم هذا التصعيد؟

الصراع بين الجزائر والمغرب هو في شكله العام صراع بين نظام الحكم في الجزائر وبين المغرب كدولة وليس فقط نظام حكم، وهنا يكمن الفارق في التعاطي مع نزاع الصحراء التي أعتبرها مغربية عن قناعة تامة وأن قضية المغرب عادلة.
المغاربة حرروا أرضهم في هبة شعبية سلمية وبالتالي فإنها قضية أمة، أما في الجزائر فالشعب لا يحتضن هذا الملف ولا يبدي أي اهتمام لتلك الجماعة الإنفصالية التي يدعمها النظام. ويمكن رؤية ذلك من خلال نقطتين هامتين:
أولها أن الحراك الشعبي الجزائري لم يرفع شعارات تأييد لجبهة البوليساريو أثناء المسيرات.
النقطة الثانية الردود والتعاليق التي نقرأها في منشورات الإعلام الخاضع للنظام على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، والتي هي في أغلبها ساخطة وساخرة من تدبير النظام لهذا الملف. بل وقد أُطلقت مبادرات تدعو إلى عدم الإنجرار وراء ما يدفع إليه نظام الحكم وآخرها المبادرة التي رفعت شعار «المغربي ليس عدوي» بعد صدور بيان من المديرية العامة للأمن الوطني تحدثت فيه عن توقيف مغربي مندس بالحراك ثم ما لبث أن تم تقديمه أمام العدالة ليكتشف أنه مجرد باحث عن فرصة عمل.

 

 نعرف أن تعطيل التعاون المغربي الجزائري يكلفنا جميعا الكثير على كافة المستويات التنموية والأمنية والإنسانية. وأننا المجموعة البشرية الوحيدة في العالم التي لها كل ممكنات التكامل كقطب جهوي قوي في غرب المتوسط وغرب شمال إفريقيا، لكننا نخطئ مواعيدنا مع التاريخ للأسف. أين يكمن العطب في رأيكم؟. وهل تأملون أن يكون الحراك الجزائري فرصة لانتصار منطق التعاون بين شعبينا، مع أمل انتصار الخيار الديمقراطي المؤسساتي بالجزائر الشقيقة؟

العطب في ايديولوجية نظام الحكم في الجزائر الذي ظن ان سياسة العداء تجاه المغرب ستقوي جبهته الداخلية، وان الجزائر ليست بحاجة إلى التكامل مع المغرب لأنها تمتلك الامكانيات المادية التي تجعلها في غنى عن ذلك. لكن حقيقة الواقع أثبت خطأ النظام الجسيم في حق الجزائر أولا والمغرب والمنطقة المغاربية برمتها، بإعتماده هذه السياسة الفاشلة.
لا يمكن بناء تعاون بين البلدين ونظام الحكم في الجزائر يسوق للجزائريين على أن الشر كله يأتي من المغرب، وبهذا لا يمكن أن تنتظر خيرا ممن لا يرى فيك الخير.
الحل هو إسقاط الايديولوجية التي تكرس منطق العداء مع المغرب، والنظر إليه كبلد جار وشريك موثوق به.
الحراك الشعبي الجزائري هو أملنا الكبير في الوصول إلى إرساء دولة مدنية ديمقراطية تنهي القطيعة مع ممارسات الماضي وتبني لعلاقات حسن جوار مع المغرب نكون عبرها شركاء بمنطق رابح رابح فنحقق التعاون بيننا ونرجع الأمل المفقود منذ عقود.

 الجزائر في مفترق طرق، حيث الأزمة مركبة ومعقدة جدا هناك، مؤسساتيا وأمنيا واجتماعيا وتنمويا. في سؤال قلق مباشر إلى أين تتجه الجزائر في نظركم؟

هناك أزمة سياسية بالدرجة الأولى نتيجة اخفاقات مسؤول عنها هذا النظام الذي بنى عقيدته على أولوية العسكري، وهنا يكمن الخلل. لأن السياسة تدار من طرف السياسيين وليس العسكر.
المشكل الأساسي لمؤسسات الدولة في الجزائر هو خلط الأدوار ووجود سلطة فعلية تمارس الحكم من وراء واجهة مدنية لا تتردد في تغييرها كلما انتهت صلاحيتها.
الجزائر عرفت ربيعا ديمقراطيا منذ أكثر من ثلاثة عقود، لكن عقيدة النظام أجهضت تطور المسار الديمقراطي وهي عقبة أمام أي تغيير جذري لمنظومة الحكم.
الأزمة السياسية ألقت بظلالها على الإقتصاد الذي لا يزال يعتمد بشكل شبه كلي على المحروقات. مثلما أن عدم وجود استقرار سياسي أدى الى أزمة ثقة لدى المستشمرين خصوصا الأجانب، وهنا يجب الإشارة إلى المقاربة الأمنية التي يروج لها النظام من قبيل ان الجزائر مستهدفة وانها في خطر وان هناك عدوا يتربص بها، كل هذه الدعاية تؤثر بشكل كبير على مناخ الاستثمار وتكبح جماح أي طموحات للإستثمار في الجزائر.
تأخر الاصلاح السياسي يترك البلد يدور في حلقة مفرغة وإذا سارعنا الى حل المعضلة السياسية ستكون تكلفة التغيير أقل.

 من موقع معرفتكم بدواليب صناعة القرار السياسي بالجزائر الشقيقة، هل تنظرون بأمل إلى المستقبل لانتصار التعقل على التصعيد في العلاقة بين بلدينا؟ أم إن علينا انتظار الأسوأ لا قدر الله، مما ستكون نتائجه مدمرة للجميع بمنطقتنا؟

علينا أن نتشبث دوما بالأمل والنظر بتفاءل إلى مستقبل العلاقات بين البلدين، والنضال من أجل صد محاولات أعداء التقارب توريط المنطقة في مستنقع الدمار.
الأمل مرتبط أساسا بالتغيير الجذري لمنظومة الحكم في الجزائر والذهاب نحو إرساء الارادة الشعبية واسقاط ايديولوجية العداء للمغرب، لبناء علاقات حسن جوار وأخوة مع البلد الجار الذي نشترك معه في التاريخ والدين واللغة والعادات والتقاليد والمصير المشترك.

 


الكاتب : لحسن العسبي

  

بتاريخ : 17/04/2021