توصل الأستاذ والمفكر المغربي سعيد ناشيد بقرار العزل من الوظيفة كأستاذ بالمديرية الإقليمية سطات.
القرار، الذي تتوفر جريدة الاتحاد الاشتراكي على نسخة منه، وافق عليه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، كما وصف بالانتقامي في حق أستاذ ومفكر مغربي، وخلف ردود فعل قوية ضده، وموجة من الغضب من شرائح واسعة من داخل المغرب وخارجه، من مثقفين وإعلاميين وغيرهم، وهو ماجسدته موجة التضامن من داخل المغرب وخارجه، لما يتمتع به الأستاذ سعيد ناشيد من مكانة بفضل إنتاجاته الفكرية التنويرية.
وقد طالب المتضامنون بوضع حد لهذا العبث، واعتبروا أن القرار انتقامي، ولم يراع أي اعتبار، خاصة وأن الأستاذ سعيد ناشيد، يعاني من مرض مزمن، ومافتئ يقدم للإدارة مايثبت ذلك من خلال الشواهد الطبية.
الأستاذ سعيد ناشيد، كتب تدوينة على صفحته الرسمية في الفيسبوك، يسلط فيها الضوء بالتفصيل على خلفيات عزله من الوظيفة العمومية، وهي التدوينة التي حصدت الآلاف من المواقف التضامنية من المغرب وخارجه، والتي طالبت المسؤولين التدخل وإيقاف هذا الاعوجاج لما يمثله المفكر المغربي من مكانة فكرية، جسدتها مؤلفاته الكثيرة والمتنوعة.
الرسالة التدوينة حملت عنوانا صادما فعلا ،”نعم أصبحت أتسول الآن ” تترجم مرارة الظلم التي يحس فيها من كان في هذا الموقف، وتترجم بالملموس الحجود والانتقام من قلم مفكر مغربي، يدعو من خلال مؤلفاته وإشراقاته التنويرية إلى استخدام العقل، وحب الحياة بدل الموت والحقد.
يروي الأستاذ سعيد ناشيد قصته بالتفصيل، يقول في ذات التدوينة المظلمة “قصّتي لا يعرفها سوى القليلون، حرصتُ على إخفائها لأني لم أكن أريد أن أبني اسمي على أي شكل من أشكال التعاطف:
أنا سعيد ناشيد… عملت مدرسا للفرنسية في الابتدائي لسنوات، ثم أستاذا للفلسفة في الثانوي لسنوات، في مدينة فاس، ثم مدينة سطات، كانت لي تجربة وإنجازات”.
ويزيد شارحا “في فترة حكومة التناوب نجحتُ بجدارة، بدعم من العزيزة على قلوب المغاربة المرحومة آسية الوديع، وبدعم ثلاث منظمات حقوقية، في الحصول على منصب مدير تربوي في إحدى إصلاحيات المغرب، وذلك بعد أن وقع السيد وزير التربية الوطنية على قرار التعيين، في إطار شراكة مع وزارة العدل، لكن القرار اختفى في طريقه إليّ بلا أثر.
واصلتُ مهنتي في التدريس بهدوء، وبالموازاة خضت غمار الكتابة والتأليف، مقتنعا بأنه الطريق الذي لن يصدني عنه أي أحد. وهكذا أصدرتُ كتابي الأولى “الاختيار العلماني وأسطورة النموذج” عن دار الطليعة بيروت.
لكني تعرضت لضربات عصيبة، من بينها أني تخاصمت مع رجل سلطة كنت أكتري منه منزلا، فحملت متاعي وغادرت منزله بعد أن سلمته المفاتيح، لكنه انتظر عامين كاملين ليرفع دعوى قضائية تتهمني بعدم تسليمه المفاتيح، وبأن في ذمتي سومة كراء عامين كاملين، ودون أن يدلي بالبينة فقد قضت المحكمة بأن أؤدي المبلغ كاملا (حوالي ثلاثة آلاف دولار). لم أكن أتوفر حتى على عُشُر المبلغ، وباعتبار الظلم، قلت، سأعصى الأمر، وقررت أيضا التوقف عن الكتابة، غير أن مفكرا عربيا اتصل بي من الخارج، وألح عليّ لكي أتسلّم منه المبلغ، وأضعه في المحكمة، وأعود إلى الكتابة”.
ويضيف في ذات التدوينة “عدت إلى الكتابة، وأصدرت كتابي الثاني، “قلق في العقيدة”، عن دار الطليعة، بيروت، لكن الضربة الموالية لم تتأخر، حيث قضت مديرية سطات أن أعود إلى التدريس في الابتدائي بالبادية بدعوى الحاجة إلى سد الخصاص هناك، ورغم تدخلات ومراسلات مفتش مادة الفلسفة ومدير الثانوي، اللذين دافعا عني باستماتة باعتباري -كما تقول إحدى مراسلاتهم التي لا أزال أحتفظ بها- قد جعلتُ التلاميذ يحبون مادة الفلسفة بعد نفور طويل منها، إلا أن المديرية أصرّت على قرارها، لأفاجأ بعدها بمنعي من مغادرة التراب الوطني قصد المشاركة في الندوات الدولية التي كنت أتلقى الدعوة إليها، وذلك بدعوى أن عودتي للتدريس في الابتدائي تحرمني من هذا الحق”!!.
بعد امتصاص الضربة ، يقول الأستاذ سعيد ناشيد “واصلتُ الكتابة بقوة أكبر، فأصدرت كتابي الثالث “الحداثة والقرآن” عن دار التنوير بيروت، لكن الضربة الموالية جاءت هذه المرة من المرض، حيث أصبت بثلاث انزلاقات غضروفية في مستوى العمود الفقري، تُبينها تقارير الفحص الطبي، على أثرها فقدت القدرة على المشي لمدة عام ونصف، عرفت خلالها أيضا ما الذي تعنيه كلمة الألم، قدمت ملفا كاملا مكتملا لأجل الاستفادة من التقاعد لأسباب صحية، يتضمن الانزلاقات الغضروفية، والحساسية، والكلي، وهي كلها مشاكل عانيت منها طويلا، استفاد المئات ولم أستفد أنا، بلا مبرر طبعا ! اضطررت إلى مواصلة العمل في ظروف صحية عصيبة، كافحت ما أمكنني ذلك من أجل التقاعد لأسباب صحية، كافحت من أجل حق مغادرة التراب الوطني للمشاركة في المؤتمرات التي استدعى إليها، كافحت من أجل لحلحة وضعي بأي شكل من الأشكال، لكن بدون جدوى.
بعد احتواء المحنة يضيف ناشيد ” عدتُ إلى الكتابة لأصدر “دليل التدين العاقل” عن دار التنوير بيروت، و”رسائل في التنوير العمومي” عن دار التوحيدي الرباط، ثم ثلاثة كتب في الفلسفة عن دار التنوير بيروت هي على التوالي، “التداوي بالفلسفة”، “الطمأنينة الفلسفية”، و”الوجود والعزاء”، ثم جاءت الضربة الأكثر قساوة، حيث استدعاني المدير الإقليمي إلى مكتبه، فوجدت معه شخصا آخر، سأعرف في ما بعد أنه أحد أبرز مسؤولي حزب العدالة والتنمية في المنطقة، ليخبرني أمام مسامعه بأنه سيحيلني على أنظار المجلس التأديبي، لأن المريض كما قال، لا يحق له أن يكتب أو ينشر أي شيء، بل يجب أن يتناول الدواء وينام كما قال ! مضيفا بأنه هو من سيعين الأعضاء الإداريين للمجلس الذي سيُعقد داخل إدارته، وأن العقوبة آتية بلا ريب”.
لم يبق الأستاذ سعيد ناشيد مكتوف الأيدي تقول التدوينة “راسلت وزير التربية الوطنية مطالبا إياه بالتحقيق في جلسة التهديد التي تمّت، في خرق للقانون، بحضور ممثل عن حزب العدالة والتنمية، والذي يعرف الجميع أني على خلاف فكري معه، مع احترامي للأشخاص…
بعد ثلاث جلسات متتالية قرر المجلس التأديبي عقوبة العزل النهائي عن الوظيفة العمومية، وبعث بالقرار إلى رئيس الحكومة الذي هو أيضا رئيس حزب العدالة والتنمية، والذي وافق فورا على العزل كما ورد في نص القرار”.
إداريا، ومهنيا، ومنذ ما يقارب عشرين عاما، يقول ناشيد ” لا أتوفر على أي تقرير سيئ من طرف أي مدير أو مفتش أو أي رئيس من الرؤساء المباشرين، بل كل التقارير جيدة، لا أتوفر على أي تغيّب غير قانوني على الإطلاق، على الإطلاق، كل الشواهد الطبية التي أنجزتها مصادق عليها من طرف اللجنة الطبية المختصة، لم أقترف أي جنحة أو جريمة، لم أختلس فلسا واحدا، لم أغير من المنهاج التعليمي، لم أتطاول على أحد، لم يسجل علي أي سلوك غير تربوي، بل تلقيت التكريم في مؤسستي نفسها، كما في كثير من المؤسسات التعليمية، وساهمت في إنجاز برامج للتفلسف مع الأطفال لفائدة مؤسستي ومؤسسات أخرى”.
كل الزملاء والمدراء الذين عملت معهم، يشرح الأستاذ سعيد ناشيد، ” يشهدون بكفاءتي وأخلاقي، لذلك فإن قرار طردي من الوظيفة العمومية بصفة نهائية، لا يفسره سوى كون جهات ظلامية نافذة تريد أن تراني أتسول، انتقاما مني لما أكتبه، ورغبة في إذلال المشروع الذي أمثله، كما أن الجهة المقابلة تخلت عن واجبها في حماية القانون”.
ويختم الأستاذ سعيد ناشيد تدوينته بالقول:” لقد أصبتم الهدف سادتي، أنا الآن أتسول بالفعل، وهذا ما أتسوله، أتسول بيانا تضامنيا باسم أي نقابة من النقابات التي اطلعت على خلفيات الملف، وقد أبلغني كثير من أطرها عن صدمتهم واستيائهم.
أتسول مكانا عزيزا يحفظ لي قدرا من كرامتي، ولا تتحكم فيه قوى الظلام بأرزاق الناس”.