وضعية اليهود المغاربة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر -10-

الحماية القنصلية أداة لزرع الفتنة بين المخزن واليهود

 

تندرج هذه المساهمة المتواضعة ضمن خانة التاريخ الراهن للمغرب، وضمنها نحاول أن نجيب عن أسئلة ظلت عالقة في هذا الصنف الجديد من التاريخ سيما وأن المدارس التاريخية؛ وبخاصة المدرسة الفرنسية، خطت خطوات كبيرة في هذا المجال عندما نادى مؤرخوها بإعطاء الأولوية لتاريخ المهمشين ضمن ما أسماه جاك لوغوفJaque Le Goofالتاريخ الجديد ؛ وفي هذا السياق تم اختيارنا لموضوع اليهود والمخزن خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بغية تسليط الضوء عن موضوع العلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الأغلبية المسلمة والأقلية اليهودية..

تبين أن العديد من رجالات المخزن تعاملوا فعلا مع اليهود خارج الشرع الإسلامي وهو ما تؤكده مراسلة فريدة مؤرخة في(22 رجب عام 1297ه/الأربعاء 30 يونيو سنة 1880م) ويهم هذا التقرير أربع قواد هم: حمُّ بن حمادي الجديدي، المهدي الزبيدي، الناجم، العربي بن الشرقي، ممن ثبت فعلا أنهم تعاملوا مع اليهود على نطاق واسع.
فبالنسبة للقائد الأول برر المنسوب إليه بكونه لم تعد تربطه أية علاقة ربوية بالذمي البقال، أما القائد الثاني فقد التزم بأنه لم يعد تربطه علاقة مع الذمي ابن فرايم الذي كان يدين لوالده ب خمسمائة ريال وأنه بعد وصول رسالة السلطان أدَّاها له للقطع معه مستقبلا، أما القائد الثالث فقد بَرَّرَ الأمر بأن الرحامنة كانت تواجه ظروفا خاصة تزامنت مع حركة السلطان الحسن الأول، ونظرا لمقامه فإن أشياخ القبيلة لم يجدوا بُدَّا سوى التعامل مع اليهودي اليَاهُو الذي اقترضهم لتموين الحركة. في حين أن القائد الرابع اعترف بأنه كانت تربطه علاقة ربوية مع الذمي سُوسَانْ وصاحبه اللذين أقرضاه سبعة عشر مائة ريال مقابل ثلاثة مائة ريال وأن ما تم تداوله في التقرير بخصوص علاقته مع الذميين داوود وابن فرايم لا أساس له من الصحة، وأن علاقته مع قَلْقُورْ تم فضها منذ زمن بعيد، ويتضح أن السلطان مولاي الحسن لم يرتح إلى أجوبة القواد، مما حذا به مجددا إلى مطالبة المكلف بإعداد هذا التقرير بتكثيف البحث والتقصي في حالة القواد؛ الشرقي والناجم والزبيدي.
يستنتج من خلال هذه المراسلة أن السلطان المولى الحسن كانت له نية وضع حد للحماية القنصلية باعتبارها أداة لزرع الفتنة بين المخزن و اليهود، ومن جهة أخرى تبين ذات الرسالة حالة الفقر المذقع الذي كان عليه المغاربة، والغنى الفاحش الذي أصبح سمة تميز الحياة الاجتماعية لليهود، ومن تم بداية تشكيل النواة الأولى للبورجوازية اليهودية في الحواضر كمراكش وفاس، ومن جهة أخرى يتضح أن المخزن لم يعد بمقدوره تسديد نفقات رجالاته على حساب المالية العامة التي كانت تصرف، خلال هذه الفترة، في الإصلاحات المخزنية وتسديد نفقات الذعيرة المالية لحرب تطوان.

خاتمة:

ختاما لما سبق يتضح أن موضوع التعايش بين الأديان لقي استحسانا من الأجانب الذين نوهوا بالنموذج المغربي منذ القرن التاسع عشر، وهي الشهادة التي سبق أن أدلى بها القنصل العام البريطاني في المغرب السِّير جون دريموند هاي، في أشغال مؤتمر مدريد، كما أن الوثائق المخزنية ووثائق الأرشيفات الأجنبية وشهادات أحفاد اليهود المغاربة تجمع على أن المغرب كان ولايزال دولة السلم والتعايش والتسامح، وأن ما وقع في الماضي من شَنَآنٍ بينهم وبين جيرانهم المسلمين مجرد لحظة عابرة لا يمكن أن تمحو تاريخا مشتركا عمر لأزيد من أَلْفَيْ سنة. وفيما يخص الحمايات القنصلية التي كانت سببا في خروج اليهود المغاربة عن طاعة المخزن فالشاذ لا يقاس عليه؛ ذلك أن المغاربة المسلمين احتموا كذلك بالأجانب للحفاظ على مصالحهم ولنا في نماذج بعينها مثالا عن ذلك كما هو الحال بالنسبة لشيخ الزاوية المصْلوحية الذي احتمى بالإنجليز، وشيخ الزاوية الوزانية الذي احتمى بالفرنسين، ومحمد بن الحسين أُهاشْمْ التازْرْوالْتي الذي احتمى بالألمان.
إن الضغوط التي مارستها الدول الأجنبية على المغرب زادت من تفاقم الأوضاع وأسهمت بشكل كبير في خروج الرعية عن طاعة السلطان مما حذا بفرنسا إلى حماية المغرب شعبا وسلطانا اضطر معها مولاي عبد الحفيظ (1907/1912) إلى تبرير توقيعه لعقد الحماية بما ضمنه في مخطوطه «داء العطب قديم».


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 24/04/2021