الجزائر بين أوهامها وحقائق المنطقة
مصطفى العراقي
قنصلية جزائرية بالصحراء المغربية
ماذا لو أقدمت الجزائر على اتخاذ خطوة تاريخية من أجلها ومن أجل المنطقة المغاربية؟؟
ماذا لو فتحت الجزائر حقيقة قنصلية لها بمدينة العيون بالصحراء المغربية؟؟ بدل أن تستمر في العيش على وهم فتح سفارة لها بنفس المدينة لدى جمهورية وهمية أسستها في سنة 1976 بأحد فنادقها بالعاصمة الجزائر؟؟
قنصلية الجزائر ستقف على حقائق عديدة تحجبها أو لنقل يخفي قصر المرادية رأسه في رمال الوهم كي لا يقر بها.. أبرزها أن ساكنة جهتي العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب متشبثون بوطنيتهم ووطنهم المغرب، وأن جماعاتهم الترابية يديرها ويسيرها نخب من أبناء هاتين الجهتين ..وأن هناك تحولات بنيوية ملموسة يفرزها مسار التنمية الذي تسارعت وتيرته في العقدين الأخيرين..
ستقف الجزائر على حقائق أن المغرب وهو في صحرائه ضخ استثمارات وشيد طرقات وبنى مؤسسات ومد شبكات الماء والكهرباء وعمل على تهيئة موانئ وشواطئ ووفر متطلبات العيش بعد أن ترك الاستعمار الإسباني المنطقة خاوية على عروشها …ستقف الجزائر، وهي التي حباها لله بالنفط والغاز يدر على خزائنها سنويا عشرات الملايير من الدولارات، ستقف على حقيقة أنها بإمكانياتها الهائلة تركت ثلثي بلادها، أكثر من ثلثي مساحتها من هضبة تادمايت والعرق الشرقي الكبير إلى تخومها مع النيجر ومالي وموريتانيا، تواجه ظروف ضنك عيش قاس بسبب التهميش والإهمال، الذي تغرق فيه منذ مئات السنين.. دون أن نتحدث عن مناطقها الشمالية الممتدة على طول المتوسطي، والتي عليك أن تقف في طوابير من أجل “ شكارة “ حليب أو قنينة زيت أو…
لو فتحت الجزائر قنصليتها بجنوب المغرب ستستعيد الواقعية بدل الوهم والتوهم، الذي أسست عليه سياستها وسجنت فيه مؤسساتها.. إذ ها هي بعد ستة عقود من استقلالها يشهر شعبها حقائق صادمة من أبرزها: المطالبة بالاستقلال ..الاستقلال من دولة عسكرية …هاهو الحراك يلخص مطلبه في « يتنحاو كاع» : رحيل منظومة سياسية ورحيل» نخبة « تحملت مسؤوليات رسمية وحزبية طيلة العقود الستة الماضية…
ولأنه اعتاد أن يبيع الوهم فإن النظام الجزائري حاول أن يلتف على مطالب الحراك الذي دخل جمعته 114 في أكثر من 30 مدينة سعى إلى أن يستدرجه بأن هناك عدوا يتربص على حدود البلاد وعبأ المؤسسة العسكرية لذلك، لكن لم يلتفت لأطروحتها أحد .. ودفع بعناصر البوليساريو كي تعرقل حركة مرور الأشخاص والبضائع بالمعبر الحدودي المغربي الكركرات فحسمت القوات المسلحة الملكية، بحزم ومهنية، هذا الاستفزاز في ليلة واحدة .. وأعلن على لسان نفس العناصر بأنه تحلل من وقف إطلاق النار المبرم في 1991، وانتهج حربا وهمية لا توجد إلا في بيانات البوليساريو ووسائل إعلام الجزائر. لكن العالم، كل العالم، سخر من هذه الادعاءات واعتبرها مجرد محاولة من قصر المرادية لتحويل أنظار الحراك …
وفي تعامله مع الحراك منع وسائل الإعلام العمومية من تغطية فعالياته، فأبدع الحراك وسائل تواصل ناجعة .. ادعى أن جهات خارجية تقف وراء شعارات الحراك وتمول بعض قياداته فانكشفت لعبته ..حاول احتواءه ولم يفلح .. حاول اختراقه ولم ينجح في ذلك .. حاول تغيير مساره فوجده أكثر صمودا وتماسكا.. حاول إغراءه فوجده منيعا .. وها هو يستهدفه بالاعتقالات التي لم تزده إلا إصرارا ..وبقدر ما يعرض النظام الجزائري بضائع الوهم بقدر ما ينطق الشارع كل جمعة وثلاثاء بمطالب تزيد من ورطة هذا النظام ….
لقد آن الآوان أن يتخلى هذا النظام عن أوهامه.. إنه بذر زمنا ثمينا بإمكانيات هائلة كان عليه أن يستثمرها من أجل تنمية بلاده ..ووقف في وجه المشروع المغاربي .. متشبثا بوهم أنه القوة الإقليمية الوحيدة بالمنطقة .. ويحجب عنه هذا الوهم والتوهم الحقيقة الساطعة: أنه يوسع، يوما على صدر يوم، الهوة
الكاتب : مصطفى العراقي - بتاريخ : 24/04/2021