القطيعة مع الريع الانتخابي والقطبية المصطنعة

عبد السلام المساوي  

 

انتقد الكاتب الأول سلوك الجهات التي اختارت أسلوب التباكي والمظلومية بخصوص إصلاح المنظومة الانتخابية تحسبا لأي هزيمة، مع العلم أنها شاركت كأحزاب في المفاوضات الخاصة بالقوانين الانتخابية وحصل التوافق بصددها، أو تلك التي تحدثت كما لو كانت بهذه الإصلاحات تتصدق على الأحزاب الوطنية. واستغرب في السياق نفسه لمن عمد إلى اختزال هذا الإصلاح الكبير في جزئية صغيرة تتعلق بالقاسم الانتخابي وغيره من القوانين الانتخابية.
يقول الأستاذ إدريس لشكر: «من يعتبر قضية القاسم الانتخابي مؤامرة قبلية، تأويل غير سليم وغير صحيح للوقائع؛ بحيث من كان يترأس المشاورات السياسية مع الأحزاب السياسية هو رئيس الحكومة؛ ومن فوض لوزير الداخلية بعقد هذه الاجتماعات التشاورية حول القوانين الانتخابية هو رئيس الحكومة… كما تم الحوار حول ذلك كأحزاب للأغلبية، وكأحزاب ممثلة في البرلمان، ثم حاورت وزارة الداخلية كل حزب على حدة بهذا الخصوص….
إن مقترح القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين جاء من طرف أحزاب الأغلبية… ومذكرة حزب الاتحاد الاشتراكي بخصوص مراجعة قانون المنظومة الانتخابية تضمنت فقط الدعوة إلى اعتماد عدد الأصوات المعبر عنها كقاسم انتخابي..
أن حزب الاتحاد الاشتراكي دافع في البداية على اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المصوتين فقط، إلا أن التوافق الذي حصل بين بعض أحزاب الأغلبية والمعارضة بخصوص احتساب عدد المسجلين جعل الحزب يصوت له على أساس المبدأ القائم على تدبير المنظومة الانتخابية بالتفاوض…
أن الاتحاد الاشتراكي قدم عدة اقتراحات لأهم القوانين الانتخابية؛ تتعلق بإقرار النزاهة، محاربة العزوف، التمثيلية النسائية في البرلمان… أما قضية القاسم الانتخابي فقد توافق عليها جزء من أحزاب الأغلبية والمعارضة وليس هناك تكتل أو تحالف  بهذا الخصوص؛ حزب وحيد يرى ضرورة إبقاء دار لقمان على حالها!!!
أن تمسك حزب العدالة والتنمية بالاحتفاظ بالقاسم الانتخابي على أساس الأصوات الصحيحة لم يراع التوافق الذي يحصل في تدبير اعتماد قانون المنظومة الانتخابية، عكس الاتحاد الاشتراكي الذي قرر الانخراط في هذا التوافق وتخلى عن مقترحه السابق…
إن النظام المعتمد حاليا -يؤكد الأستاذ إدريس لشكر- كقاسم انتخابي؛ أي طريقة اقتسام المقاعد في الانتخابات السابقة، ريع سياسي لصالح بعض الأحزاب السياسية؛ وكان حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة المستفيدين من هذا النظام غير المنصف وغير العادل، الذي تضرر منه حزب الاتحاد الاشتراكي كثيرا.
وما تم اليوم وصادق عليه المجلس الحكومي والمجلس الوزاري، وصادق عليه أيضا البرلمان بخصوص القوانين الانتخابية، وأقرته المحكمة الدستورية باعتبار أنه ليس فيه ما يخالف الدستور، فيه نوع من العدالة والإنصاف في اقتسام المقاعد على أساس المسجلين في الدوائر الانتخابية.
إن الاتحاد الاشتراكي سبق له أن نبه إلى أن القاسم الانتخابي بشكله الحالي يخلق قطبية مصطنعة؛ قطبية لم تكن بفضل أصوات المواطنين، وإنما بسبب طريقة توزيع المقاعد على قاعدة احتساب أكبر البقايا فقط واعتماد عتبة غير مصنفة…
وبخصوص الجهات التي اعتبرت نفسها أحزابا قوية تتصدق بموجب القوانين الجديدة على الأحزاب الوطنية، أوضح الكاتب الأول أن هذه الآلية الجديدة التي تتوخى العدالة والإنصاف تمنحهم الحق في الظفر بالعشرات من الدوائر الانتخابية التي لم يتمكنوا من الفوز بها. أن ما حرك الاتحاد الاشتراكي في هذه الإصلاحات، ليس الحسابات الحزبية الضيقة، وإنما حاجة الوطن إليها، لأن ما يهم حزب القوات الشعبية هو الوطن أولا والوطن ثانيا والوطن أخيرا، وهو المنطق الذي غاب عن أولئك الذين اختزلوا الإصلاحات الجديدة في القاسم الانتخابي.
أن صناديق الاقتراع هي الوحيدة التي تحكم على تواجد أو تقدم هذا الحزب أو ذاك…
يقول الأستاذ إدريس لشكر: إن الاتحاد الاشتراكي امتداد للقوات الشعبية واستمرار لحركة التحرير الشعبية ومتواجد في الفضاءات المجتمعية والنخب الفكرية والسياسية والمهنية، ولا ننتظر من أحد بأن يمن علينا أو يزايد علينا بقضية القاسم الانتخابي التي حسمت فيها المؤسسات الدستورية للبلاد.

تعليق لابد منه على هامش اللقاء

1-أن السياسة إذا غاب عنها الجمهور وتقلصت- المشاركة في الانتخابات إلى لعبة نخب حضرية وقروية، بعيدا عن الكتلة الشعبية الواسعة ( الماينستريم بلغة العلوم السياسية) تصبح ممارسة مقرفة وتتحول الانتخابات إلى محطة تزيد في تنفير الناس من السياسة والسياسيين.
لقد ظهر أن الإقبال التلقائي غير ممكن في انتخابات 2021، وظهر أيضا أن التصويت الإجباري غير مقبول عمليا وغير مضمون النتائج، لذلك يؤدي بنا معامل المسجلين في اللوائح الانتخابية إلى دفع الأحزاب نحو بذل مجهود أكبر في إقناع الناخبين بجدوى التنقل إلى صناديق الاقتراع.
ومن هذه الزاوية يحق لحزب العدالة والتنمية، إن كان يعتبر نفسه مستهدفا، كما يظهر من العمليات الحسابية التي يقوم بها منظروه الانتخابيون، أن ينزل إلى الناس، ويقنعهم بحصيلته الانتخابية، ويدفعهم إلى التصويت عليه من جديد، أما أن تحكم البلد والناس وتختزل مثلا 14 مليون ناخب في مليون ونصف صوت تستخرج منها ما يفوق المائة مقعد، فهذا حساب غير ديمقراطي، وحساب أقلية تريد أن تحكم الأغلبية بمنطق «تفويض شعبي» وهمي.
والحق يقال إن الإرادة الشعبية في انتخاباتنا السابقة كانت توجد خارج صناديق الاقتراع وليس داخلها. الغالبية غير المنتخبة هي الكتلة السياسية الأولى التي تقول إنها غير راضية عن الأحزاب وعن الانتخابات، وعن كل ما يأتي به هذا المسار، فهل يستقيم والحالة هذه أن تتقاسم الأحزاب في ما بينها حلاوة المقاعد في البرلمان والحكومة والجماعات، بينما تترك للدولة مرارة الملايين من أصوات المقاطعين والممتنعين والمصوتين عشوائيا؟ سيكون من العدل والإنصاف أن يتقاسم الجميع، وبشكل تضامني، الأعطاب المرافقة لانتخاباتنا المغربية.
ويتيح لنا احتساب المقاعد بناء على معامل عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية أن ندفع الناخبين المترددين نحو التصويت. أنهم سيشعرون في نهاية المطاف أن صوتهم سواء أدلوا به أم لا يتم احتسابه في النتيجة، وقد يذهب إلى من لا يستحقه، ومن واجبهم التدخل لحماية ملكيتهم الانتخابية، ثم أن إدماج المقاطعين والعازفين في احتساب النتائج الانتخابية هو آلية أخرى لربط المسؤولية بالمحاسبة: أنت ترأس الحكومة وتشارك فيها دون أن أصوت عليك، وكي ترأسها من جديد ينبغي أن تقنعني بأن أصوت عليك فعليا، وقد أختار تصويتا عقابيا بأن أجعلك تتقاسم أصواتك مع منافسيك، كما قد أجعل منافسيك يقتسمون أصواتهم مع منافسيهم وهكذا دواليك.
في منهجية تحليل الانتخابات وفعل التصويت، تقاس فعالية كل عملية انتخابية ومردودية حزبية بثلاثة أمور: تدبير اقتصادي واجتماعي منتج للعدالة الاجتماعية والمجالية، توسيع القاعدة السياسية للنظام، وتوسيع القاعدة الاجتماعية للديموقراطية الناشئة.
وما على جميع الأحزاب إلا أن تقنع الشعب بالذهاب إلى صناديق الاقتراع.
إن التوجه، يؤكد الأستاذ لشكر، نحو اعتماد القاسم الانتخابي على عدد المسجلين، هو تصحيح وضعية الاختلال التي كرسها النظام السابق، الذي لم يعكس تمثيلية الاختيارات الحقيقية للشعب المغربي.
2-إن «القطبية المصطنعة» أساءت إلى الممارسة الحزبية وأساءت إلى التنافس الديموقراطي، لأنها لم  تنبثق موضوعيا من المجتمع ولم تكن استجابة لإشكالات سياسية، اقتصادية، اجتماعية وثقافية… لم تكن مؤسسة على قطبية فكرية وإيديولوجية، ولم تكن مؤسسة على مشروعين مجتمعيين مختلفين ومتناقضين.
فما عشناه، وما لاحظناه في انتخابات 2015 و2016، هو قطبية مصطنعة، قطبية تم خلقها والنفخ فيها في الكواليس بخلفيات ملغومة وأهداف مشبوهة، قطبية تم تسويقها من طرف وسائل الإعلام بشكل فظيع؛ قطبية مصطنعة مشكلة من حزبين: العدالة والتنمية والبام؛ صراع استعمال الدين واستعمال المال في العملية الانتخابية… تم التركيز على هذين الحزبين وتقزيم الأحزاب الوطنية الديموقراطية.
وكانت النتائج، التي نعرفها جميعا، نتائج غير معبرة وغير دالة، نتائج مصطنعة.
وكان المستفيد الأكبر من هذه القطبية المصطنعة هو حزب العدالة والتنمية، إذ وظفها في الحملة الانتخابية بعنوان المظلومية. وكان الخاسر الأكبر هو من بذل جهودا كبرى ونفخ في «الحزب إياه»، وراهن عليه ليحتل الصدارة… وكان الخاسر الكبير هو الدولة، وكان الخاسر الأكبر هو الديموقراطية.
من هنا ونحن في أفق انتخابات 2021، نحذر من تكرار السيناريو، فالقطبية المصطنعة أبانت عن فشلها، وعلينا، وعلى كل من يهمه شأن الديموقراطية ببلادنا، تفادي إعادة إنتاج الفشل وتعطيل الديموقراطية بقطبية مصطنعة بلاعبين قدامى أو جدد…
في هذا السياق، ذكر الأستاذ ادريس لشكر بما قاله الملك الراحل الحسن الثاني في إحدى خطبه «أن الملكية التي تأسست على التعددية هي الضامنة لاستقرار البلاد»، مؤكدا أن البلاد على مدى العقود القادمة، محتاجة للاستمرار في تعددية متوارثة لأنها هي الضامنة للاستقرار وعدم الغلو والغرور والتجبر…

الكاتب : عبد السلام المساوي   - بتاريخ : 27/04/2021