بعد مقتل رئيس تشاد، خسارة كبيرة لسياسة فرنسا بمنطقة الساحل

باريس- يوسف لهلالي

بعد مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي اتنو من طرف المعارضة، انتاب القلق باريس حول سياستها بمنطقة الساحل، التي تعرضت لعدة هزات في الآونة الأخيرة، لأن تغير القيادة في تشاد، ستكون له عواقب في المنطقة، باعتباره البلد المحوري بين الساحل ووسط إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، الذي له حضور في كل أزمات المنطقة، وهو ما سيتطلب تعديلات في السياسة المتبعة في هذه المنطقة التي تعج بالحركات الجهادية والمتمردة وكل أشكال التهريب، بما فيها السلاح القادم من ليبيا. وهي منطقة تتحرك فيها الأزمات مثل حركة كثبان الرمل في الصحراء، التي تكون أحيانا مفاجئة وعنيفة دون سابق إنذار، مثل تلك التي أودت بحياة رئيس تشاد.

فرنسا التي كانت القوة المستعمرة بالمنطقة، مازال لها حضور عسكري قوي بحوالي خمسة آلاف جندي، وتوجد في نجامينا أكبر القواعد العسكرية، التي تدير عملية برخان في منطقة الساحل، والتي أنقذت النظام المالي من الانهيار بفعل حالة اللاستقرار التي يعيشها، لكن فرنسا لم تعد اللاعب الوحيد بالمنطقة، هناك أطراف خارجية أخرى عززت  من تواجدها هناك، خاصة روسيا، سواء في إفريقيا الوسطى أو في ليبيا من خلال مليشياتها الخاصة، بالإضافة إلى تركيا التي أصبحت حاضرة بقوة في ليبيا على الخصوص وتمكنت من إيقاف زحف المرشال حفتر نحو طرابلس، والذي تلقى دعم باريس، قبل أن تتمكن حكومة طرابلس من إيقافه بدعم تركي قوي.

هذا الحضور الأجنبي الكثيف، خاصة بليبيا، يمكن أن يكون له دور في  ظروف مقتل الرئيس التشادي، الذي كان يمثل رأس حربة السياسة الفرنسية بمنطقة الساحل وحليفا قويا، كما كان له تواجد عسكري بعدد من البلدان الإفريقية بالساحل وعلاقات قوية بالملشيات في عدة بلدان مجاورة لتشاد، وهو ما جعل من الرئيس السابق ادريس ديبي لاعبا أساسيا ومؤثرا في كل المنطقة، خاصة أنه تمكن من حكم تشاد منذ ثلاثة عقود ونجا من عدة انقلابات بدعم فرنسي، وبرحيله أصبحت مصالح فرنسا مهددة بالمنطقة، وكذا سياسة مكافحة الإرهاب.

المغرب هو الآخر يهتم بالتطورات في منطقة الساحل، التي تهدد أمنه القومي، سواء في مواجهة الإرهاب أو الهجرة السرية، وكذلك الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي المهدد بحالة عدم الاستقرار بهذه المنطقة المجاورة للمغرب من خلال الحدود الموريتانية، وقد حضر المغرب القمة السابعة لدول الساحل التي انعقدت نجامينا، ومثله فيها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.

منطقة الساحل تشهد تسابقا نحو السلاح وتركز كل أنواع الملشيات،  وهو ما كانت له تداعيات جد سلبية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي بكل بلدان المنطقة، وأدى إلى تضاعف الهجرة وتنقل السكان، فبلد مثل تشاد، الذي يتوفر على ثروة نفطية يعتبر من أفقر بلدان العالم، لأن كل الثروات يمتصها التسلح وتعويضات العاملين في هذا المجال.

تعقد الأوراق التي كان يديرها إدريس دبي بالمنطقة هي التي جعلت القلق يساور الاليزيه والإدارة العامة للاستخبارات الخارجية بفرنسا حول سياستها بالمنطقة وحول قدرة القيادة التشادية الجديدة على  الاستمرار في هذه السياسة، وهل بإمكان الابن محمد ديبي، الذي تلقى دعم المجلس العسكري وأعلن فترة انتقالية تدوم أكثر من سنة ونصف، هل يمكن أن يضبط الإيقاع بعاصمة دول الساحل، في ظل التنديد الذي قامت به المعارضة والذي اعتبرت ما حدث انقلابا مؤسساتيا، وهو ما جعل المعارضة المسلحة تهدد بالزحف نحو العاصمة.

في ظل التهديد الذي تتعرض له نجامينا من المعارضة التشادية القادمة من ليبيا، والتي شاركت في الحرب هناك وحصلت على السلاح والتدريب من المارشال حفتر ومن الملشيات الروسية لفاغنر الخاصة، التي شاركت في الهجوم على طرابلس وتستقر اليوم في جنوب ليبيا، هذا الضغط السياسي والعسكري على القيادة الجديدة بنجامينا سوف يطرح السؤال حول مدى استمرار تماسك الجيش التشادي والولاء للقيادة الجديدة، وهذا الجيش القوي بالمنطقة يعتبر نقطة قوة وضعف النظام بالتشاد، ويلعب دور التوازن ليس في نجامينا لوحدها بل في كل المنطقة، والذي يعتمد عليه الحلفاء في منطقة الساحل ووسط إفريقيا، كما أن هذا الجيش بين قدرة كبيرة على متابعة ومواجهة جماعة “بوكو حرام” الجهادية، والتي تنشط في عدد من البلدان الإفريقية، سواء في تشاد والنيجر والكاميرون ونيجيريا، فهل ستستمر القوات التشادية في هذا النهج أم انها سوف تتراجع إلى الاهتمام بتسوية الوضع الداخلي ببلدها جراء تزايد ضغط المعارضة، سواء السياسية أو المسلحة خاصة القادمة من ليبيا.

اليوم، تقوم موريتانيا والنيجر بوساطة بين القيادة الجديدة وبين المعارضة القادمة من ليبيا، والتي تسمى حركة التناوب  … فهل ستنجح هذه الوساطة وهل ستمكن النظام الجديد من الاستمرار في أداء وظائفه بالمنطقة، هل سيرسل رجاله لمطاردة مقاتلي “بوكو حرام” في شمال نيجيريا أو جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية في منطقة الساحل، التي  تضمن في إطار قوة الأمم المتحدة أمن المخيمات على الحدود بين مالي والجزائر؟ هل ستتمكن القيادة الجديدة بزعامة الابن من إيجاد حل سياسي يضم المعارضة ويشركها في الحكم؟  تساؤلات كثيرة ستظل مطروحة، وهو ما يجعل القلق يساور باريس، التي تعرضت سياستها في منطقة الساحل لصعوبة جديدة في ظل هذا الغياب المفاجئ لأحد القادة الأساسيين بالمنطقة، وهي صعوبة تنضاف إلى الانقلاب العسكري الذي شهدته مالي، وكذا تزايد قوة الحضور الروسي سواء بإفريقيا الوسطي أو بالجنوب الليبي والحضور القوي لتركيا بطرابلس، والتي أصبحت فاعلا أساسيا هي الأخرى بمنطقة البحر المتوسط وتريد لعب دور أكبر في شمال إفريقيا وكذلك الساحل من خلال البوابة الليبية.

فرنسا التي تتلقى دعما استخباراتيا من واشنطن في المنطقة وحضورا  قليلا لجنود بعض البلدان الأوروبية، تجد نفسها الوحيدة التي تقوم بدور الدركي بمنطقة الساحل ووسط إفريقيا، وذلك من أجل مكافحة الإرهاب وملاحقة الحركات الجهادية والنزعات الانفصالية والصراع على الحكم الذي يهدد استقرار المنطقة، مما يزيد من ضغط الهجرة على بلدان شمال إفريقيا وجنوب أوروبا.

عدم الاستقرار بالمنطقة لا يهدد فرنسا وأوروبا بل العديد من بلدان المنطقة، وهو ما جعل السودان تعبر عن “قلقها العميق” بشأن الوضع الجديد في تشاد. الاستقرار النسبي والمسار السياسي الذي تعرفه ليبيا  مهدد هو الآخر بالوضع في تشاد، لأن العديد من الحركات المسلحة التشادية شاركت في الحرب التي شهدتها ليبيا وتحصل على السلاح والتدريب بها، وهي تطورات حصلت منذ انهيار نظام القذافي وعواقبه على المنطقة، والوضع الأمني مترابط  في البلدين، فالتمرد التشادي الذي انطلق من جنوب ليبيا هو الذي أدى إلى مقتل إدريس ديبي.

بالإضافة إلى أن جماعة “بوكو حرام”، ستجد الحرية والفراغ من أجل زيادة نشاطها في النيجر والكامرون وكذلك بالتشاد التي كانت أحد البلدان الأكثر مقاومة لهذه الحركة الجهادية، والأكثر فعالية في سياسة محاربة الإرهاب، بالإضافة إلى التأثير السلبي على إفريقيا الوسطى في حالة انهيار الوضع بنجامينا التي كان جيشها يتدخل بالبلدان المجاورة وعلى دراية كبيرة بأوضاع هذه البلدان، وبرحيل ديبي يمكن لهذا الدور التشادي أن يختفي، وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية على كل المنطقة، هذه الأخيرة التي هي اليوم في حاجة إلى تنمية اجتماعية واقتصادية، لأن أغلبية مواردها يبتلعها شراء السلاح، والتسابق نحوه، والذي أدى إلى عدم الاستقرار الشامل بالمنطقة، والتوتر سوف يستمر بها في غياب أمن اقتصادي واجتماعي يوفر لسكانها عيشا كريما.

هذه المنطقة النائية التي تسمى الساحل الإفريقي، والتي تعطي الانطباع  بأنها بعيدة عن عالمنا، لها تأثير على الأوضاع بالبحر الأبيض المتوسط بضفتيه وأوروبا، فهي مثل الرياح القادمة من الصحراء الكبرى، والتي تصل أحيانا لكل المنطقة المتوسطية بل إن هذا الغبار الأحمر يصل حتى شمال أوروبا، وقلق باريس حول الوضع بالمنطقة له ما يبرره.

 

 

الكاتب : باريس- يوسف لهلالي - بتاريخ : 29/04/2021