خاص الباحث فراس السواح في مواضيع تتعلق بالأديان والفلسفات والأساطير فى الشرق، وفي عقد المقارنات بين الأديان، ومن ذلك ما فعله فى كتابه «القصص القرآنى ومتوازياته التوراتية»، إذ طرح مسألة التشابه بين القصص القرآنى والقصص التوراتى من زاوية الباحث الذي يعتمد منهج علم الأديان المقارن. فسرد أمامنا قصص العديد من الأنبياء كلوط وابراهيم وإسماعيل ويوسف وموسى وداوود وسليمان ويونس وغيرهم..
نتابع في القرآن الكريم:
«وقالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين؟ قال: بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن، وأنا على ذلكم من الشاهدين. وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين. فجعلهم جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم إليه يرجعون. قالوا: من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. قالوا: سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم. قالوا: فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون. قالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال: بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوهم إن كانوا ينطقون… قالوا: حرّقوه وانصروا آلهتنا إن كنتم فاعلين. قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم. وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين، ونجيناه لوطاً إلى الأرض التي باركنا فيه للعالمين». (21 الأنبياء: 55-71).
وفي الآية الأخيرة إشارة إلى مغادرة إبراهيم لموطنه في أور الكلوان والتوجه إلى الأرض المباركة في كنعان.
وقد وردت هذه القصة في كتاب اليوبيليات ، ولكن بتنويع آخر؛ فإبراهيم لا يحطم الأصنام في المعبد وإنما يشعل النار فيه ويقضي على الأصنام :
«وكان بعد مدة أن أبرام تسلل في الليل إلى بيت الأصنام وأشعل فيه النار وأحرق كل ما في البيت. فهب القوم لإنقاذ آلهتهم من النار، وكان هاران بينهم فاحترق ومات ودفن في أور. فقام تارح ومعه أبرام ولوط ابن هاران المتوفى، وارتحل من أور الكلدان قاصداً بلاد كنعان، ولكنه توفي في حاران حيث أقام لفترة». (كتاب اليوبيليات).
وقبل ذلك عرضت لإبراهيم الشاب تجربة روحية عميقة وهو يبحث عن لله في الآفاق. نقرأ في القرآن الكريم :
«وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر: أتتخذ من الأصنام آلهة؟ إني أراك وقومك في ضلال مبين. وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض، وليكون من الموقنين. فلما جن عليه الليل رأى كوكباً، قال: هذا ربي، فلما أفل قال: لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغاً قال: هذا ربي، فلما أفل قال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال: هذا ربي، هذا أكبر، فلما أفلت قال: يا قوم إني بريء مما تشركون، إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. وحاجّه قومه، قال: أتحاجوني في الله وقد هدانِ، ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئاً، وسع ربي كل شيء علماً» (6 الأنعام: 74-80 ).
«وإن من شيعته لإبراهيم، إذ جاء الله بقلب سليم. إذ قال لأبيه وقومه: ماذا تعبدون، أإفكاً آلهة دون الله تريدون؟ فما ظنكم برب العالمين؟ فنظر نظرة في النجوم فقال: إني سقيم. فتولوا عنه مدبرين. فراغ إلى آلهتهم فقال : ألا تأكلون؟ ما لكم لا تنطقون؟ فراغ عليهم ضرباً باليمين». (37 الصافات : 83-93) .
في كتاب اليوبيليات تحدث هذه التجربة لإبراهيم وهو في حران، عندما كان يراقب النجوم أيضاً :
«وذات مساء جلس أبرام في حران يراقب النجوم من الغسق إلى الفجر، ليستخيرها فيما سوف تأتي به السنة الجديدة من خير ومطر، ولكن قلبه نبض بكلمات، وحدث نفسه قائلاً: إن كل شارات السماء وشارات النجوم والشمس والقمر هي في يد الرب. فما الذي أنا باحث عنه فيها؟ إن شاء الرب جعل الشمس تمطر من الصباح إلى المساء، وإن شاء أغلقها، لأن كل شيء ملك يديه. ثم قام فصلى قائلاً، أيها الإله العلي، أنت وحدك إلهي. لقد خلقت كل شيء وكل ما في الوجود صنعة يدك. لقد اخترتك واخترت ملكوتك، فأنقذني من الأرواح الشريرة التي تسيطر على قلوب البشر، ولا تجعلهم يضلوني عنك. ثم حدّث نفسه متسائلاً: هل أعود إلى أور الكلدان حيث يطلبون نفسي هناك أم أمكث في هذا المكان؟ وما أن أنهى صلاته حتى جاءته كلمة الرب: أُخرج من أهلك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك، إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة. «
الضيوف السماويون:
في الأرض الجديدة التي نجاه الرب إليها عاش إبراهيم ولوط عيشة رغداً. ولكن زوجة إبراهيم كانت عاقراً. وكان راغباً في ولد يرثه بعد أن شاخ وتقدم به السن. ثم جاءته بشرى الحمل الإعجازي بواسطة ملائكة لم يذكر النص القرآني عددهم، ولكنهم في النص التوراتي ثلاثة. وقد كان هؤلاء الملائكة في طريقهم لإهلاك القوم الذين عاش لوط بينهم، وهم أهالي مدينتي سدوم وعمورة، وذلك بسبب كثرة شرورهم. عندما وصل الملائكة ظنهم إبراهيم من البشر ودعاهم إلى ضيافته، وجاء بعجل فذبحه وأعطاه إلى أهله ليجهزوه طعاماً. وعندما وضع المائدة أمامهم وجد أن أيديهم لا تصل إلى الطعام، فأوجس منهم خيفة. نقرأ في سورة هود :
«ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى. قالوا: سلاماً، قال: سلام. فما لبث أن جاء بعجل حنيذ (4). فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نَكِرَهم وأوجس منهم خيفة. قالوا: لا تخف إنّا أُرسلنا إلى قوم لوط. وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت: يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً؟ إن هذا لشيء عجيب. قالوا: أتعجبين من أمر الله؟ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، إنه حميد مجيد. فلما ذهب الروع عن إبراهيم وجاءته البشرى، يجادلنا في قوم لوط، إن إبراهيم لحليم أواه منيب. يا إبراهيم أعرض عن هذا، إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود» (11هود: 69-76).
أي عندما رأى إبراهيم ضيوفه يأكلون دون أن يأكلوا داخله الخوف، ولكنهم كشفوا له عن هويتهم وعن مهمتهم المزدوجة؛ فهم ينقلون له بشرى الرب بحمل زوجته في شيخوختهما، ثم إنهم منقلبون إلى قوم لوط لإهلاكهم لأن شرهم قد كثر. فلما سمعت سارة زوجته بالبشرى ضحكت لأنها تجاوزت سن الحمل والولادة، فقالوا لها ألاّ تعجب من أمر الله لأنه ليس شيء غير ممكن لديه. وبعدما هدأت خواطر إبراهيم راح يجادلهم في أمر قوم لوط، ويحاول ثنيهم عما جاؤوا من أجله، فقالوا له ألا يتشفع لهم لأن أمر لله قد تم بشأنهم.