داريوش شايغان فيلسوف ومفكّر إيراني معاصر من مواليد 1935، تلميذ المستشرق هنري كوربان، دكتوراه دولة في الهندوسية والصوفية، أستاذ جامعي للفلسفة المقارنة، مدير المركز الإيراني للدراسات الحضارية، مدير معهد الدراسات الإسماعلية في باريس، كتب في الفكر والفلسفة وتخلف الحضارات والثقافات مركزا على ما اعتبره الوعي البائس لملايين أبناء الشرق الذين لم يزل سؤال صدمة الحداثة يؤرقهم.
صدرت له مجموعة أعمال باللغتين الفارسية والفرنسية من بينها “ما الثورة الدينية”، “النظرة المبتورة”، «أوهام الهوية»، النور يأتي من الغرب”… هنا ترجمة لمقابلة أجراها الصحافيان ألان فالاد وباتريس فان ونشرتها فصلية “نوفيل كليه” الفرنسية.
n مع طرق استعمال رهيبة أحيانا ! فما يجري اليوم في العالم، في الولايات المتحدة، في الشرق الأوسط، أينما كان، يشبه تفجّر القديم بطريقة مقلقة جدا، لا؟ ألا يكون في ذلك إشارة لعودة ما يسميه رينيه جيرار “عنف المقدس” الذي يخرج إلى النور مجددا لأنه كبت بشدة؟
pp هذا ما يشرحه فاتيمو Vattimoالذي أستشهد به غالبا. ففي حين ارتقت كل الثقافات الكبرى القديمة بعنف المقدس هذا إلى مستوى سام، سعت المسيحية إلى تدمير البنى القوية لارتقائه إلى الأسمى. ونحن نرى اليوم انبثاق المقدس بطريقة لاعقلانية بشكل كامل، مع عنف هائل. عندما أقول “النور يأتي من الغرب”، فإنما لكي أذكر بأن المغامرة العالمية بدأت في الغرب وأنه إذا ما كان يوجد حلّ، فهو لن يأتي إلا من هناك. كما يقول بارسيفال Parsifal: “لا يشفي الجرحَ إلا السلاح الذي صنعه”.
n الغرب هو أيضا من ابتدع هذا المفهوم الغريب الذي يدعى الفرد الحر، الكائن الديموقراطي، الذي فجّر كل الأنسجة التقليدية، في فوضى سديمية. يحتاج الأمر إلى ألف عام لكي يعيش هذا المفهوم في كل الأمكنة، لا؟
pp لا، الأمور تسير بسرعة أكبر. الديموقراطية لم تعد مسألة ترف، بل أصبحت ضرورة حيوية من أجل القيام بإصلاحات، للانطلاق، ولكي يتمكن الناس من المشاركة ـ فمن دون المشاركة، نصبح كلنا رعايا الإعانة الاجتماعية. في الحقيقة، أنا لا أؤمن بوجود “حقوق الإنسان الهندوسي”، أو الصيني أو المسيحي أو الإسلامي، لا توجد إلا حقوق الإنسان. وحتى لو كان يجري الحديث عن حقوق الإنسان غالبا من خلال خطاب غنائي النبرة، فأنا أعتقد أن هناك قيما كونية تفرض نفسها. أنا لست من مناصري النسبية. فحقوق الإنسان هي مفاهيم دقيقة ومحددة، أنا أؤمن بها بكل قوة وهي أفكار معدية. البرهان: حتى البلدان التي تعترض عليها مجبرة على استخدام اللغة نفسها. اليوم، يتعلق الأمر “بحقوق الإنسان الإسلامي” أو “الجمهورية الإسلامية” ـ تنازلات اللغة هذه مثقلة بالدلالات.
n من ضمن دمامل الكرة الأرضية التي ينبغي نكؤها بشكل عاجل، لنأخذ القضية الإسرائيلية ـ الفلسطينية (التي غذت بشدة الاستياء من الغرب):
إن عدم الاعتراف بالمطالب الفلسطينية هو إهانة للمثال الديموقراطي الأكثر أساسية. يجب أن نفهم أن الدمقرطة ليست فقط مشكلة غربية، وإنما مشكلة كونية!
n كيف تجري المصالحة بين تعميم هذا النموذج الغربي واحترام الثقافات، في معتقداتها الأساسية حتى؟
pp إن ثقافة البشرية مبنية على شكل طبقات مختلفة، بالية، متنافرة، تترك أثرها في أعماقنا وتتداخل فيما بينها. هكذا، أثرت الديانة القديمة في إيران، بواسطة نزعتها المسيحية، بشكل كبير على اليهودية المتأخرة للشتات الأول، الذي حرره قورش، وبالتالي على المسيحية والإسلام. وقد استفاد الإسلام بشكل كبير من تأثير الأريانية التي هيّأت بشكل ما للفتح الإسلامي (وإلا لكان الفتح غير مفهوم). في ما يخص الحداثة، من المفيد ملاحظة أنها بدأت تنمو في العصور الوسطى، في فرنسا، في القرن الثالث عشر، عندما قام أتباع ابن رشد اللاتينيون بقراءة سيئة الفهم لابن رشد… وقد استمدوا منه نظرية “الحقيقة المزدوجة” التي تقول بما يصح دينيا دون أن يصحّ بالضرورة فلسفيا، والعكس صحيح. وقد أفضى ذلك إلى حقلي معرفة (يفصل بينهما حقل أجوف) حاولوا دون جدوى المصالحة بينهما. لقد لعب أتباع ابن رشد هؤلاء دورا أساسيا بما أنهم خلقوا، من خلال هذا الشرخ بين الدين والفلسفة، علما جديدا سيتحول منذ ديكارت إلى هيئة مستقلة. نحن ورثتهم. اليوم أيضا، من المهم جدا إبقاء الدين والفلسفة منفصلين ! – حتى ولو كنا مدركين بأنهما يجتمعان في مستوى آخر، ولكن ليس بواسطة أدواتنا العقلانية. لذا ينبغي للسلطة أن تبقى علمانية. ولذا من الضروري أيضا إخلاء الفضاء العام من الأساطير والمعتقدات: من أجل إعطاء العقل مجددا ما يستحقه. بالطبع، حين نذهب إلى “ما بعد المرآة”، نتنبه إلى أن كل المتصوفة تقريبا قالوا الشيء نفسه. كما لو أننا كنا نمرّ هنا من النافذة إلى المجهول
n المتصوفة ليسوا إلى جانب السلطة غالبا…
تاريخ الإسلام حافل بحرب مستديمة مستترة بين المتصوفة والفقهاء، أهل الرقابة ومحاكم التفتيش، أي بين الظاهرية والباطنية. إحدى الحجج البسيطة لدى المتصوفة هي أن القرآن الظاهري كفيل باحتواء سبعة ألاف تأويل، وهو ما أثار حروبا مميتة، في حين أن الباطنية تلهم إسلاما متساميا، ضد العنف بشكل أساسي.
pp لقد استندت إلى أربعة من المتصوفة ينتمون إلى حقب ثقافية مختلفة كلية: ألماني من القرن الثالث عشر هو إيكهارت، هندي من القرن التاسع هو شانكارا، مسلم أندلسي ـ عربي من القرن الثاني/الثالث عشر هو ابن عربي، وصيني من القرن الرابع قبل المسيح هو تشوانغ تسو. لكن، في ما عدا محيطهم، يرى هؤلاء العالم بالطريقة نفسها ! البشرية هي واحدة. نحن نحيا في عالم من الخليط والتوفيق والارتجال، عالم مرتبك أو ملتبس جدا ومهم جدا في آن واحد، حبكته العميقة من نوع فريد