أنبياء بين التوراة والقرآن 11 : يوسف الصديق

لقد كان إسماعيل الابن البكر لإبراهيم ، ولكن المحرّر التوراتيّ يستبعده من سلسلة النسب العبرانيّ، ويجعله أباً للعرب الإسماعيليين الذين عاشوا في المناطق الشمالية من شبه الجزيرة العربية. ثم يتابع المحرّر النسب العبرانيّ من خلال الابن الثاني إسحاق من زوجته سارة، ويجعله يرث حقّ البكورية بما يحمله ذلك من وراثة عهد الربّ وميثاقه مع إبراهيم. ثم يولد لإسحاق ولدان هما عيسو البكر ويعقوب الأصغر منه. ولكن المحرّر التوراتيّ أيضاً ينقل مرّة ثانية حقّ البكورية من الابن الأكبر إلى أخيه الأصغر، وذلك جرّاء خدعة دبّرتها زوجة إسحاق المدعوة رفقة وهو على فراش الموت، عندما جعلته يبارك يعقوب عوضاً عن عيسو وينقل له حقّ البكورية. وبذلك يستبعد المحرّر التوراتيّ عيسو من سلسلة النسب العبرانيّ، ويجعله أباً للآدوميين الذين سكنوا المناطق الصحراوية الواقعة بين البحر الميت شمالاً وخليج العقبة جنوباً .
بعد ذلك تستمرّ سلسلة النسب العبرانيّ عبر أولاد يعقوب الإثني عشر (أو إسرائيل كما دعاه الربّ بعد ذلك). وهؤلاء هم الأسباط الذين تسلسلت منهم فيما بعد القبائل العبرانية الاثنا عشر. وقد رحل أولاد يعقوب إلى مصر حيث التحقوا بأخيهم يوسف الذي كان قد سبقهم إلى هناك في القصّة المعروفة. وصار وزيراً للفرعون. وقد أقام أولاد يعقوب مع أُسرهم في مصر وتكاثروا، وعندما مات يوسف وصعد عرش مصر فرعون جديد لم يكن يعرف يوسف، استعبد المصريون بني إسرائيل وفرضوا عليهم أعمال السخرة في المشاريع العامة. وكانت مدة إقامة بني إسرائيل في مصر 430 سنة، وعندما خرجوا من مصر بقيادة موسى كان تعدادهم نحو ستمئة ألف.
إنّ سلسلة القصص الواردة في سفر التكوين والمتعلقة بالولد الثاني لإبراهيم المدعوّ إسحاق، وحفيده الذي وُلد لإسحاق المدعوّ يعقوب أو إسرائيل، هي سلسلة طويلة ومليئة بالتفاصيل. وقد أغفل القرآن الكريم ذكر أيّ من هذه القصص، وهما لا يظهران إلا كشخصيتين بارزتين في سلسلة الأنبياء التي تعاقبت من صلب إبراهيم. أما أولاد يعقوب الإثنا عشر فلا يشار إليهم إلا جمعاً تحت اسم الأسباط، ومن دون ذكر اسم أحدهم .
القصّة الوحيدة التي لقيت عناية القرآن الكريم من بين قصص الآباء بعد إبراهيم، هي قصة يوسف، الابن الحادي عشر ليعقوب، وما جرى له مع إخوته في كنعان، ثم ما جرى له في مصر. والقصة القرآنية تسير في تواز مع القصة التوراتية وتماثلها في أدقّ الجزئيات.
ونظراً لطول القصة التوراتية وإسهابها في التفاصيل، فإني سوف ألجأ في المقارنة التالية إلى تقديم ملخصات لمراحلها الرئيسية، ثم مقارنتها بما ورد في القرآن الكريم في سورة يوسف.

1 – محبّة يعقوب
ليوسف، والحلم :

سفر التكوين: كان يوسف ابن سبع عشرة سنة، وكان يرعى الغنم مع إخوته . وقد أحبّه أبوه أكثر من جميع بنيه لأنّه ابن شيخوخته. فأبغضه إخوته ولم يستطيعوا أن يكلموه بسلام. وحلم يوسف حلماً أخبر به أباه وإخوته، فقال: إني حلمت حلماً، وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ساجدة لي. فازداد إخوته له بغضاً، أما أبوه فقد انتهره وقال: هل نأتي أنا وأمك وإخوتك لنسجد لك؟ (التكوين : 37: 1-11).
سورة يوسف: «إذ قال يوسف لأبيه: يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. قال: يا بنيّ لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً، إن الشيطان للإنسان عدو مبين… لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين. إذ قالوا لَيوسفُ وأخوه أحبّ إلى أبينا منا ونحن عصبة، إن أبانا لفي ضلال مبين «. ( 12 يوسف: 3-8).
2 – مؤامرة الإخوة:

سفر التكوين: ومضى إخوته ليرعوا غنم أبيهم عند شكيم. فقال إسرائيل ليوسف: أليس إخوتك يرعون عند شكيم؟ تعال فأرسلك إليهم. فقال هأنذا… فلما أبصروه من بعيد قال بعضهم لبعض: هو ذا صاحب الأحلام قادم. فالآن هلموا لنقتله ونطرحه في إحدى الآبار ونقول وحش رديء أكله. فسمع أخوهم راوبين مقالتهم وأراد إنقاذه من بين أيديهم فقال لهم: لا تسفكوا دماً، اطرحوه في هذه البئر التي في البرية ولا تمدوا إليه يداً. فكان لما جاء يوسف أنهم خلعوا عنه قميصه وطرحوه في البئر، وكانت جافّة ليس فيها ماء. ثم أخذوا القميص وذبحوا تيساً من المعزى وغمسوا القميص بالدم، وعادوا إلى أبيهم به وقالوا: حقِق، أقميص ابنك هذا أم لا؟ فتحققه وقال: قميص ابني. وحش رديء أكل يوسف. ثم مزق ثيابه ولبس ثياب الحداد، وناح على ابنه أياماً كثيرة. أما يوسف فقد التقطته من البئر قافلة تجار وباعوه في مصر. (التكوين 37: 12-36).
سورة يوسف: «اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يَخْلُ لكم وجه أبيكم، وتكونوا من بعده قوماً صالحين. قال قائل منهم: لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين. قالوا: يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون، أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وإنا له لحافظون. قال: إني ليحزنني أن تذهبوا به، وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون. قالوا: لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون. فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غبابة الجب، وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (1). وجاءوا أباهم عشاءً يبكون. قالوا: يا أبانا ذهبنا نستبِقُ وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب، وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين. وجاؤٌوا على قميصه بدم كذِبٍ، قال: بل سولت لكم أنفسكم أمراً، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون (2). وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه، قال: يا بشرى هذا غلام. وأسَروه بضاعة (3)، والله عليم بما يعملون، وشروه بثمن بخس دراهم معدودات وكانوا فيه من الزاهدين». (12 يوسف : 11-20 ) .
3 – فوطيفار يشتري يوسف:

سفر التكوين: فأُنزل إلى مصر واشتراه فوطيفار (4) رئيس شرطة الفرعون. وكان الرب مع يوسف فكان رجلاً ناجحاً، ووجد نعمة في عيني سيده الذي أوكله بجميع شؤون بيته، ولم يكن فوطيفار يعرف من هذه الشؤون بوجود يوسف، سوى الخبز الذي يأكله. فبارك الرب بيت فوطيفار وحقله. وكان يوسف حسن الصورة وحسن المنظر (التكوين: 1-6).
سورة يوسف: «وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً. وكذلك مكنّا ليوسف في الأرض، ولنعلّمه من تأويل الأحاديث، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولما بلغ أشُدّه آتيناه حُكماً وعلماً، وكذلك نجزي المحسنين». (12 يوسف: 21-22 ).


الكاتب : فراس السواح

  

بتاريخ : 10/05/2021