تجليات الثالوث المحرم في رواية «دمية أفروديت» لشريف عابدين


رواية” دمية أفروديت”، لكاتبها المصري شريف عابدين، اتخذت الأسطورة كمرتكز  لها، وشكل (الجنس، والنساء، والسلطة) ثالوثا رئيسيا لصراع مرير  تمت من خلاله استباحة الجسد الأنثوي، وأزهقت بسببه العديد من  الأرواح، يقول ريتشارد عن الأساطير “إن الأساطير العظيمة ليست أوهاما، بل هي منطوق النفس الإنسانية كلها، وهي من تم لا يحيط بها التأمل، ولا نأتي على كل ما فيها. وهي متعة، أو ملاذا للهرب، حتى يتطلبها للراحة، والفرار من حقائق الحياة القاسية، لكنها هي تلك الحقائق نفسها معروضة ممثلة. هي الإدراك الرمزي لتلك الحقائق ومحاولة لخلق الإنسجام فيما بينها وتقبلها بالرضا” ..

الكشف عن دلالة العتبة

لقد هيمنت العتبة بتداعياتها على مجموع فصول الرواية وجاء انتقاؤها بشكل مضبوط، وتم تمرير معطياتها  بشكل ضمني، عبر الأحداث و كذلك بشكل صريح وظف ضمن سياقات كشفت عن نوع من المباشرة، كما جاء في الحوار الذي دار بين أفروديت وزيوس واستغربت من كون زوجها أشعل حربا فقط من أجل إلهائها عن مطاردته، ودمر  وطنا كاملا بسببها.  كما  ستقف أفروديت على غرابة مفارقة  قاسية من خلال تساؤلها ” تراها نبوءة بروميوس أم مخطط زيوس التي اقتادتني لتحويل هيلين إلى دمية”  ص 66  ” أنا في قمة الاشتهاء، وأنت ربة الإغراء، من يشبع رغبتي سواك ” ص 65، وأخبرت  أفروديت  زيوس أن هيرا هي من تكدر صفوه، وما لهيها عن مطادرته لها، إلا إلهاء لها عن الوجود المتغطرس حوله.
كشف زيوس لأفروديت عن رغبة من رغباته الدفينة” كم سيكون مسليا أن تكوني لعبتي، سوف ينتابني الضحك دائما عندما يتردد صوتك في الأفق الممتد ثم حولتها إلى صدى” ص 70،
يشير الدكتور شعيب حليفي الى أن” العنوان الروائي، ينزع إلى توجيه بلاغي يكسر هيمنة العنوان الكلاسيكي الحرفي الاشتمالي، ويؤسس لمعان  متقاطعة بين ما هو ظاهري وباطني، يغذي القراءة والتأويل، باعتباره علامة ثقافية ومعرفية ودليلا يحقق للنص جنسه ضمن المؤسسة الأدبية”   ويؤكد الناقد عبد المالك أشهبون ” ” من هنا وجب النظر إلى هذه العناوين في علاقتها بباقي النصوص المحاذية الأخرى من منظور الصنعة الروائية التي يندمج فيها الجزء في الكل( النص)، وفق منظور دينامي شامل. لا وفق منظور تجزيئي يعزل جملة العنوان عن نسيجها النصي العام، فلا وجود لعتبة مستقلة بذاتها، تشكل جزيرة معزولة عن الكل النصي”
ولعل تردد صدى العنوان ضمن هذه السياقات هو ما شكل قيمة مضافة للعمل الروائي في المجمل.
“فالعنوان يتضمن العمل الأدبي بأكمله مثلما يستتبع هذا الأخير ويتضمن العنوان أيضا، والعنوان يتركب من عدة عناصر حين يتقدم كجملة مكثفة تساهم كل مركبات الخطاب في صنعها، وباعتبار العنوان علامة فإنه يحيل على مجموعة من العلامات المشكلة للعلاقة ( القصة) كمعنى، تحدد له جملة من الوظائف التي تعين العمل الأدبي أو مضمونه، وتمنحه قيمته منجزا بذلك ثلاثة وظائف: تسميته/ تعيينه / إشهاريته”
في البداية حدد الروائي شريف عابدين شبكة العلاقات وتناسلها بدءا من الأب أورانوس( في السماء)، والأم بجايا( في الأرض) والذي منه تفرعت باقي شخصيات الرواية وهو ما شكل مرتكزا  لحبكتها المليئة بالحكايات الجانبية، والتي تقاطعت في مجملها مع سارية الحكي الرئيسية. فتعرفنا بالتوالي على العوالم  العلوية ( الآلهة، وأبناء الآلهة،) وكذلك على العوالم السفلية( السايكلوس، والتياتين، والعمالقة بمائة ذراع)..
ومن أبرز شخصيات الرواية نجد الإله زيوس، (وأشقاءه)، وهو الذي سيقود أكبر المعارك ضد والده الكرونوس، والتياتين، بعدما تحالف من خلال نصيحة والدته جايا بأن يكسب إلى جانبه أعداء كرونوس ( السايكلوبس، والعمالقة) نظرا لما يتوفرون عليه من أسلحة فتاكة، وسيتمكن في النهاية من تحقيق الانتصار ( بتر العضو التناسلي لوالده أورانوس)  انتصار، تحققت من خلاله نبوءة مفاذها ” سوف يأتي على كرونوس واحد من أبنائه ينتزع منه العرش” . غير أن زيوس سينحو منحى والده بسبب نزواته النسائية وسيقوم (مع داناي بالمضاجعة الأكثر تكلفة على الإطلاق مدى التاريخ، كما سيفرط في شربه للخمر.
ولعله قد يتبادر إلى الذهن سؤال الجدوى من الارتكاز على توظيف الأسطورة كقالب  أساسي في معمار هذا العمل الروائي، وللإجابة على ذلك يمكننا الاستئناس برأي بالدوين”  لماذا ندرس الأساطير اليونانية؟ ” لأن لها تأثيرا عظيما وخاصة في الآداب الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية، وغيرها، لقد أعجب الأدباء العالميون بالقصص التي حكاها قدماء الإغريق، ونظموها شعرا. وقلما تستطيع أن تفهم شكسبير، وملتون، وكيتس، وجميس جويس، وييتس، وغوته، وشلر، وراسين، ورينان، وغيرهم دون أن تلم بالأساطير اليونانية” .
التخصيب الهادئ للأسطورة بين المعرفة والخيال

لقد فتح الروائي شريف عابدين كوة داخل الماضي لربطه بالحاضر وقضاياه المعاصرة بشخصيات أسطورية تكاد تتماهى بسلوكها مع شخصيات متحركة في حاضر معاش بكل تفاصيله الحقيقية. وهذا الاستحضار  سيجعل من التكسير الواعي  لخطية السرد  وإطاره التاريخي، ممزوجا بنفحات ساخرة أحيانا، ودالة أحيانا أخرى. يقول الراوي:” المذيع يعلن في النشرة عن تبعات الأزمة الاقتصادية وخطر الخروج من منطقة اليورو” ، ولعل هذا التضمين جاء كتعقيب على تلميح “هيرا” لزوجها زيوس بإسرافه الكبير. “عموما لا شأن لي بنفقاتك الباهظة، في خزانة الأوليمب وصندوق النقد الكوني، التي تنوء بطلباتك، وتنزف بإسرافك، وتتحمل تكلفة حماقتك”..
وكذلك كما نجده في القرائن التالية: “طلب منها التحدث إلى ربة القمر، لعلها تقوم بصيانة القمر الصناعي”، ” ينفذ الرصيد في بطاقة الشحن، ينقطع الغاز، يزداد البرد، يرتجفان، يلتصقان، يتوقف الجدال” ،” بدت صور زيوس عاريا مع الصاعقة الرعدية التي كانت تمثل رمزا للقوة في وقت الصراعات والروب، أو الصولجان رمزا السلطة والسيادة، الآن يقبض دوما على الريموت كونترول، خوفا من أن تخفيه هيرا، وحينها يجن جنونه”، ” زيوس رجل مهاب .. يمضي معظم الوقت في مشاهدة البرامج، لا مفضلات لديه، فهو يمل بسرعة..
ـــــــــــــــــــــــــــــ

ناقد وقاص مغربي، من أعماله “جمالية القصة العربية القصيرة جدا”، “دموع فراشة”، “ذكريات عصفورة”، “مذكرات أعمى”، “أسرار شهريار” (عمل مشترك)، “حياة واحدة لا تكفي”..


الكاتب : حميد ركاطة

  

بتاريخ : 10/05/2021