أنوثة القمح

( فلسطين)

في الطفولةِ.. أقصدُ حينَ تعرَّى الترابُ من الغيمِ..
أقصدُ حينَ تزوَّجَ أيلولُ قبَّرةً في حقولِ الحصادِ
وحينَ أحسَّ الغريبُ بوخزِ جمالِ صباحِ البلادِ
وحينَ العناقيدُ كانتْ تضيءُ طريقَ الحريرِ
وحينَ الحكايا تهاجرُ مثلَ طيورٍ خريفيَّةٍ في سماءِ السريرِ
وكانَ لعطرِ الأماكنِ روحٌ نحسُّ بها حينَ تجذبنا
كالرياحِ من الخلفِ، أو تختفي طيَّ قمصاننا
حينَ كانَ لرائحةِ البُنِّ معنىً كثيفُ الغموضِ
وكانَ لهفهفةِ امرأةٍ ألفُ معنىً
أحاولُ كتمانَ أسرارهِ فيفيضُ كما النهرِ
فوقَ بياضِ القصيدةِ..
أذكرُ كيفَ سقطتُ على بيدرٍ القمحِ
في نصفِ إغماءةٍ
ورأيتُ ظلالَ الزمانِ مسمَّرةً في الظهيرةِ
ترقبُ خطوَ الحياةِ ونبضَ القصائدِ في جسدي
بينما من شغافِ الأنوثةِ أو زهرِ عودِ الذرةْ
تهبُّ وجوهٌ بلا عددٍ وخيالاتُ ما في الطبيعةِ من نسوةٍ..
لستُ أذكرُ كيفَ تحوَّلَ قلبيَ في لحظةٍ قبَّرة

***
دلَّتْ على أثري غيومٌ فوقَ أزرارِ القميصِ
وعانقتني كالسرابِ يدانِ من وجعِ الأهلَّةِ في الطريقِ إلى بخارى
لو كنتُ غيري ما فتحتُ نوافذي للريحِ
لم أصعدْ لأقطفَ من حقولِ الأخرياتِ زنابقَ الجسدِ المصابِ
بلفحِ شمسِ الماءِ في بئرِ العذارى

***
بفمي أمسِّدَ شَعرَ أغنيةٍ
وأسندُ فكرةً شعريَّةً أولى على حجرِ الأنينْ
وعلى عناقِ اثنينِ ينحلَّانِ في بعضٍ
وأسمعُ فيهما خبطَ الفراشةِ
لوعةَ الأجراسِ في أقصى الدماءِ
وما تبوحُ بهِ الصبايا للبحيرةِ
ما يقولُ النخلُ ليلاً للسنينْ
لا بدَّ لي من شاعرٍ.. تهذي فتاةٌ ما وتحلمُ
شاعرٍ يجتاحهُ موجٌ نسائيٌّ فيهمسُ باليدينِ وبالعيونْ:
لو لم أكن يوماً أحبُّكِ
ما صبرتُ عليكِ مثلَ أبٍ على ابنتهِ
لما شغفاً تحرَّشَ عابرٌ بحيادِ نرجسكِ الحزينِ…
جرتْ حياتي بالذي لا تشتهينَ
وأنتِ أيتها المصابةُ بالبرودِ وبالنعاسِ وبالحنينْ
تجري حياتكِ بالذي لا أشتهيهِ…
وأشتهيكِ بكلِّ ما في جسمكِ الورديِّ من توتٍ ورمَّانٍ وتينْ
قيثارتي وحديقتي.. أوتارُ روحي.. مهجتي..
زبدٌ يغطِّيني كأني آخرُ الأقمارِ
أو حزنُ السنابلِ في النهارِ
وما يبينُ من الصبابةِ في الكتابةِ
أو من الأزهارِ والليمونِ في أثرِ الربابةِ
خلسةً أو لا يبينْ

***
أطعمتُ ناركِ مهجتي وقصائدي الخضراءَ..
قمحَ طفولةِ الكلماتِ.. ذاكرةَ العبيرِ..
فما الذي أطعمتِ ناري؟
غيرَ السرابِ وما تبوحُ بهِ يداكِ من الجحودِ
ومن جراحِ الروحِ أو عطشِ النهارِ
يا ليتني عانقتُ موسيقى سواكِ
أو انعجنتُ بشهوةِ البرقوقِ في جسدِ البراري
يا ليتني ضيَّعتُ دربكِ مثلما ضيَّعتِ قلبي
ليتني ضيَّعتُ حبَّكِ مثلما ضيَّعتُ في الأيامِ (ياري)*

*(ياري) تعني حبيبي بالكردية


الكاتب : نمر سعدي

  

بتاريخ : 13/05/2021