إسرائيل انهزمت…!!!
نوفل البعمري
لابد من قولها صراحة لإسرائيل، لقد خسرتِ “الحرب”،! هذا إن جاز تسمية ما يحدث بالحرب، لأن هذه الأخيرة تكون بين جيشين لدولتين، في حين أن ما يحدث هو قصف “للجيش” الإسرائيلي موجه ضد المدنيين في غزة، الذي تواجهه المقاومة بشكل بطولي أعاد للواجهة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وحجمه وعمقه العربي-الشعبي، وأعاد للواجهة قضية فلسطين، وكان حي الشيخ الجراح والقدس عموما هما البوابة، التي أعادت الملف الفلسطيني للواجهة الإعلامية والشعبية، وأعادت تمركز العالم حول هذه النقطة التي أصبحت مركزه ومركز الصراع الإقليمي والدولي انسجاما مع مقولة من “يؤثر” في القدس يؤثر في صناعة القرار الأمني والسياسي العالميين.
مهما كانت الخسائر المادية وعدد الشهداء الذين خلفتهم وستخلفهم الهجمات الإسرائيلية على المناطق المحتلة وعلى قطاع غزة، فإسرائيل ستكون قد انهزمت، وخسرت:
أصوات الاعتدال في المنطقة، التي كانت قد بدأت تتقبل فكرة إقامة علاقة ديبلوماسية عادية وطبيعية مع إسرائيل، مقابل التزام هذه الأخيرة بالشرعية الدولية التي تتأسس على حل الدولتين على قاعدة حدود 67، هذه الأصوات التي كانت قد بدأت تعبر عن نفسها بوضوح وشجاعة، العديد منها أصبح أكثر تشددا من ذي قبل أو في أحسن الأحوال اختار الركون نحو الصمت، بحيث أصبحت غير قادرة على الحديث عن فكرة عودة العلاقة بين بعض البلدان العربية وإسرائيل لتكون طبيعية، ولتكون أكثر شراكة وتطورا من ذي قبل، فإسرائيل من حيث لا تدري، بسبب غطرستها وسياستها الاستيطانية، قد أعادت فقدان كل النقط التي قد تكون كسبتها، وستعود العلاقة معها في المنطقة لنقطة الصفر، لنقطة ما قبل اتفاق ابراهام والإعلان الثلاثي المغربي الإسرائيلي والأمريكي، هذه التفاهمات ستُدخلها إسرائيل في نوع من الجمود السياسي لأنها الأساس الذي قامت عليه، وقد بدأت في التلاشي، والأمل الذي كان معقودا عليها لتحقيق السلام يبدو أنه تم إجهاضه مع كل صاروخ أطلقته إسرائيل، ومع كل اعتداء قامت به تجاه المقدسيين، ومع كل غارة تقوم بها على غزة، هي تغير، بسبب سياستها هذه، كل بنود التفاهمات التي كانت قد أُبرمت معها.
إسرائيل خسرت سياسيا وستخسر، فسياستها الطائشة ستؤدي للمزيد من عزلتها في المنطقة، ولن تعود أي دولة، نتيجة السخط الشعبي الذي خلفته هجماتها خاصة على القدس، قادرة أو راغبة في عودة واستمرار العلاقة الدبلوماسية بالأفق الواعد الذي كان الجميع يتوقعه، فإسرائيل أعادت حجم السخط الشعبي العربي عليها لمستوياته السابقة، وأعادت كل مشاهد المجازر التي ارتكبتها في السابق من صبرا وشاتيلا، إلى اجتياح بيروت… إلى الانتفاضة الأولى والثانية… للواجهة، وأحيت هذا الوعي الجمعي، الذي تشكل لدى جيل كبير من الشارع العربي، بأن أعادت إنتاجه لدى الأجيال الحالية التي ستتعرف على القضية الفلسطينية من بوابة الشيخ جراح والقدس والملاحم التي يصنعها الشعب الفلسطيني بقطاع غزة والضفة الغربية.
إسرائيل في ظل هذا الوضع عليها أن تعي أن الدول العربية لا يمكن لها أن تفتح سفارات لها بتل أبيب والعكس، في ظل هذا الوضع المتشنج وفي ظل عمليات التقتيل التي تُمارس ضد الفلسطينيين، لقد كان الشارع العربي في العديد من البلدان قد بدأ في تقبل عودة هذه العلاقات الدبلوماسية لاعتبارات كانت تؤشر على انخراط إسرائيل في العملية السياسية والسلام بالشرق الأوسط، وكان السلام مقابل عادل للجميع، ومادام قد انهار فصعب جدا أن يتم الحديث اليوم على المضي في شراكة قوية وكبيرة مع إسرائيل.
إسرائيل لتعود لنقطة ما قبل هذه الأحداث، عليها أن تقوم ب:
فتح المجال أمام دول الاعتدال لتقوم بمهمة الوساطة بين الطرفين، وأن تكون السلطة الفلسطينية جزءا من هذه الوساطة إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، مع تقديم كل الضمانات من طرفها لإنجاح هذه المفاوضات، والمغرب لما له من امتداد ومصداقية داخل الجانب الفلسطيني وتواجده ضمن اللجنة الوزارية العربية لمتابعة الوضع، والاتصال الهاتفي الذي تلقاه رئيس الحكومة من القيادي هنية… كل ذلك يجعله قادرا على أن يكون له دور في عودة التهدئة للمنطقة.
إسرائيل عليها أن تقتنع بحل الدولتين على حدود 67، والقدس بمقدساتها الدينية عاصمة لفلسطين، تعيش جنبا إلى جنب معها، مع السماح ببناء الدولة الفلسطينية بمؤسسات وطنية قوية، وأن انخراطها في حوار جاد لتحديد الملامح النهائية للدولتين هو ما يضمن لها الأمن والتعايش مع مختلف الدول العربية في المنطقة.
إسرائيل عليها أن تكف عن عمليات تهويد القدس لما تمثله هذه المدينة في الوجدان العربي والإسلامي الجمعي ولعموم العرب والأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء، وتنهي مع السياسة الاستيطانية لأنها كلها عمليات لا تشجع على بناء الثقة، والوصول لحل نهائي لهذا النزاع.
إسرائيل لا يمكن أن تستمر بنفس الغطرسة التوسعية، فما يحدث اليوم أثبت أن الدولة الإسرائيلية جد هشة، وما الأحداث التي تعيشها في الداخل الإسرائيلي من اصطدامات بين عرب 48 الذين تحولوا لحماة للقدس وجزء أساسي من الصف الأمامي في هذه المواجهة مع المستوطنين والإسرائيليين، فهذه الأحداث خلقت صراعا داخليا يجري في داخل المجتمع الإسرائيلي، يهدده بالانقسام الحاد، وبفشل النموذج الذي ظلت تسوقه إسرائيل “كدولة ديموقراطية نموذجية في المنطقة”، بحيث أظهرت هذه الأحداث أن الأمر يتعلق بمشروع عنصري ضد العرب في الداخل، يهدف لبناء دولة يهودية دينية وليست علمانية، ديموقراطية.
إسرائيل عليها أن تعي أن استمراريتها هي من استمرارية فلسطين، وبناء الدولة الفلسطينية بقطاع غزة والضفة الغربية، وأن عدم تمكين الفلسطينيين من دولتهم سيكون له انعكاس جد سلبي على إسرائيل يهدد وجودها وبقاءها.
الوضع اليوم داخل فلسطين، خاصة بامتداداته القوية التي نشهدها في الأردن وجنوب لبنان، والمواجهات التي تحدث في الضفة الغربية التي انتقلت لصف مقاومة الاحتلال وغطرسته، سيكون له ما بعده في المنطقة ككل من حيث تأثيراته القوية على صناع القرار في العالم، خاصة على مستوى الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تجد نفسها أمام تحد حقيقي، تحدي احترام خطابها الذي تُصرفه حول احترام حقوق الإنسان التي تنتهك من طرف الاحتلال الإسرائيلي، وقيامها بتدخل عاجل قوي لدى الجانب الإسرائيلي لوقف كل اعتداءاته التي يقوم بها ويعيده للمسلسل التفاوضي وفقا للشرعية الدولية ولقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 17/05/2021