أكد بلاغ الديوان الملكي أن تجديد النموذج التنموي يشكل مرحلة جديدة في توطيد المشروع المجتمعي، الذي يقوده جلالة الملك، وأن هذا النموذج يشمل تعزيز الارتباط بقيم المواطنة الإيجابية والفاعلة، وتقوية الشعور بالانتماء إلى الأمة، وتأكيد الشخصية التاريخية والثقافية المغربية، الغنية بتاريخها العريق، والمتميزة بالانفتاح، وبتعدد مكوناتها.
وأفاد البلاغ أن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي اعتمدت مقاربة متعددة الأبعاد، وقامت بتأطير جيد لأعمالها، وأنها تمكنت على الخصوص، من استكشاف وتدارس التحديات والتغييرات الجديدة التي نتجت عن جائحة Covid-19، في العديد من المجالات الاستراتيجية، مثل الصحة والفلاحة والأمن الغذائي والطاقة والتنمية الصناعية والسياحية.
واعتبر البلاغ أن التقرير الذي تم إنجازه هو نتاج مقاربة تشاركية واسعة، من الاستماع والنقاش والابتكار الجماعي، حول تجديد النموذج التنموي المغربي.
ونقل الديوان الملكي أن جلالة الملك أشاد، أثناء الاستقبال الذي خص به أعضاء اللجنة ، بالاحترام الكامل للنهج التشاركي، الذي كان جلالته قد دعا لاعتماده في هذا الشأن. كما شكر جميع المساهمين في هذا العمل الوطني، من أحزاب سياسية، وهيئات اقتصادية واجتماعية، ومنظمات غير حكومية، ومراكز للتفكير، وكذا جميع المواطنين الذين شاركوا، عبر التراب الوطني، في جلسات الاستماع التي نظمتها اللجنة.
ودعا جلالة الملك، حسب بلاغ الديوان، إلى التفاعل الجدي مع خلاصات هذا العمل، وجعلها في خدمة تنمية بلادنا ورفاهية مواطنيها. كما أمر بنشر تقرير اللجنة الخاصة للنموذج التنموي، ووجه اللجنة لإجراء عملية واسعة لتقديم أعمالها، وشرح خلاصاتها وتوصياتها للمواطنين ومختلف الفاعلين، بكل جهات المملكة.
وفي هذا الإطار، يقول نص البلاغ، فإن الحكومة ومختلف الفاعلين والمؤسسات، مدعوون، كل في مجال اختصاصه، للمشاركة والمساهمة الفعالة في تنفيذ التوصيات الوجيهة الواردة في هذا التقرير، من أجل خدمة هذا الطموح والأفق التنموي الجديد، والارتقاء به لمستوى تطلعات جلالة الملك والشعب المغربي.
كما أن الاقتراح المبتكر للجنة، والذي يهدف إلى ترجمة المحاور الاستراتيجية للنموذج الجديد في «ميثاق وطني من أجل التنمية»، يستحق اعتماده وتفعيله بروح بناءة وتوافقية، وبحس عال من المسؤولية والمصلحة العامة، كإطار مرجعي مشترك لجميع القوى الحية بكل أطيافها.
للإشارة، حضر مراسم استقبال أعضاء اللجنة، أول أمس الثلاثاء بالقصر الملكي بفاس، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ورئيس مجلس النواب الحبيب المالكي، ورئيس مجلس المستشارين حكيم بن شماش، ومستشارا جلالة الملك عمر عزيمان وفؤاد عالي الهمة، ورؤساء الهيئات الدستورية. كما حضرها الأمناء العامون ورؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، والأمين العام للمجلس العلمي الأعلى محمد يسف، ووالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، والمندوب السامي للتخطيط أحمد الحليمي العلمي، ورئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب شكيب العلج، ورئيس المجموعة المهنية لبنوك المغرب عثمان بنجلون.
المحاور الاستراتيجية الأربع للتحول
مــن أجــل تحقيــق الطموحــات والأهــداف الأساســية التــي ينشــدها، فــإن النمــوذج التنمــوي الجديــد يرتكــز علــى أربعــة محــاور رئيســية للتحــول والتــي ســيكون مــن الــازم إنجازهــا وفقــا للمبــادئ والمقاربــات التــي تدعــو إليهــا مرجعيــة التنميــة والتوجــه التنظيمــي.
ينــدرج المحــور الإســتراتيجي الأول ضمــن تطويــر الاقتصــاد مــن اقتصــاد يتســم بقيمــة مضافــة ضعيفـة، وإنتاجيـة منخفضـة مـع أنشـطة ريعيـة ومحميـة، إلـى اقتصـاد يتميـز بتعدد الأنشـطة وبالتنافسـية قائــم علــى نســيج مكثــف مــن المقــاولات قــادرة علــى االبتــكار والمرونــة. ويجــب أن يكــون هــذا التحــول الاقتصـادي مصـدرا لنمـو أكبـر وقـادرا علـى خلـق مناصـب شـغل ذات جـودة، قصـد تنويـع مصـادر خلـق القيمـة المضافـة وضمـان إدمـاج السـاكنة النشـيطة، خصوصـا الشـباب والنسـاء، فـي سـوق الشـغل.
يرتكـز المحـور الإسـتراتيجي الثانـي علـى تعزيـز الرأسـمال البشـري لبالدنا بهـدف منـح كل المواطنين القــدرات التــي تمكنهــم، بــكل اســتقاللية، مــن األخــذ بزمــام أمورهــم وتحقيــق طموحاتهــم والمسـاهمة فـي تنميـة البـاد واندماجهـا فـي اقتصـاد المعرفـة واالقتصـاد الالمـادي اسـتنادا إلـى الكفــاءات. ويتضمــن هــذا المحــور إنجــاز إصالحــات أساســية، ضروريــة وعاجلــة لــكل مــن أنظمــة الصحــة والتربيــة والتعليــم العالــي والتكويــن المهنــي.
يهـدف المحـور الإسـتراتيجي الثالـث، المتمثـل في الإدمـاج، إلى مسـاهمة كل المواطنـات والمواطنين فـي الديناميـة الوطنيـة للتنميـة، األمـر الـذي يسـتوجب إدمـاج كافـة المواطنيـن وكل المجـالات الترابيـة فـي المجهـود التنمـوي الجماعـي مـن خـال المشـاركة والولـوج المتكافـئ الـى الفـرص االقتصاديـة، ومـن خـلا الحمايـة االجتماعيـة، ومـن خـال االنفتـاح علـى الغيـر وتقبـل التنـوع الـذي يميـز المجتمـع المغربـي. لـذا، يجـب محـو كل المعاييـر االجتماعيـة التمييزيـة وتجـاوز النقائـص المرتبطـة بالمؤهـات والقـدرات، والتـي تتسـبب فـي الإقصـاء الاجتماعـي، لفسـح المجـال لديناميـة الإدمـاج بواسـطة النمـو الاقتصـادي والعمـل وتعبئـة المواطنيـن وتقويـة الرابـط االجتماعـي.
ويتعلــق المحــور الاســتراتيجي الرابــع بالمجــالات الترابيــة وتعزيــز مكانتهــا فــي صلــب العمليــة التنمويــة. ويســتدعي هــذا التوجــه الانتقــال بالمجــالات الترابيــة مــن مجــرد وعــاء نهائــي لتفعيــل سياســات عموميــة، مقــررة علــى المســتوى المركــزي، إلــى فاعــل رئيســي فــي إعــداد السياســيات العموميــة وإرســائها وإنجازهـا. ومـن شـأن ذلـك أن يمثـل رافعـة أساسـية تضمـن الولـوج العـادل إلـى الخدمـات العموميـة وإطـارا ســليما وجيــدا للعيــش، مــع الحفــاظ علــى المــوارد واحتــرام كل روافــد الهويــة الوطنيــة وضمــان كرامــة كل المغاربــة داخــل كل األوســاط، أخــذا بعيــن االعتبــار اإلنتظــارات واإلمكانــات علــى حــد ســواء.
تنبثــق مــن المحــاور األربــع للتحــول المشــار إليهــا أعــاه، مجموعــة مــن األولويــات الاســتراتيجية، مــن بينهــا أولويـات جديـدة تشـكل قطيعـة مـع الوضـع الراهـن، مـن قبيـل المكانـة المركزيـة للثقافـة، وتعميـم التغطيـة الاجتماعيـة علـى كافـة السـاكنة الهشـة تطبيقـا لتعليمـات جاللـة الملـك، التـي تضمنهـا خطـاب العـرش لسـنة2020 ،كمـا تشـمل أولويـات أخـرى يتعيـن التأكيـد عليهـا مـن جديد وبقـوة، بالنظر لاسـتعجاليتها، منهـا التعليم الأساسـي والجهويـة المتقدمـة وتقويـة نسـيج المقـاولات الصغـرى والمتوسـطة.