مضاعفة الناتج الخام للفرد من 7826 دولار إلى 16 ألف دولار تستلزم رفع معدل النمو إلى 6 %
دعت لجنة النموذج التنموي الجديد إلى ضرورة خلق تحول اقتصاد منتج ومتنوع يخلق القيمة المضافة ومناصب شغل ذات جودة، وذلك عبر تأمين المبادرة المقاولات وتوجيه الفاعلين الاقتصاديين نحو الأنشطة المنتجة، وإحداث صدمة تنافسية، وإرساء إطار ماكرو اقتصادي في خدمة النمو، والدفع نحو بروز الاقتصاد الاجتماعي كقطاع اقتصادي قائم الذات.
وأكد تقرير اللجنة أن إنجاح عملية التحول الاقتصادي بالمغرب يستلزم جيلا جديدا من الإصلاحات المركبة تنجز على الأمد الطويل وتستند إلى دعم سياسي قوي. في هذا الإطار، ومن أجل إطلاق دينامية اقتصادية نسقية تعبئ كل الفاعلين، يقترح النموذج التنموي الجديد خارطة طريق مبنية على خمسة خيارات استراتيجية على رأسها تأمين المبادرة الخاصة بهدف القضاء على كل العوائق التنظيمية والحواجز الإدارية واقتصاد الريع، وتوجيه الفاعلين الاقتصاديين نحو الأنشطة الإنتاجية ذات القيمة المضافة المرتفعة بواسطة منظومة متكاملة للدعم والتحفيز، وكذا إحداث صدمة تنافسية قصد تخفيض تكاليف عوامل الإنتاج وتحسين جودتها بالإضافة إلى وضع إطار ماكرو-اقتصادي في خدمة التنمية، وأخيرا السماح ببروز الاقتصاد الاجتماعي كدعامة جديدة للتنمية.
وسلط التقرير الضوء على مجموعة من الاختلالات البنيوية التي مازالت تعيق التحول الاقتصادي بسبب ضبط غير كاف للحقل الاقتصادي، مما يحد من القدرة على خلق قيمة مضافة من قبل وافدين جدد يتسمون بروح المبادرة والابتكار والتجديد، ورغم الجهود المبذولة في مجال تحرير الاقتصاد والانفتاح، فإن سير الاقتصاد الوطني تطبعه اختلالات وعراقيل تقف في وجه المنافسة الحرة وتحمي حالات الريع أو مراكز النفوذ.
وقد أظهر التقرير أن الاقتصاد الوطني ليس مفتوحا ومحررا بالقدر الكافي ويفيد مصالح اقتصادية قائمة ويحمي حالات الريع. كما أن القصور المسجل في مجال ضبط بعض القطاعات يساهم في تقوية وضعية الاحتكار الجزئي والممارسات المنافية للمنافسة، مما يجعل ولوج فاعلين جدد أمرا صعبا. ويقدم المقاولون شهادات عن مواجهتهم لحواجز غير مباشرة من قبيل مقتضيات تنظيمية معقدة أو وجود اتفاق ضمني بين الفاعلين من القطاع العام والخاص في منح الرخص أو في الولوج الى موارد عقارية أو مالية. وينعكس التأخير الحاصل في معالجة حالات الاستغلال التعسفي للأوضاع المهيمنة والتفاهمات على شفافية الصفقات ويضر بالديناميات المقاولاتية. كما لم يتم إسناد المناخ العام لضبط أسواق السلع والخدمات بالوسائل الكافية للقضاء على هذه الممارسات، خاصة في ظل تعطيل أشغال مجلس المنافسة فيما بين 2013 و2018، والتي عرفت مؤخرا صعوبات ألقت بظلالها على التماسك الداخلي للمجلس ووضعت مصداقية هذا الأخير على المحك.
ويطمح النموذج التنموي الجديد إلى مضاعفة الناتج الداخلي الخام للفرد من 7.826 دولار حاليا إلى 16 ألف دولار في أفق 2035، شريطة تحقيق نسبة نمو سنوية متوسطة تفوق 6 في المائة. كما يتوخى النموذج رفع مؤشر المشاركة في سلاسل القيمة العالمية من 43 في المائة حاليا إلى 60 في المائة مستقبلا، وكذا مضاعفة القيمة المضافة الصناعية للتكنولوجيا المتوسطة أو العالية من 28 إلى 50 في المائة مستقبلا..
واعتبر التقرير أن المغرب يتوفر على مؤهلات وإمكانات هامة لإنجاح إقلاعه الاقتصادي. وقد وضع المغرب خلال العقدين الأخيرين أسس هذا الإقلاع من خلال إصلاحات هيكلية وانفتاح اقتصادي قوي واستثمارات هامة مهمة في قطاع البنيات التحتية. ويتحتم الاستغلال المكثف لعدة مصادر هامة أساسية لخلق الثروة، والمتمثلة في: رأسمال طبيعي هام يحتاج إلى تطوير أكبر، رأسمال لامادي غني يتعين تثمينه؛ موقع جيو-استراتيجي مميز يتيح فرصا واعدة للاندماج في سلاسل القيمة العالمية؛ وسوق داخلي يتطلب إعادة الاستقطاب والتطوير.
وفي هذا الصدد، يطمح النموذج التنموي الجديد إلى أن يقوم المغرب باستغلال مجموع هذه المؤهلات ليصبح بلدا يتيح الفرص ويفسح المجال للمبادرة المقاولاتية وللابتكار. وباستغلاله لكل هذه الامكانات، يستطيع المغرب تسريع وتيرة نموه الاقتصادي الذي يشكل أحد الأعمدة الأساسية للنموذج التنموي الجديد. ويبدو أن تحقيق نمو اقتصادي مضطرد، توزع نتائجه بشكل أفضل، يعد أمرا ضروريا لتحسين مستوى عيش الساكنة ومنح فرص الشغل للشباب وخلق الموارد الضرورية قصد استثمارها في الرأسمال البشري وتمويل الحاجيات الاجتماعية. إلا أن الاقتصاد المغربي يواجه حاليا الصعوبة التي تلاقيها معظم الدول ذات الدخل المتوسط. لذا، يطمح النموذج التنموي للخروج من هذا المأزق من خلال تسريع وتيرة النمو الاقتصادي لتبلغ نسبة سنوية تفوق 6 % في المتوسط. ومن شأن بلوغ هذا المستوى أن يمكن من مضاعفة الناتج الداخلي الخام للفرد في أفق سنة 2035.
ويراهن النموذج التنموي الجديد على دينامية القطاع الخاص، إذ يتطلب تحقيق التحول في عملية الإنتاج قطاعا خاصا رائدا في ميدان الأعمال والابتكار، قادرا على المجازفة واستكشاف فرص جديدة والانطاق في ولوج قطاعات وأسواق جديدة ومواجهة المنافسة الدولية. غير أن الاقتصاد المغربي يتسم بنقص على مستوى ريادة الأعمال في الأنشطة المنتجة والمبتكرة نتيجة ثقافة تدبيرية لا تشجع إلا قليلا على المجازفة ومناخ للأعمال قليل الملاءمة. ومن بين الرهانات الكبرى للنموذج التنموي الجديد القدرة على إرساء مناخ يحفز على نهج توجهات اقتصادية أكثر جدوى عبر تحرير المبادرة الخاصة ووضع سياسات عمومية تشجع على الاستثمار المنتج.