هذيان السيد عبد المجيد تبون شافاه الله
لحسن العسبي
يصر الرئيس الجزائري على الإساءة إلى بلده، إلى المغرب العربي، إلى كل أسباب السلام والأمن والتنمية بهما، ويوقع على ذلك بعناد، بل يكاد يقول المرء ب «عناد باثولوجي». ففي بحر يومين، لم يجد سيادته، هو الذي يواجه سؤال الشرعية الديمقراطية في بلده (لأن نسبة الأصوات المحصل عليها في الانتخابات الرئاسية من ضمن مجموع من له الحق في التصويت بالجزائر هزيلة جدا، ولأن مظاهرات الشارع الجزائري تؤكد ذلك كل جمعة)، لم يجد من خيار لمواجهة النقط المتقدمة التي يحققها المغاربة، دولة ومجتمعا، في المعارك التي تواجههم على أصعدة متعددة، تبتدئ من مواجهة آثار جائحة كوفيد ونسب التقليح الأولى في إفريقيا، وصولا إلى طموح تنزيل مشروع التنمية الجديد، مرورا بأدواره الملموسة قاريا ومتوسطيا وأطلسيا وعربيا وإسلاميا، سوى القصف الإعلامي الانفعالي الصارخ، مثلما تجلى في حواره مع مجلة «لوبوان» الفرنسية، وفي جمله الهذيانية أثناء عيادته لإبراهيم غالي، المسؤول الأول ضمن جبهة البوليزاريو بسرير مستشفى «عين النعجة» العسكري بالجزائر.
ذلك أن فضيحة شكل تعامل النظام الجزائري مع قضية تهريب غالي إلى التراب الأوروبي عبر البوابة الإسبانية بجواز سفر جزائري مزور وبهوية جزائرية مزورة، وتقديمه أمام العدالة الإسبانية، تقدم الدليل على مدى الحول الذي يطوق تصويبات القيادة الجزائرية صوب الحقيقة، مما يجعلها لا تفلح في النهاية سوى في توجيه الضربة صوب ذاتها وصوب مصداقيتها. فكل حصيف عاقل، عبر مختلف الجغرافيات داخل الجزائر وخارجها، لا يمكنه إلا أن يستغرب تهافت تلك الزيارة لرئيس دولة وقيادة جيش، إلى هارب من العدالة بوسائل جزائرية ومن ميزانية الشعب الجزائري، ونقل تصريحاته أثناءها، بالشكل الذي يجعل المشهد يليق بالمسرح العبثي لبريخت. إذ كيف يشكر مسؤول (مفروض أن يقدر ثقل مسؤوليته فعلا)، هاربا من العدالة متهما بالاغتصاب وجرائم قتل وتعذيب، بدعوى امتلاكه شجاعة التقدم أمام العدالة بإسبانيا، والحال أن ذات المتهم إنما تم تهريبه بهوية مزورة وجواز سفر مزور إلى بلاد الوليد، وأنه بعد أن فضح المغرب، بكفاءة، تلك العملية، جرجر بالإكراه للمثول أمام المحكمة العليا الإسبانية مثلما يحدث لكل مجرم هارب من العدالة. لأن المنطق يقول إن كان الرجل «ثوريا»، كما يدعي، فقد كان عليه أن يدخل أوروبا بوجه مكشوف وبجرأة الرجال في وضح النهار، وليس متخفيا مثل قطاع الطرق وبليل، وأن وسائل تنفيذ الفضيحة جزائرية. فكانت المهزلة، عبر التلفزيون الرسمي للجزائر، أن الرئيس عبد المجيد تبون وقيادة الجيش المرافقة له، إنما مرغوا في الوحل والضحالة صورة «جزائر الأحرار»، من حيث إنهم قدموا الدليل أنهم يكذبون ووحدهم الذين يصدقون كذبهم. والمؤسف أن الجزائر الشقيقة وشعبها الطيب يستحقون نخبة أفضل من ذلك بكثير، دون إغفال أن كلفة تلك المهزلة والفضيحة صرفت من ميزانية الشعب الجزائري وأنها تجاوزت مئات الآلاف من الدولارات.
أما في حوار مجلة «لوبوان» الفرنسية، فإن الصيغة التي تحدث بها عن ملك المغرب، حفيد محمد الخامس (الملك الوطني الذي رفض المساومة بالحق الجزائري في الحرية والاستقلال حين عرض عليه الرئيس الفرنسي دوغول صفقة مربحة في الاقتصاد وفي التراب)، هي صيغة بئيسة جدا، تعكس مستوى الضحالة السياسية والأخلاقية التي لا تشرف أحدا في بلاد المغرب الكبير التي بلغتها الرئاسة الجزائرية. وللأسف، فقد جعلنا ذلك الحوار نفاجأ بمستوى الهذيان السياسي الذي بلغته السلطة الحاكمة بقصر المرادية، وندرك مستوى الابتلاء الذي ابتلى الله به الأشقاء بالجزائر فعلا من خلال نخبة تقودهم فقط إلى أزمة ماء شروب قاسية، وأزمة لتر زيت ولتر حليب وكيلوغرام سميد مفقودين وفضائح فساد بملايير الدولارات. دون أن يدرك السيد عبد المجيد تبون، أنه بخطاب بئيس مماثل، إنما يعزز من لحمتنا الوطنية، بروح «ثورة الملك والشعب» من أقصى الجغرافية المغربية حتى أقصاها بالأبعاد الرباعية للاتجاهات.
لست البطل السيد تبون من خلال مستوى بئيس مماثل، بل أنت المهزوم الخاسر على طول الخط، خسارة حقوق شعوب منطقتنا المغاربية في الأمن بمعناه الشامل. فالمسؤولية عن ذلك لها عنوان أشد وضوحا اليوم.
الكاتب : لحسن العسبي - بتاريخ : 05/06/2021