مجلس النواب يعد وثيقة مرجعية لقراءة وفهم تطور المنظومة الصحية بالمغرب ويقترح توصيات لتطوير السياسات العمومية في مجال الصحة
قدمت مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية، التي شكّلها مجلس النواب، والتي عُهد إليها بإعداد تقرير يساهم في صنع وبلورة السياسات العمومية في مجال الصحة، انطلاقا من تشخيص الواقع واستشراف المستقبل، من خلال تقديم مجموعة من التوصيات التي ساهمت في بلورتها مؤسسات دستورية وعمومية ومنظمات دولية وخبراء مغاربة في القطاعين العام والخاص، مهتمون ومختصون في الشأن الصحي، تقريرها أول أمس الثلاثاء، الذي حظي بمناقشة البرلمانيين وعرف مساهمة وزير الصحة في هذا الإطار.
التقرير، الذي يشكل سابقة محمودة؛ بالنظر إلى أن اللجنة الموضوعاتية الخاصة بالمنظومة الصحية هي أول لجنة يتم تشكيلها لهذه الغاية؛ يعتبر نتاج عمل جاد يدخل في صميم الأداء البرلماني ويجسد عمليا لمفهوم الرقابة السياسية الموكولة إليه، إلى جانب إبداء الرأي وتقديم المقترحات لبلورة السياسات العمومية، أشرف على إعداده رئيس مجلس النواب ورئيس المجموعة إضافة إلى المقررين وأعضاء اللجنة كل باسمه وصفته، وكذا مشاركة باقي النواب والفاعلين المهتمين بالشأن الصحي، واستعرض التقرير الأشواط التي قطعتها المنظومة الصحية ببلادنا وسياقها التاريخي والقانوني، وكذا إطارها المرجعي، سواء من خلال الخطب الملكية أو دستور 2011 أو الإطار المعياري الدولي وكذا التشريعي، فضلا عن السياسات العمومية المرتبطة بها، إلى جانب مجموعة من المحاور الأخرى بالغة الأهمية، مما جعل من الوثيقة التي تم إعدادها، مرجعا لقراءة وفهم تطور المنظومة الصحية بالمغرب.
وحدّد التقرير 4 إشكاليات كبرى تناولها بالدرس والتحليل، معتمدا على مناهج متعددة على رأسها المنهج التاريخي والوصفي والمقارن ثم المنهج الإحصائي، ويتعلق الأمر بالتغطية الصحية والتمويل الصحي وحكامة القطاع ثم مزاولة المهن الطبية وشبه الطبية والبحث العلمي، والبنيات التحتية والخريطة الصحية، فالمحددات الاجتماعية للصّحّة. وأكدت الوثيقة على العديد من الأعطاب كما هو الشأن بالنسبة لمحدودية تمويل القطاع الصحي الذي يعتمد، بشكل رئيسي، على المساهمة المباشرة للأسر التي تصل إلى 50,7٪ ، مقارنة بالمعايير الدولية المحددة في 25٪، وضعف التمويل التأميني والتعاضدي الذي لا يتجاوز 25٪، إضافة إلى محدودية الميزانية المخصصة للقطاع الصحي التي لا تتجاوز نسبة 6٪ من الميزانية العامة للدولة، بينما توصي منظمة الصحة العالمية بـ12 ٪.
وقدّم التقرير، الذي وقف عند الطريقة التي تم بها تدبير الجائحة الوبائية بفضل التوجيهات الملكية والتدابير الاستباقية التي تم القيام بها، فضلا عن السياسة التي تم اعتمادها لإطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كوفيد 19، وكذا الورش الملكي للحماية الاجتماعية، عددا من التوصيات في كل محور، وذلك بهدف تجاوز المعيقات والأعطاب التي تم تشخيصها من طرف مجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية، والمرتبطة بالتحديات التنظيمية والموارد البشرية والتمويل، فضلا عن الإكراهات الكبرى المتعلقة بالحكامة والبنيات التحتية، التي تحول دون تحقيق الأهداف المرجوة من السياسات العمومية الرامية للنهوض بالقطاع الصحي بالمغرب، حيث تبينت الحاجة الماسة في هذا الإطار إلى مراجعة وتعديل مجموعة من القوانين السارية المفعول، ووضع نصوص قانونية جديدة وإصدار النصوص التنظيمية المتعلقة بها، فضلا عن إخراج المؤسسات المنصوص عليها في التشريعات إلى حيز الوجود، والعمل على وضع مدونة عامة للتشريع الصحي، فضلا عن اقتراح توصيات مرتبطة بالآليات والوسائل الحديثة من قبيل الانفتاح على آليات عصرية ومتطورة كاعتماد التجارب السريرية والتفكير في التمويلات المبتكرة، أخذا بعين الاعتبار الممارسات الفضلى في التجارب الدولية الرائدة في مجال البحث والتنمية في مجال علوم الصحة والانسان.
وعرفت جلسة الثلاثاء، تقديم وزير الصحة بدوره لعرض أجاب من خلاله عن الملاحظات والخلاصات والتوصيات التي انتهى إليها التقرير وكذا مداخلات البرلمانيين، مؤكدا أن الوثيقة التي أنجزتها اللجنة الموضوعاتية تعتبر جد قيمة مشيدا بالعمل الذي تم إنجازه، مشددا في نفس الوقت على أن المنظومة الصحية الحالية بلغت درجة التشبع بسبب تعاقب عدد من الإصلاحات التي عرفتها دون إحداث تغيير حقيقي في القطاع، ومن بينها مبادرة تكوين 3.300 طبيب في السنة في أفق 2020 وبرنامج المساعدة الطبية »راميد»، ثم برنامج تأهيل البنيات التحتية 2016-2021، وبرنامج دعم قدرات تدبير قطاع الصّحّة (2007-2011)، وكذا برنامج إدارة وتمويل قطاع الصحة (2001-2005)، ثم برنامج تأهيل العرض الاستشفائي مع البنك الأوروبي للاستثمار (منذ 2006)، فضلا عن معضلة النقص المزمن في الموارد البشرية، وغياب التوازن الجهوي في توزيعها، الذي يشكل تحديا كبيرا للقطاع الصحي، إذ تعرف الوضعية الراهنة عجزا بنيويا كميا ونوعيا في مهنيي الصحة بحاجيات تتجاوز 97 ألف مهني، تتوزع ما بين 32.522 من الأطباء و65.044 من الممرضين، بحيث لا تتعدى الكثافة الحالية 1,7/1.000 نسمة، وهو ما يعني خصاصا مهولا يصل إلى 2,75/1.000 نسمة طبقا للغايات المحددة في أهداف التنمية المستدامة.
وأكد وزير الصحة أن نسبة استعمال المناصب المالية بالنسبة للأطقم الطبية والتمريضية والتقنية باتت تسائل الوزارة وتدفعها للبحث عن حلول مستعجلة لهذا الإشكال، إذ لا تتجاوز في بعض الأحيان حاجز 30٪، إضافة إلى تراجع القيمة الاعتبارية للمهن الصحية ببلادنا، وانعدام العدالة في التوزيع الجغرافي لها وعدم تكافؤ العرض الصحي الذي لا يستجيب لتطلعات المواطنين، حيث يتميز عرض العلاجات الصحية بضعف مؤشرات الولوج، وبوجود فوارق بين الجهات وبين الوسطين القروي والحضري، وكذا تقادم البنيات التّحتية وضعف سياسة الصيانة، وعدم احترام معايير الخريطة الصحية في إحداث المؤسسات الصحية العمومية، وغياب التحفيزات من أجل جلب القطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار في المجال الصحي وفقا لمعايير الخريطة الصحية…
ووقف آيت الطالب كذلك عند عطب آخر، مشددا على أن الضعف الذي يعتري حكامة المنظومة الصحية يشكل هاجسا للقطاع، والمتمثل في ضعف التكامل والتنسيق بين مكونات العرض الصحي الجهوي بسبب غياب مسلك مندمج للعلاجات وغياب الترابط بين مختلف مستويات الرعاية الصحية المجسدة في المراكز الاستشفائية الجامعية والمستشفيات الإقليمية والجهوية والوحدات الصحية للقرب وباقي وحدات الدعم المرتبطة بها، وكذا ضعف حكامة المستشفيات ونجاعة أدائها بسبب نمط تدبيرها المستقل »سيغما» وضعف مواردها الذاتية، فضلا عن أعطاب أخرى.