على بعد أيام قليلة من استئناف الرحلات من وإلى المغرب (15 يونيو الجاري) بتصاريح استثنائية، تمر الاستعدادات في مطارات المملكة بشكل جيد لاستقبال المسافرين، المغاربة والأجانب، في ظل التزام صارم بالتدابير الصحية.
ويأتي هذا القرار، الذي تم اتخاذه عقب تحسن الوضع الوبائي في المغرب والتنفيذ السلس لحملة التلقيح، في الوقت المناسب مع بداية موسم الصيف الذي يراهن عليه جميع الفاعلين في قطاع السياحة لاستئناف «حقيقي» لأنشطتهم.
إن تعبئة الموارد البشرية والمادية لضمان نجاح هذه الانطلاقة تظل الكلمة/المفتاح خلال هذه الفترة بالنسبة لمختلف المطارات في المغرب التي تواصل نشاطها في امتثال صارم للتدابير الوقائية.
وقال مدير مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، عبد الحق مزور، خلال زيارة قام بها فريق من وكالة المغرب العربي للأنباء: «نحن مستعدون لهذه الانطلاقة».
وأضاف أنه «في إطار الاستعدادات للاستئناف، عقدت عدة اجتماعات مع مختلف المتدخلين، بما في ذلك مصالح الهجرة والجمارك والمراقبة الصحية بالحدود، وشركات الطيران وأيضا عمال المناولة الذين يتولون مهمة الشحن والتفريغ (الأمتعة عند التسجيل، والتسليم والتعامل مع الأمتعة المحمولة).
وفي واقع الأمر، تم وضع سلسلة من الإجراءات من أجل تعبئة الموارد البشرية لتكون قادرة على التعامل مع التدفق المتوقع للمسافرين الذين سيتوافدون على مطار الدار البيضاء محمد الخامس، وكذلك المعدات اللازمة لتشغيل وتسيير كل ما يتعلق بعمليات الطيران.
وبرأيه، فإن استئناف الرحلات الجوية يعطي بصيص أمل، خاصة بعد الثلاثة أو أربعة أشهر الأخيرة التي شهدت تشديد الإجراءات التقييدية وتعليق الرحلات الجوية بين المغرب والعديد من الدول.
وأشار مزور أيضا إلى أن المحطة النهائية 2، التي تم إغلاقها سابقا للتخفيف من انعكاسات انهيار النشاط في الأشهر الأخيرة، من المقرر إعادة فتحها لتحسين إدارة تدفق المسافرين.
وعلى الجانب الاحترازي، في مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، كما هو الحال في باقي المملكة، لا تزال مختلف الإجراءات المنصوص عليها من طرف المكتب الوطني للمطارات سارية المفعول.
وتشمل هذه الإجراءات، من بين أمور أخرى، إنشاء عوازل مادية أو لوحات زجاجية في أماكن ثابتة، حيث يوجد تفاعل بشري مع الركاب، وتطبيق تدابير التباعد الاجتماعي على مستوى جميع صالات الانتظار في المطار من خلال وضع علامات تشوير على الأرض، وإلغاء مقعد على دكة الانتظار، والعمل على خلق مسافات تباعد بين المقاعد وفي جميع مناطق استقبال الركاب عبر صف انتظار خطي باتجاه واحد ومتباعد، وكذلك تركيب موزعات تعقيم في نقاط مختلفة من المطار.
كما أن التحسيس حاضر بقوة من خلال نشر رسائل حول ضرورة الامتثال لتعليمات التباعد الاجتماعي عبر الإعلانات الصوتية وشاشات العرض واللوحات الإخبارية، بالإضافة إلى العلامات على الأرض، على طول مسار الركاب مع ملصقات التشوير لتنظيم قوائم الانتظار والتأكد من الانسيابية في مختلف مناطق المطار.
عودة قوية للعرض الصيفي للخطوط الملكية المغربية
لقد طال انتظار استئناف الرحلات من طرف المغاربة المقيمين في الخارج الذين سيتمكنون الآن من العودة إلى المملكة وقضاء العطلة الصيفية مع عائلاتهم وأقربائهم.
وفي هذا الصدد، أعلنت الخطوط الملكية المغربية، في سياق المساهمة في حسن سير هذه العملية في أفضل الظروف، عن وضع منظومة غنية ومتنوعة، استجابة للطلب المتزايد لزبنائها، سواء المغاربة المقيمين في الخارج أو الطلاب أو الأجانب المقيمين في المغرب أو السياح.
وهكذا، تقدم شركة الطيران الوطنية عرضا يناهز 2.5 مليون مقعدا للفترة ما بين 15 يونيو إلى 15 شتنبر 2021، أو 72 في المئة من العرض المقدم خلال نفس الفترة من عام 2019 (قبل أزمة فيروس كورونا المستجد).
ويعد تعزيز برنامج الرحلات إلى البلدان الخمسة الرئيسية التي تتواجد فيها الجالية المغربية (فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا والمملكة المتحدة) إحدى أولويات الخطوط الملكية المغربية، التي تتوقع حوالي 315 رحلة أسبوعية تربط المغرب بهذه الوجهات.
وللمشاركة في جهود تسريع الإقلاع السياحي، تراهن الشركة الوطنية على الشبكة المحلية التي تظل قوية بمختلف خطوطها، وخاصة على الخط المباشر بين باريس والداخلة والذي سينطلق الجمعة المقبل برحلة إلى رحلتين في الأسبوع كبداية أولى. وبموازاة مع ذلك، تعتزم شركة العربية للطيران، الرائدة في الرحلات منخفضة التكلفة، دعم استئناف الرحلات الجوية من وإلى المغرب من خلال تقديم رحلات جوية اعتبارا من 15 يونيو بين خطوط (الدار البيضاء-جنيف) و(الناظور-آيندهوفن) و(وجدة-مورسيا)، بمعدل رحلتين أسبوعيا. كما ستوفر هذه الشركة أيضا خطوطا جديدة من مراكش إلى برشلونة وفاس إلى مرسيليا وملقة ووجدة نحو مرسيليا وتولوز وباريس، وكذلك من طنجة إلى بلباو وفالنسيا.
وتؤشر هذه الديناميكية وهذه الاستعدادات على عودة للحياة الطبيعية، لاسيما بالنسبة للنقل الجوي والسياحة اللذين تضررا بشدة جراء أزمة فيروس كوفيد-19. ومع ذلك، ينبغي الحفاظ على اليقظة والحذر من أجل التمكن من مواصلة هذا الزخم.
انتعاش قطاع الطيران دوليا
يتوقع قطاع الطيران أن يعاود انطلاقته بعدما شهد أزمة مالية حادة جراء وباء كوفيد-19، رغم القلق بشأن تأثيره على تغير المناخ.
وفي دلالة جديدة على الاتجاهات المرتبطة بالقطاع، أكد اتحاد النقل الجوي الدولي «إياتا» بأنه لا يتوقع عودة حركة الملاحة الجوية إلى مستويات ما قبل الوباء قبل حلول العام 2023.
لكن من المفترض أن تتضاعف حركة الملاحة الجوية على مدى 20 عاما من 4,5 مليار راكب في 2019 إلى 8,5 مليار في 2039. إلا أن هذه الأرقام تمثل تراجعا بمليار راكب عن توقعات «إياتا» الصادرة ما قبل أزمة كوفيد.
مع ذلك، تعتبر الأعداد نبأ جيدا بالنسبة لشركات تصنيع الطائرات، التي خفضت إنتاجها خلال الأزمة مع إلغاء شركات الطيران طلباتها لتتمكن من الصمود ماليا في ظل كوفيد.
وأعلنت شركة «إيرباص» بالفعل عن خطط لتسريع وتيرة تصنيع طائرتها الأكثر مبيعا «إيه320» ذات الممر الواحد، مع ترقب بلوغ مستوى قياسي في 2023.
وأما «بوينغ»، فتتوقع أن تحتاج شركات الطيران إلى 43 ألفا و110 طائرات جديدة بحلول العام 2039، ما يعني مضاعفة الأسطول العالمي تقريبا. وستساهم آسيا وحدها بنسبة 40 في المئة من هذا الطلب.
وقال نائب رئيس قسم التسويق لدى «بوينغ» دارن هالست العام الماضي إنه كما كان الحال مع هجمات 11 سبتمبر أو الأزمة المالية العالمية (2007-2009)، «سيثبت القطاع مرة جديدة صموده».
من جهته، لفت مدير الأبحاث لدى «معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية» في باريس مارك إيفالدي إلى أن واحد في المئة فقط من السكان يسافرون جوا حاليا.
وقال لفرانس برس «بمجرد الزيادة الديموغرافية ومع ازدياد ثراء الناس، سيزداد الطلب على السفر جوا وبالتالي على الطائرات».
وإن كانت أساطيل الطائرات الأكبر حاليا في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن الزيادات الأكبر منتظرة في آسيا والشرق الأوسط، بحسب دراسة أعدتها مؤخرا شركة «أوليفر وايمان» للاستشارات.
وسلمت «إيرباص» 19 في المئة من طائراتها التي تم إنتاجها عام 2020 إلى الصين، أي أكثر من تلك التي تم تسليمها إلى الولايات المتحدة، وهو اتجاه يستبعد أن يتغير.
وفي العديد من الاقتصادات الناشئة حيث تتوسع الطبقة الوسطى، بات السفر جوا متاحا لعدد متزايد من الناس.
وقال «مركز الطيران» (كابا) إنه «بين بلدان آسيا الناشئة، تعد ببساطة القدرة على السفر جوا دوليا من أكبر الأهداف الطموحة»، وأشار إلى أن ذلك يمثل «مؤشرا على النضوج الاجتماعي والاقتصادي ويفسح المجال لتجارب كانت غير واردة بالنسبة للآباء». واستبعد المركز أن يشاطر هؤلاء الشعور المتزايد في أوساط بعض الغربيين حيال ضرورة تخفيف السفر جوا من أجل خفض البصمة الكربونية للفرد.
وقال «بالنسبة لهؤلاء المسافرين المقبلين، يعد مبدأ +الوصم بسبب السفر جوا+ أمرا مستغربا تماما على المستوى الشعبي».
وأضاف «بالنتيجة، يستبعد أن يلقى الوصم بسبب السفر جوا الكثير من الزخم في آسيا».
وانطلقت حركة «الوصم بسبب السفر جوا» أو كما يطلق عليها «فليغسكام» من السويد عام 2018 في تحد لزيادة رواج السفر جوا الذي ازدهر في أوروبا بفضل شركات الطيران المنخفض التكلفة التي جعلت السفر لقضاء عطل نهاية الأسبوع في أنحاء القارة متاحا بشكل أكبر بالنسبة للعامة.
وفي 2019، تراجعت حركة الملاحة جوا بأربعة في المئة في السويد، لكنها سجلت نسبا قياسية في أنحاء أوروبا، بحسب المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية «يوروكونترول». ويعتقد إيفالدي أن تداعيات الوصم بسبب السفر جوا ستكون ضئيلة على الأمد البعيد. وقال «هل تعتقدون حقا بأن شخصا يسافر على متن الطائرة مرة في السنة سيقول إن ذلك يتسبب بكثير من التلوث وسيتخلى بالتالي عن الأمر؟». لكن دولا مثل السويد بدأت إعادة استخدام القطارات الليلية لمنح المسافرين خيارات أكثر مراعاة للبيئة من أجل السفر.
كما تخفض فرنسا، التي تعزز كذلك استخدام القطارات الليلية لديها، الرحلات الجوية المحلية عندما يكون من الممكن القيام بالرحلة على متن القطارات في غضون أقل من ساعتين ونصف.
ويرى إيفالدي أن لا قيمة فعلية لهذه الخطوة نظرا إلى أن القطارات السريعة هي المسيطرة أساسا في سوق السفر عندما يتعلق الأمر بوجهات كهذه.
وتعهد قطاع الطيران خفض انبعاثاته الكربونية إلى النصف بحلول العام 2050، مقارنة مع مستوياتها في 2005.
ولدى شركات الطيران حوافز اقتصادية للقيام بذلك إذ أن استخدام طائرات مقتصدة في استهلاكها للوقود يساهم في خفض تكاليف التشغيل.