بوليس، أضحية وتضحية!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

في هذه الأجواء، التي تسود فيها أخبار العيد وانتظاراته، يكون الأفق مشدودا إلى الأضحية.
لا أحد فينا، اللهم إلا في ما ندر، ليس مشدودا، فرديا أو جماعيا، إلى هذه المناسبة..ليحدد مواقفه الإنسانية والاجتماعية، بناء على قدراته المادية.
ولعل المتفق عليه، بدهيا، هو أن الكثير من المواقف تقاس أو تتخذ، بناء على التعامل مع شروط العيد، خصوصا مع ظروف الجائحة التي تسد الكثير من المنافذ…
لقد اختارت الوظيفة العمومية صرف المستحقات قبل أوانها، لكل الموظفين العموميين.
ومن لا رقم تأجيري له، لا خبر له ينتظره.
وليس الموضوع مناقشة هذا القرار، ولا حيثياته، هناك قرار آخر، من طبيعة أخرى، وإن كان سياقه هو نفسه السياق الديني الطقوسي الاحتفالي.
والخبر جاءنا من جهة الأمن..ويمكن القول، منذ البداية، إن
المديرية العامة للأمن الوطني تقنعنا بالمفاجآت التي تجترحها في كل أفق انتظار، وعندما يتعلق الأمر بالبعد الاجتماعي خصوصا، أظهرت بالفعل قوة المبادرة التي أقدمت عليها، عندما خصصت منحة مالية استثنائية لفائدة أرامل ومتقاعدي موظفي الأمن الوطني، وذلك في إطار دعم الخدمات الاجتماعية التي تقدمها مؤسسة محمد السادس لموظفي الأمن الوطني بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك».
وحسب بلاغ المديرية فإن صرف هذه المنحة الاستثنائية، جاء «تنفيذا لتوجيهات المدير العام للأمن الوطني، القاضية بتدعيم الخدمات الاجتماعية المقدمة لأرامل ومتقاعدي الأمن الوطني، حيث تم تخصيص مبلغ 1500 درهم لفائدة 3500 أرملة و2000 درهم لفائدة 400 متقاعد من أسرة الأمن الوطني، ممن يتقاضون معاشات تقاعد تقل عن 2000 درهم في الشهر».
الواقع أن المبادرة لا تأتي في سياق معزول عن حكامة أمنية ذات وقع وتأثير واضحين في الحياة الخاصة لرجال الأمن من جهة وعوائلهم من جهة ثانية، وعلى أسرة الأمن عموما، في وضع شرس واستثنائي، يتطلب تمتين التماسك الاجتماعي لأسرة لها دور محوري في مغرب اليوم والغد.
لا تنتهي مهنة الأمن مع انتهاء خدمة رب الأسرة، أو وفاته، في أداء مهامه، نحن أمام رعاية مسترسلة، تجعل رجل الأمن المتقاعد، في جدول أعمال المسؤولين عنه.
لنقل إن ذلك استثناء في الوظيفة العمومية المغربية…، في مغرب تتولى فيه الأرامل رعاية الأسر في الغالب، وبنسبة عالية، نحن ندرج المبادرة الاجتماعية في منظومة تقوية النسيج الاجتماعي المغربي، في قلب الدولة وأذرعها الأمنية.
يجب الإقرار بأن السيد عبد اللطيف الحموشي، لم يربح فقط معركة الفعالية وتصليب الجهاز ووضعه في مرتبة دولية عالية، بل هو أعطى الوظيفة نبلها الأخلاقي من خلال مبادرات اجتماعية يلتفت إليها كل المغاربة، وتسري فيهم موجة امتنان واعتراف وأيضا كطمأنينة، لأن حياة رجل الأمن لها علاقة وطيدة بحياتهم واستقرار الأسر الأمنية فيه الكثير من الاستقرار العام، أضف إلى ذلك أن الأمن مركز تقاطع كل الطبقات الاجتماعية الشعبية.. إنه نسيج كامل في البنية الاجتماعية .
قد كان كافيا ربما استعمال قاموس الامتنان والتعبيرات التي يرددها المغاربة مع كل من يتولى أمور الأرامل والمحتاجين ومن هم في وضع انتظار
كانت تكفي عبارة «ولد الناس» مثلا، لوصف سلوك المدير العام ، غير أن الامر أعمق وأكبر حيث تأتي هذه المبادرة ذات الطابع الاجتماعي والإنساني، في شبكة قراءة واعية وواقعية لا ينفصل فيها الأمني عن محيطه بمجرد تقاعده أو يغيب عن رادار الجهاز بمجرد موته، وحسب البلاغ، فإنها مبادرة «في سياق تنزيل التعليمات الملكية السامية القاضية بالنهوض بالأوضاع الاجتماعية لأسرة الأمن الوطني قاطبة، ممارسين ومتقاعدين، موظفين وذوي الحقوق».
يبقى أن السيد عبد اللطيف سيحقق ضربة معلم بتسوية وضعية من يتقاضون معاشا أقل من ألفي درهم للشهر.
فهذا مبلغ زهيد، مهما كانت مستحقات الأسر، التي يعيلها المتقاعد، ومساهمات الأبناء في دعم الصندوق العائلي كل شهر.
اليوم هذا أقل من الحد الأدنى للأجر، في حين أن الواقع أكبر وأكثر استعصاء…
هذا دفاع سيستجاب له، لأنه دفاع عن أطر وموظفي الأمن من هذا المستوى الاجتماعي الضعيف للغاية، بمعايير الحياة اليومية حاليا..
لقد استحق البوليس الذي قدم تضحيات مهمة لبلده هدية الأضحية أوالمساعدة عليها، ولعل الجذر اللغوي، يفيد الاشتقاق في المعنى، فالتضحية هي أساس الأضحية، وما الأضحية إلا تعبير رمزي للامتنان تعويضا عن التضحية…
وأعتقد أن المكانة الرمزية للعيد في أذهان المغاربة سيكون لها تأثير في المكانة الرمزية التي ستنالها المديرية والمدير عبد اللطيف الحموشي في سلم الدلالات المعنوية لهذه المبادرة..
لعل آخرين يتخذونها مناسبة لكي يتبعوا هذه الأسوة الحسنة!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 14/07/2021