البرنامج الانتخابي والالتزام السياسي
مصطفى خولال
شكلت قوى اليسار في التاريخ الحديث للمغرب، وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي، الثروة الفكرية التي أثرت تأثيرا بالغا في المشاريع السياسية المتصارعة. وإذا كان هدف كل تنظيم سياسي يتمثل في تحقيق التأثير على سياسات الدولةـ العمومية، فإنه لا يمكن إنكار الآثار الإيجابية التي تعود الأفضال فيها إلى حزب الاتحاد. ويكفي لتبيان هذه الآثار استرجاع التاريخ الجمعوي للمغرب، والوقوف على الجهات التي كانت وراء تشكل ونشاط تلك الجمعيات وهي، بالحصر، ترتبط ارتباطا عضويا بأحزاب الحركة الوطنية التي كان الاتحاد دوما في طليعتها.
واليوم، لم يعد للجمعيات نفس ذلك الأثر الذي عرفته في عقود خلت، فقد أحدثت الثورات المعلوماتية وتقنيات التواصل الجديدة أساليب جديدة، ترتبط بالفضاءات الجديدة التي أضحى لها الأثر الفعال في التأثير على الرأي العام، ومن ثمة التأثير على السياسات العمومية للدولة، ولذلك يصح القول اليوم إن الحزب الاتحادي مطالب بأن يوظف بمنهجية مضبوطة، وبذكاء تفرضه طبيعة المتلقي الجديد، تلك الأساليب والفضاءات الجديدة. إنه سيحكم على كل حزب بالضعف في مجال التواصل إذا هو لم يلجأ إلى التقنيات العصرية في التأطير والتوعية والتواصل. ذلك أن أدوات جديدة هي الأكثر تأثيرا اليوم من كل الوسائل المعهودة، والتي أمست تقليدية وتكاد تكون متجاوزة، وخاصة في ما يتعلق بترويج الأفكار والتصورات بين من يؤمنون بأثر الانتخابات في تشكل الواقع الاقتصادي والسياسي في بعديهما الاجتماعي والثقافي.
لقد كان اليسار المغربي في العقود الماضية، مشتلا وطنيا للأفكار والتصورات، وفي تساوق معها، شكل مشتلا للبرامج الانتخابية إلى درجة أن الأحزاب الأخرى لا تقوم بأي جهد في هذا الباب ولا تعمل سوى على استنساخ برنامج الحزب الاتحادي مع تغيير بعض العناوين تغييرا شكليا، أو تحوير بعض الفقرات التي لها مساس بما هو إيديولوجي محض.
في التجربة الانتخابية لعام 2007 وضعت أمامي البرامج الانتخابية لسبعة أحزاب غير يسارية، كم كانت دهشتي كبيرة حين وقفت على شبه – تطابقها، وازدادت دهشتي وأنا ألاحظ كونها مستنسخة من برنامج واحد لم تكن هناك صعوبة تذكر لكشف أنها منقولة عن البرنامج الانتخابي لحزب الاتحاد الاشتراكي. وتفسير الأمر في غاية البساطة، ذلك أن معظم مكونات النخبة المفكرة والمثقفة والمنتجة للأفكار تنتمي للتيار اليساري الواسع، في حين تعاني باقي الأحزاب فقرا ملحوظا في هذا الجانب. ولعل هذا ما جعل الناخب الذي لا يعرف العزوف عن المشاركة في الاقتراعات بجميع أصنافها، يعطي أهمية بالغة للمسطر من البرامج، وذلك علما من هذا الصنف من الناخبين أن البرنامج، فضلا عن كونه التزاما سياسيا، هو بمثابة عقد أخلاقي بين طرفين، الناخب والمنتخب.
صحيح أن الناخب أصبح يفضل النظر في الشخص المرشح، كي يعتبر نزاهته، أخلاقه، كفاءته، وفاءه بالرغم من الصعوبة البالغة في تكوين أحكام تخص هذه الصفات. غير أن هذا لا يعني أن البرنامج غير ذي أهمية. بل العكس هو الصحيح، ذلك أن البرنامج باعتباره التزاما سياسيا وعقدا أخلاقيا يتحول إلى فرض يبقى الفائز في الاقتراع مطالبا بتنفيذه مثلما هو مطالب بالمحاسبة عليه وبتقييم أدائه أمام المواطنين. وتأكيدا لهذا النهج شهد ويشهد التاريخ في المغرب أن اليساريين وحدهم عملوا على تقديم الحساب للمواطنين ونشروا في منشورات كما في أقراص مدمجة نتائج عملهم، وذلك احتراما منهم للمواطن وللمواطنة، ذلك أنه لا يكفي تسطير برنامج لأن الحملة الانتخابية تقتضيه، بل يتعين الحرص على تنفيذه باعتباره التزاما سياسيا وفرضا أخلاقيا.
الكاتب : مصطفى خولال - بتاريخ : 24/08/2021