خطاب ثورة الملك والشعب: البناء الديموقراطي لمواجهة تحديات الخارج
نوفل البعمري
خطاب ثورة الملك والشعب لهذه السنة، الذي جاء قبيل تنظيم الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، والتي تأتي في ظل سياق متحول تطبعه مواجهة المغرب لتهديدات خارجية جدية تريد استهدافه واستهداف مختلف مؤسساته الوطنية الأمنية، قدم ربطا جدلياً بين مهام استكمال البناء المؤسساتي في إطار الاختيار الديموقراطي كاختيار ثابت من الثوابت الوطنية، وبين مهام مواجهة مختلف التحديات الخارجية التي تستهدف الوحدة الترابية والوطنية للمغرب من طرف قوى أوروبية لم تتخلص بعد من عقليتها الاستعمارية، ولم تعي بعد أن المغرب قوي بمؤسساته، وبتاريخه الممتد لقرون وبتلاحم العرش والشعب، هذا التلاحم متجدد، ينتقل من جيل لجيل.
لقد جعل الخطاب الملكي من علاقة بناء مؤسسات وطنية قوية ومواجهة تهديدات الخارج، علاقة ذات ترابط جدلي تجَسَّد في مقدمة الخطاب، خاصة عندما ربط بين الانتخابات وبناء مؤسسات قوية ومواجهة هذه التهديدات الخارجية في قوله إن »الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها وإنما هي وسيلة لبناء مؤسسات ذان مصداقية، تخدم مصالح المغرب،وتدافع عن قضايا الوطن. إننا نؤمن بأن الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية، وهذا هو سلاحنا للدفاع عن البلاد، في وقت الشدة والأزمات والتهديدات.
وهو ما تأكد بالملموس، في مواجهة الهجمات المدروسة، التي يتعرض لها المغرب، في الفترة الأخيرة، من طرف بعض الدول، والمنظمات المعروفة بعدائها لبلادنا.« هذه الفقرة التي جاءت ما بين مقدمة الخطاب والحديث عن العلاقات الخارجية والتحديات الكبيرة التي طُرحت على المغرب تعتبر المفتاح الأساسي لكل ما جاء في باقي متن الخطاب من مواقف خارجية، سواء تعلق الأمر بألمانيا، التي أشار إليها الخطاب عند حديثه عن بعض الدول التي« قدمت توصيات بعرقلة مسيرة المغرب التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالا بين البلدان المغاربية، وهو ما سبق لتقارير إعلامية دولية أن أشارت إليه في تقديم تقرير ألماني يتحدث عن وجود تخوف من صعود المغرب وتنامي قوته بإفريقيا مقابل ضعف لدول الجوار، وهو ما يهدد التوازن المطلوب في شمال إفريقيا، وكان التقرير قد أشار إلى ضرورة عرقلة هذا التنامي القوي للمغرب كقوة حقيقية اقتصادية، تنموية، دبلوماسية، لذلك فقد استعملت كل الوسائل لضرب المغرب ومؤسساته الوطنية، خاصة منها الأمنية التي تقوم بعمل كبير حماية للأرواح وللأمن، داخليا وخارجيا، بشهادة العديد من الدول، التي قامت بالإشادة بالجهاز الأمني المغربي وعمدت، غير ما مرة، إلى تكريم المسؤول عن هذا الجهاز السيد عبد اللطيف الحموشي، وهو ما يفسر، كما أشار الخطاب، إلى طبيعة الاستهداف الذي تعرضت له المؤسسة الأمنية المغربية باعتبارها مؤسسة وطنية، خاصة في الحملة الأخيرة التي استُعملت فيها منظمات حقوقية ومؤسسات إعلامية لضرب الجهاز الأمني المغربي واتهامه باستعمال أدوات للتجسس ضد صحفيين لم تستطع الجهات، التي قدمت هذه الادعاءات، تقديم ما يثبت أكاذيبها، وهي اليوم في مواجهة القضاء الفرنسي بعد الشكاية التي قدمها المغرب في مواجهتها.
المؤسسات الوطنية القوية المبنية على التلاحم بين العرش والشعب، وعلى الاستحقاقات الانتخابية، التي جرت وستجري مستقبلا، هي التي جعلت المغرب يواجه الأزمة الأخيرة مع الجارة الإسبانية بشجاعة وقوة، وهي ما مكنته من قيادة حوار أشرف عليه الملك بشكل مباشر على أسس من »الوضوح، المسؤولية، الهدوء« مع إسبانيا، مراعاةً لمصالح كل بلد الحيوية وتجاوز كل ما يمكن أن يؤدي إلى التشويش على هذه العلاقة التاريخية بما يضمن استمراريتها، ومن أجل تدشين مرحلة جديدة وغير مسبوقة، في العلاقة بين البلدين، على أساس الثقة والشفافية والاحترام المتبادل والوفاء بالالتزامات«، وهي نفس الأسس التي تقوم عليها العلاقة المغربية الفرنسية.
خطاب ثورة الملك والشعب لم يجعل من بناء المؤسسات الدستورية والوطنية، ومن الانتخابات، غاية في حد ذاتها بل أداة في مسار الاختيار الديموقراطي الدستوري، ومنهجا دىموقراطيا لتجديد روح ثورة الملك والشعب، لمواجهة مختلف التحديات التي تواجه المغرب داخليا، وخاصة خارجيا، وتواجه مختلف دول شمال إفريقيا.
هذه المؤامرات التي تواجه بلدان المنطقة لا يمكن التصدي لها إلا بتعميق الخيار الديموقراطي في بلدان شمال إفريقيا وبناء تكامل اقتصاد قوي متكامل، ومواجهة جماعية لمختلف المؤامرات الخارجية.
كما أن الخطاب الملكي جاء لتأكيد ما ظل الملك يردده في مختلف خطبه منذ توليه للعرش، تأكيد على نوع من الحكم والتدبير القائم على البناء المؤسساتي والاختيار الديموقراطي في إطار الدستور.
الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 25/08/2021