أُنطولوجيا الجسد (41) : سوسيولوجيا الجسد

 

– سوسيولوجيا الجسد

ويقصد بها السوسيولوجيا الواعية للالتباسات التي تهددها.
يمكن لسوسيولوجيا الجسد الاستفادة من مقاربات عدد من العلوم (التحليل النفسي، الظاهراتية، الإثنولوجيا، التاريخ والاقتصاد) وأن يلتقي بها غالبًا في طريقه، وأن يستعمل معطياتها.
الفصل الرابع: حقول الأبحاث؛ الثوابت الاجتماعية والثقافية المنطقية للجسد
وقد جرى توضيحها من خلال مجموعة من الميادين:

تقنيات الجسد

يتعلق الأمر بكيفيات الفعل، مقاطع متعاقبة للسلوك، تزامنيات عضلية متواصلة للوصول إلى غاية معينة وباستحضار ذكرياته الشخصية، ومثال على ذلك التذكير بمتغيرات السباحة من جيل إلى آخر في أي مجتمع، وخصوصًا من ثقافة إلى أخرى، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نشاط المشي، الجري، طرائق الصيد …إلخ. ويقترح الكاتب تصنيفًا لتقنيات الجسد بحسب زاويا النظر المختلفة، بحسب كل من الجنس، السن، المردودية، وأشكال انتقال التقنيات.
أما (جوردن هيوس) فاقترح خمس مستويات للتحليل منها:
علاقة الوضعيات بالآلات، وبمختلف الأدوات المستعملة في الحياة اليومية أو المهنية.
علاقة الوضعيات بمعطيات الوسط البشري: ما هو إيكولوجي وثقافي واجتماعي.
مظاهرهم النفسية والطب عقلية.
المستوى السوسيوتاريخي لهذه الوضعيات عبر المساحات الجغرافية في أثناء اللقاءات الثقافية التي تشكل بدورها حقلًا شاسعا للدراسة.
المظاهر الإثنية التي تميز هذه الوضعيات:
الإيمائية: ويقصد بها استعمال الجسد في أثناء لقاء الفاعلين (طقوس التحية أو الوداع…. إلخ).
الإتيكيت الجسدي: يجري تعلمه كثيرًا عبر التربية غير النظامية من المحيط الاجتماعي وبشكل بسيط من التربية النظامية من المؤسسات الاجتماعية المختصة، وهكذا يبقى البعد الجسدي للتفاعل والمتجذر رمزيا، وخصوصًا ضمن المجموعة الاجتماعية المحيطة بالفاعل.
التعبير عن المشاعر: بيّن (مارسيل موس) في دراسته المعنونة «التعبير القسري عن المشاعر» ، أن العواطف لا تنتمي إلى سيكولوجيا فردية ولا إلى فيزيولوجيا غير مبالية، وحالما تظهر المشاعر من خلال الجسد، وتبرز من خلال السلوكات تصبح انبثاقات اجتماعية تفرض نفسها بمحتواها وبشكلها على أعضاء مجموعة تنتمي إلى وضعية معنوية. ومثال ذلك فذرف الدموع مرتبط بالألم، الفرح، التحية…إلخ.
الإدراكات الحسية: أشار (جورج زيميل) في عمله «محاولة في سوسيولوجيا الحواس” إلى أهمية الوساطة الحسية في التفاعلات الاجتماعية، قائلًا: “هناك فارق كبير بين أن نتبادل الأحاسيس، إذ لا يكتفى إطلاقًا بأن يكون محض قاعدة وشرطًا مشتركًا للعلاقات الاجتماعية، لأن كل حاسة تمنح بحسب خاصيتها الفريدة معلومات نوعية من أجل بناء الحياة الاجتماعية، وأن فروقات انطباعاتها كلها تقابلها خصوصيات وعلاقات اجتماعية».
الفصل الخامس: مجالات الأبحاث/ المتخيلات الاجتماعية للجسد
يمكن تطبيق سوسيولوجيا الجسد من خلال تأصيل إبستبيولوجي آخر يهتم أكثر بالتمثلات والقيم المرتبطة بالجسدية، التي تجعله خزانًا لا ينضب للمتخيل الاجتماعي.

1 – نظريات الجسد

يمكن تحديد علاقة الجسد بالفاعل الذي يحتويه (علاقات جسد/ عقل، عقل جسدية …إلخ) وأيضًا إبراز الأجزاء التي تكونه، ووظائفها المتبادلة، أي الفيزيولوجيا الرمزية التي تنظمها، وتحاول تسمية مكوناتها وعلاقاتها بالمحيط الاجتماعي الثقافي أو الكوني.

2 – مقاربات بيولوجية للجسد

حاول عالم الحشرات (إ. ويلسون) في كتابه «السوسيولوجيا: الخلاصات الجديدة» سنة 1975 بناء الأسس البيولوجية للسلوكات الاجتماعية كلها.

3 – الاختلاف الجنسي

بيّنت الدراسات أن الخصائص البدنية والفكرية والمهمات الموكولة إلى الجنس خاضعة لاختيارات ثقافية واجتماعية، وليس لميول طبيعية تحدد مصير المرأة والرجل بيولوجيًا، ولهذا فوضع المرأة والرجل مبني اجتماعيًا، وليس جسديًا، وهذا ما تؤكده «سيمون دي بوفوار»: «لا تولد نساء، بل يصبحن كذلك، وكذلك بالنسبة إلى الرجل». أي إن الثقافة الاجتماعية هي التي تحدد السلوكات الخاصة بالمرأة من الخاصة بالرجل.

4 – الجسد سند للقيم

من خلال عدّ الوجه من بين مناطق جسم الإنسان كلها الأكثر تكثيفًا للقيم العالية، حيث يتبلور الإحساس بالهوية، وعبره ينشأ التعرف إلى الآخر وتترسخ مزايا الإغراء وتمييز الجنس …إلخ، ومن ثم فإن أي تشوه في الوجه يكدر حياة الإنسان، وأحيانًا يحرمه هويته، ويجعله يعيش مأساة، لكن بالمقابل فإن جرحًا قد يصيب مثلًا الساعد أو البطن أو الرجل فلا يؤثر في الإحساس بالهوية، «الوجه والعضو التناسلي هو المكان الأكثر أهمية والأكثر ارتباطًا بالأنا، والشخصية تتزعزع عندما يصاب أي واحد منهما».


الكاتب :   طلال المصطفى

  

بتاريخ : 30/08/2021