بالحرصِ نَفْسِه على هذا التقليد الشخصي، أحاول أن أقف الموقفَ نَفْسَه تُجاهَ مَهَامّي على رَأْسِ مجلس النواب في المملكة المغربية خلال الولاية التَّشْريعية العاشرة (2021-2016).
وهذه المرة، حاولتُ أَنْ أُشْرِكَ معي عددًا من أطر المجلس في تجميع المعطيات وفتح ما يشبه ورشةً من الحوار الجماعي حول عملنا وأدائنا ونوعية النتائج التي حققناها. وقد وجدتُ من الأصدقاء والزملاء في مجلس النواب روحًا سمحة من الإنصات والتفاعل، إِذْ أدرك الجميع معنى هذا التقليد، وبالخصوص أدركوا أَن ذلك من أجل الإِسهام في لَمْلَمَةِ عناصر ذاكرةٍ مشتركة وترصيد التجربة التي كانت جماعيةً بامتياز من أجل المزيد من فهم واقعنا السياسي في المغرب وتأمل سيرورة نضالنا الديموقراطي في أحد أهم أمكنة الممارسة الديموقراطية.
برامج التعاون الدولي والشراكة : 1
دعامة أخرى لتموقعنا الدولي
كان لي حرص شخصي على إنجاز برامج الشَّراكة في إطار التعاون الدولي، وذلك لإيماننا الجماعي في المجلس بدورها في تكريس انفتاح المجلس وتوفير المناخ الملائم للحوار السياسي والمؤسساتي مع مؤسسات تشريعية أخرى ومع تكتلات ومؤسسات سياسية وأخرى متخصصة، وتيسير تبادل الخبرات، والتعرف عن قرب على أنظمة وممارسات برلمانية أخرى، خصوصًا في بلدان ذات تقاليد برلمانية ومؤسساتية عريقة.
وعملنا خلال الولاية التشريعية العاشرة على مواصلة تأطير هذه الشراكة باتفاقيات ومذكرات تفاهم بهدف كفالة استدامتها ومردوديتها وحكامة تدبيرها، وأسسنا في ذلك على المنجز المشترك في إطار هذه الشراكة التي دشنها زملاؤنا السابقون.
وبالموازاة مع مواصلة إنجاز البرامج التي كانت قيد الانجاز خلال الولاية التاسعة، حرصنا على تحيين اتفاقياتٍ بشأن مواصلتها بمحتويات جديدة، وتوقيع اتفاقيات مع مؤسسات أخرى شريكة، حول موضوعات أخرى.
ويتعلق الأمر على وجه التحديد، بتوقيع اتفاقية تعاون جديدة مع الاتحاد الأوروبي في شأن إنجاز مشروع توأمة ثانية مع برلمانات وطنية في بلدان أعضاء في الاتحاد الذي يدعم هذا البرنامج، وبرنامج ثانٍ للتعاون، يدعمه الاتحاد أيضا، وننجزه مع الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.
ويدرك الأوروبيون منذ مدة أن بلادنا ومؤسساتها شريك أساسٍ صادق ومميز مستقر في جنوب المتوسط في مجال الديموقراطية ودولة المؤسسات. وقد قدَّروا دوما مكانة مجلس النواب المغربي في البناء المؤسساتي وفي تجسير العلاقات مع المؤسسات الأوروبية. وتَجَسَّدَ هذا التقدير في عدة مناسبات ومشاريع، كما أوضحنا ذلك في سياق سابق. وقد كانت التوأمة المؤسساتية (2016-2018) التي جمعت المجلس مع خمس مؤسسات تشريعية وطنية : الجمعية الوطنية الفرنسية ومجلس العموم البريطاني والبوندستاغ الألماني ومجلس النواب البلجيكي والبرلمان اليوناني، نموذجا للنجاح في هذا النوع من الشراكات المؤسساتية. وقد يَسَّرَ تبادل الزيارات السياسية والمهام التقنية بين مجلس النواب وهذه المؤسسات، مبادلاتٍ وحوارًا سياسيا على أعلى مستوى، وتم في إطارها إنتاج العديد من الدلائل العملية الإرشادية في مجال الممارسة البرلمانية، هي اليوم إرث يغني المكتبة البرلمانية ويضع بين أيدي البرلمانيين الممارسين والباحثين والموظفين البرلمانيين، وسائل عمل تم إعدادها على أساس دراسات مقارنة. وقد حرصنا على أن يتواصل الاشتغال في إطار هذه التوأمة، التي كان قد وقع عليها وأشرف على إطلاقها مع نظرائه الأوربيين زميلنا وصديقنا الرئيس راشيد الطالبي العلمي، بالإرادة نَفْسِها في ترسيخ الشراكة المؤسساتية مع هذه البلدان العريقة في الديموقراطية.
ويتعلق الأمر أيضا ببرامج مشروع الشراكة مع مؤسسة ويستمنستر للديموقراطية WFD (المملكة المتحدة) الذي أعطينا انطلاقة البرنامج الرابع منه في نهاية الولاية العاشرة.
ويعتبر التعاون مع هذه المنظمة التي تُعَدُّ الذراع المدني الدولي للبرلمان والحكومة البريطانية، جد مشجع وذَا مردودية عالية من حيث كثافته ومحتوياته ومنهجية إنجازه. وخلال الولاية العاشرة تم في إطار التعاون مع هذه المؤسسة إنجاز أكثر من أربعين فعالية ما بين زيارات رسمية ومهام دراسية وورشات تكوين وندوات متخصصة ثنائية ومتعددة الأطراف لفائدة الموارد البشرية بالمجلس، فضلا عن إنجاز عدد من الدراسات همت وظائف البرلمانات إلى جانب الموارد البشرية والتواصل وتدبير الدين العام وقضايا النوع الاجتماعي وانعكاسات جائحة كوفيد 19 على المجتمعات، وهي أعمال أنجزت على أساس الدراسة المقارنة.
وبذلك يتجاوز عدد الأنشطة التي نظمت في هذا الإطار المائة، عدا الدراسات التي تم إنجازها والتي تهم وظائف المجلس (الرقابة والتقييم) وآليات الدعم (الموارد البشرية) والتواصل والانفتاح وقضايا النوع الاجتماعي.
وإذ أثمن التعاون مع هذه المؤسسة ومع مجلس العموم البريطاني، أرى أنه من المفيد جدًّا مواصلته، ربما بمحتويات جديدة وذلك لعدة اعتبارات :
ترصيدًا للمنجز واعترافا بالنجاح المحقق وبفائدة ومردودية ما تم تحقيقه، إن مكن مجلسنا من الإطلاع عن قرب على ممارسات برلمانية ليس فقط في الفضاء الأنجلوساكسوني، ولكن على ممارسات خارج هذا الفضاء.
ينبغي أن نفيد بما أنجزناه، سَوِيًّا مع أصدقائنا البريطانيين، أصدقاءَنا في برلمانات وبلدان الجنوب خصوصا في إفريقيا والشرق الأوسط. وقد تم تدشين هذا التَّوجُّه من خلال التأطير المشترك بين مجلس النواب والمؤسسة لمهام دراسية ومشاركة خبراء من المجلس في مؤتمرات إقليمية ودولية مكنت أيضا من تقديم ممارساتنا الوطنية (تقييم السياسات العمومية – إعداد خطط المجالس البرلمانية – دور الاستشارة العلمية في دعم العمل البرلماني – الممارسة المغربية في مجال وإعمال المناصفة وتيسير ولوج النساء إلى البرلمانات).
فرص وإمكانيات التعاون التي يفتحها خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي للتعاون بين المغرب وهذا البلد، في المجالات السياسية والجيوستراتيجية والاقتصادية والثقافية، علمًا بأن البرلمانات، من خلال الدبلوماسية البرلمانية والتشريع والتعاون التقني، توجد في صلب هذا التعاون الذي ينبغي النهوض به بما يخدم العلاقات العريقة بين المملكتين المغربية والمتحدة.
وشرع المجلس في إِنجاز مشروع جديد للتعاون مع المعهد الوطني الديموقراطي الأمريكي (NDI) وهي مؤسسة غير حكومية مقَرَّبة من الحزب الديموقراطي الأمريكي، علمًا بأن برامج سابقة كانت قد أنجزت مع مؤسسات أمريكية مماثلة ومنها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والمعهد الجمهوري الأمريكي (IRI) المقرب من الحزب الجمهوري.
ويتعلق الأمر بمشروع لدعم وإعمال انفتاح المجلس على هيئات المجتمع المدني وتفعيل الديموقراطية التشاركية والمُوَاطِنَة خصوصا من خلال ورشات التكوين والتدريب، مركزيةً وترابيةً.
وثمة برامج أخرى ينجزها المجلس حول موضوعات متخصصة من قبيل برنامج التعاون مع المدرسة الوطنية للإدارة العمومية بكيبيك بشأن تقييم السياسات العمومية.
وعمومًا، تعتبر مردودية برامج التعاون والشراكة الدولية بالنسبة إلى مجلس النواب، بالغة الأهمية، فهي إلى جانب ما تيسره من حوار مؤسساتي وتبادل للخبرات وتواصل بين أعضاء وموظفي المجلس مع نظرائهم في مؤسسات أخرى، تساهم في تهييء المناخ للحوار السياسي وللتفاهم مع مؤسسات في بلدان صديقة من خلال تبادل الزيارات بين السلطات السياسية بالبرلمانات والمهام الدراسية، وتنظيم مؤتمرات وندوات مشتركة حول مواضيع وقضايا راهنة.
إن الأمر أكبر من أن يُختزَل في دعم مادي أو مالي، (على أهميته)، فهي آلية تشبيك Réseautage وترسيخ علاقات، وبناء ثقة وصداقات، وتواصل إنساني، وعمل في الميدان، وتعرف على الممارسات والتقاليد الديموقراطية، مما يجعل الروابط أكثر استدامة وصدقا وبما يعزز الشفافية والحكامة.