الذاكرة الشخصية والحق التاريخي

عبد الحميد جماهري

تدبير القضية الوطنية في مذكرات مولاي المهدي العلوي..

مضت قرابة ثلاثة عقود،عم يرويه مولاي المهدي العلوي بخصوص تدبير ملف قضيتنا الوطنية، في الفترة التي كان له توكيل متابعتها في ردهات الأمم المتحدة.
والمناسبة شرط، مع وجود الملف المغربي في فصله الأكتوبري السنوي، والذي يجعل المغرب نقطة الحديث في مجلس الأمن وقضيته ودفاعه عن مشروعية مطالبه فيها، نقطة في جدول الأعمال دائمة.
وهي مناسبة أيضا لقياس ما قطعته الديبلوماسية المغربية باتجاه الاحترافية والنجاعة والتنوع، وما مدى التغيير الذي حصل في تعامل الدولة والمجتمع مع هذا الملف الصعب والشائك، وفي نفس الوقت الطبيعي والمشروع.
في المذكرات إياها حديث غير يسير، عن مستوى الحرفية الذي كانت تمتلكه الديبلوماسية الأممية للمغرب، هو مستوى يتبين من خلال حادثة اللجنة الرباعية، وما عرفته من هواية في تقديم مذكرة المغرب، أن المهنية والمثابرة أبعد من أن تكون صفتين من صفات تلك الفترة.
القصة كما يرويها ممثل المغرب في الأمم المتحدة، استوجبت غضب الراحل الحسن الثاني، بل إن الملك الراحل ذهب أبعد من ذلك عندما تحدث عن غياب الروح الوطنية للبعثة في نيويورك.
وقد كان لافتا أن تكون الوفود في ثمانينيات القرن الماضي غير ملمة بدواليب العمل في اللجنة الرابعة وتقديم المذكرات، حتى أن الصدفة وحدها أنقذت الوفد، الذي قاده أحمد رضى كديرة في 1984، من ورطة حقيقية.
النقطة الأخرى والتي تعد مثيرة، هي علاقة الخارجية والداخلية بالملف.
فقد كان معروفا أن الوزير الراحل إدريس البصري، كان يستحوذ على كل شاذة وفادة من ملفات المغرب العربي، لكن لم نكن ندرك إلى أي حد كان ذلك يرمي بالوزارة المعنية، وهي الخارجية، إلى مصاف البطالة الوطنية، والعجز عن متابعة ما هو مسنود لها من مهام.
وفي المذكرات حديث عن عبد اللطيف الفيلالي، وعن شعوره بالخجل والعجز أمام نظرائه، وكيف كان يلجأ إلى سفراء الدول الأخرى للاطلاع على جديد القضية….
لقد أصبحت الديبلوماسية تلعب دورها بعيدا عن أية هيمنة موازية ترمي عليها ظلال التعتيم والدونية، وأصبحت لنا في الأمم المتحدة شخصيات وآلية بشرية من مستوى رفيع، تكشف الحضور المتزايد في كل قطاعات العمل الأممي، من المناخ إلى السلاح النووي مرورا بالمجالات الصحية والحقيقية التي يتبوأ فيها المغاربة مكانة بارزة وخاصة، بعيدة كل البعد عن زمن التلعثم والهواية، القريبة من الجهل.
وتلقي المذكرات أيضا أضواء موازية وجديدة على كيفية بناء العلاقات مع الأمناء العامين ووفود الدول، وسياقات القبول بالاستفتاء وبالتوتر بين الوطنيين، في القصر وفي المعارضة، حول مشروعية اتخاذ القرار.
لقد عشنا تحولات عميقة قد لا نقدر حجمها وعمقها إلا بالعودة إلى مذكرات شخصيات من قبيل مولاي المهدي العلوي، إذ عاصروا هذه التقلبات من داخل مختبر الأمم المتحدة.. والمنظمة الإفريقية وغيرها.
إن قضية حق تاريخي مثل قضية الصحراء، لا يمكنها أن تغفل ضرورة الحق في الذاكرة الشخصية بهذا الخصوص، والاستفادة منه في بناء الحجية الوطنية …
دروس لا تنتهي في الواقع!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 27/10/2021