قرار 2602: الحكم الذاتي خارطة الطريق الأممية

نوفل البعمري

 

صدر يوم الجمعة 29 أكتوبر القرار رقم 2602 من طرف مجلس الأمن الذي مدد سنة إضافية لبعثة المينورسو، وأعلن عن دعم سياسي واضح لعمل المبعوث الجديد الأممي للمنطقة ستيفان دي ميستورا ليستكمل المسار الذي تم الإنطلاق فيه مع جنيف 1 وجنيف 2، وهو المسار الذي أسس لصدور قرار 2548 في أكتوبر 2020 ووضع الأمم المتحدة على سكة الإعلان عن حسم التردد الأممي في نوعية الحل الذي تتبناه لطي الملف واعتمدت على جل المعايير السياسية لمبادرة الحكم الذاتي باعتبارها المبادرة التي تحضى اليوم بالإجماع الأممي وبالمصداقية لطي هذا الملف الذي عمَّر لأكثر من 45 سنة، وخلف وراءه ومازال ضحايا كُثر من المدنيين في مخيمات تندوف، ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الاٍنسان، والاستغلال البشع والحرمان من أبسط الحقوق المدنية والحياتية.
قرار 2602 الجديد، قرار نابع من كل التقدم المحرز والمنجز منذ أن قدم المغرب مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007 الذي حضي في ذات السنة بدعم أممي بحيث تم اعتماده انذاك كحل سياسي زاحم فكرة استفتاء تقرير المصير التي أصبحت مفتقدة لأية روح سياسية، كما نظرت إليها باعتبارها تصور بائد لا يمكن لها أن تحقق أية دينامية في الملف بإقرار من الأمم المتحدة ومجلس الأمن،لتتحول مبادرة الحكم الذاتي إلى خارطة الطريق السياسية الوحيدة لإنهاء هذا النزاع المفتعل وليتحول معها المغرب من دولة مبادرة إلى دولة قائدة و مؤثرة في الملف بشكل إيجابي و موجِّهة لمختلف عناصر الحل ولمختلف المناقشات التي تمت داخل الأمم المتحدة سواء باللجنة الرابعة أو مجلس الأمن نحو تبني صريح لمبادرة الحكم الذاتي، وقد برز ذلك في المناقشات التي تمت بعد صدور القرار 2602، ويمكن تقديم بعض النماذج لهذه المناقشات من خلال:
– فرنسا عبرت بشكل واضح ليس فقط عن دعم مسلسل التسوية السياسية بل عن دعمها العلني، الواضح والصريح للخطة المغربية السياسية المستجيبة لمعايير الأمم المتحدة والتي تحقق العناصر القانونية الموجودة في البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة حيث يُناقش الملف تحته.
– موقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي عبرت عنه عقب تصويت ها والذي ترجمت من خلاله اعترافها بمغربية الصحراء وطوت النقاش حول موقف إدارة بايدن سواء في مسودة القرار الذي قدمته أو عندما أكد سفيرها عقب التعقيبات التي تلت التصويت على القرار2602 بأنها مازالت تنظر لمبادرة الحكم الذاتي كمبادرة ذات مصداقية، وأنها الطريق السياسي الوحيد نحو حل النزاع.
– روسيا رغم تصويتها بالامتناع إلا أن مندوبها أعلن عن دعم بلاده لإنهاء النزاع على ضوء قرارات مجلس الأمن وخطة التسوية السياسية المبنية على الرؤية الأممية للنزاع، وطالبت بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وهي كلها قرارات داعمة للحل السياسي المغربي ولم تعترض على المباحثات السياسية التي سيطلقها ستافان دي ميستورا كما كانت تطمح لذلك الدولة الجزائرية، كما لم تتحفظ على مسار التسوية السياسية كما حددته الأمم المتحدة، ليكون تصويتها بالإمتناع عبارة عن اعتراض تقني/شكلي على الكيفية التي يتم بها صياغة القرار، ولا يتعلق أو يمس جوهر النزاع ولا موضوعه.
– الصين التي صوتت بنعم على القرار بدون أن تسجل أي اعتراض على أي من فقراته وهي بذلك تكون مدعمة للحل السياسي كما طرحه المغرب وكمل أصبحت الأمم المتحدة تتبناه.
– كينيا البلد الإفريقي الذي كانت تنتظر منه الجزائر أن ينضاف لروسيا ليصوت بالامتناع على الأقل، لكنها رغم حدة المواقف التي عبرت عنها أثناء عرض مسودة القرار الأمريكي للنقاش بالمجلس، وحديث بلسان النظام الجزائري في المجلس لمحاولة الضغط السياسي على المجلس، لكنها انتهت بالتصويت إيجابا على القرار مما شكل صدمة كينية للجزائر ولمليشياتها التابعة لتنظيم البوليساريو التي لم تجد ما تفسر به هذا التحول الذي شهده الموقف الكيني، بين الخطاب الذي سبق التصويت على القرار وبين انحيازها لدعم القرار ودعم انطلاق المباحثات السياسية وفق القرارات الأممية التي تجعل النظام الجزائري مسؤول أمام الأمم المتحدة كطرف أساسي، وعلى ضوء القرارات الصادرة منذ 2007 إلى الآن، وهو انقلاب سياسي إيجابي لكينيا.
هذه النماذج التي تم سياقها أعلاه لمواقف بعض الدول الخمسة عشرة التي ناقشت وصوتت على القرار، هي تعكس مختلف التقاطبات الموجودة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهي إن اختلفت في ملفات ونزاعات إقليمية أخرى، ففي ملف الصحراء فهي تلتقي مع الرؤية المغربية ومع الطرح الذي قدمه المغرب لطي النزاع، ولإنهائه بمنطق فيه روح ديموقراطية ويحقق الإجماع بالمنطقة، ويوحد الساكنة الصحراوية، الغالبية المطلقة المتواجدة بالأقاليم الصحراوية مع الأخرى الأقلية من ساكنة مخيمات تندوف المُجبر غالبيتهم المطلقة على البقاء في المخيمات باستثناء من باع نفسه لجنرالات العسكر الجزائري ممن هم يقفون عثرة حقيقية أمام الطي النهائي لهذا الملف من قيادة الجبهة والمنتفعين من الصراع وممن ينتمون لمناطق مجاورة لمخيمات تندوف مع مرور الوقت سطوا على تنظيم البوليساريو وأصبحوا في الصف الأول منه رغم عدم انتمائهم القبلي و الجغرافي لمنطقة النزاع.
الحكم الذاتي انطلق كفكرة قدمها المغرب للأمم المتحدة في لحظة كانت العملية السياسية مهددة بالانهيار الكلى، والمنطقة على حافة العودة لما قبل اتفاق وقف إطلاق النار بعد استقالة بيتر فان والسوم التي أعلن فيها عن استحالة تنظيم الاستفتاء، إلى مشروع سياسي للحل أخذ مكانته ضمن القرارات الأممية منذ 2007 إلى أن وصل اليوم لاعتباره الحل الوحيد لطي الملف، هذا الملف الذي استنزف المنطقة واستنزف معها الأمم المتحدة التي أصبحت تهدر زمنها الأممي في نزاع محسوم للحكم الذاتي، لا ينتظر غير الإنتقال نحو تنزيله في المنطقة. أمام هذا الوضع تظل الجزائر العنصر الوحيد المنفلت في المنطقة التي تتغذى على الصراع وعلى خلق التوتر في شمال إفريقيا ومنطقة جنوب الصحراء، والتي حاولت غير ما مرة وضع العصا في عثرة الأمم المتحدة كي لا تصدر هذا القرار بالمضامين السياسية القوية التي يوجد عليه اليوم والمنتصر للسلم والتعايش من خلال تبنيه السياسي المقترح المغربي، لتعلن الجزائر بعد فشلها في عرقلة صدور القرار 2602 ودفع الأمم المتحدة للإعلان عن انهيار مسلسل التسوية السلمي، لتعلن عن خروجها من العملية السياسية ككل تهربا من مسؤوليتها أمام الأمم المتحدة وأمام المنتظم الدولي، هذا الوضع حان للأمم المتحدة أن تتعامل معه بالجدية المطلوبة وتأخذ بعين الاعتبار وبكل جدية كل ما تقوم به الجزائر من مناورات لشل العملية السياسية ولعرقلة عمل ستافان دي ميستورا خدمة لأجندتها في المنطقة، وهو ما سيطرح تحدي كبير أمام المبعوث الجديد الأممي و يُنتظر منه أن يكون حازما مع هذا النظام الذي بات يحتضر سياسيا ويريد دفع كل المنطقة للحرب من أجل أن يُخرج نفسه من غرفة الإنعاش، وتحدي فرض احترام تطبيق القرار الأممي هذا التحدي يفرض اليوم إعلان الدولة الجزائرية كنظام خارج المشروعية الدولية ومسؤول عن أي انزلاق أو أعمال عدائية يتم القيام بها في المنطقة من طرف مليشيات البوليساريو مادامت تنطلق من أراضيها.
مبادرة الحكم الذاتي أصبحت اليوم الحل السياسي الوحيد باعتراف أممي،و بإقرار من مختلف الدول صاحبة حق الفيتو بمجلس الأمن التي أعلنت عن دعم الخطة الأممية لإنهاء النزاع، وهي الخطة التي تتبنى الحكم الذاتي كخارطة طريق سياسية، وحيدة باعتبارها المستجيبة للمعايير التي أقرها مجلس الأمن والمستجيبة للمعايير الأممية التي تم وضعها لإنهاء هذا النزاع،معايير تدفع في اتجاه التوصل لحل سياسي، واقعي، قابل للتطبيق، يتسم بروح ودينامية جديدة ومتوافق بشأنه.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 01/11/2021