المعارضة شرط للديمقراطية

 

نجحت أحزاب المعارضة في مجلسي النواب، وفي وقت قياسي، في توحيد صفوفها، وتقدمت بتعديلات عميقة في ما يخص قانون المالية الذي لم يأت بجديد، ولم يحقق حتى الحد الأدنى من شعارات الحملة الانتخابية.
مساهمة المعارضة جاءت لوقف زحف أغلبية ببرنامج نيوليبرالي متطرف يفتح مجال «النهب» للشركات والمنعشين العقاريين والمضاربين من الحيتان الكبيرة التي تسير في فلك الحكومة؛ كما جاءت للدفاع عن تنزيل نموذج تنموي جديد كان ثمرة توافق وطني وبتوجيه ملكي. غير أن الحكومة المعتمدة على الأغلبية لم تعر اهتماما للأمر اهتماما، وكأن لا النموذج التنموي المتوافق عليه صار في خبر كان.
ثم إن نقطة نظام المعارضة التي تهم إشكالية خطيرة تمس في الصميم عمل مجلس النواب ودوره الدستوري في مراقبة الحكومة، من خلال تغييب جلسة الأسئلة الشفوية في جلسات الدورة الجارية، كشفت المستور لأن الأغلبية تستمر في استغلال حالة الطوارئ الصحية لضرب حق المعارضة في الرقابة على الحكومة، خاصة أن الأسئلة الشفوية والكتابية مازالت معلقة إلى إشعار آخر، إذ تكتفي الحكومة وأغلبيتها ببرمجة أسئلة محورية تخصص لقطاع واحد …
أضف إلى ذلك أن أرقام قانون المالية التي فضحتها المعارضة لا تستجيب لتوجه الدولة العادلة والقوية، لأن الفئات الوسطى وفقراء الشعب كان نصيبهم وافرا من الوعود الفارغة والكلام المعسول، فتحول شعار إحداث 250 ألف منصب شغل إلى مجرد برنامج من برامج «التنمية البشرية» حيث نص التوجه الحكومي على أن مناصب الشغل ستكون في التشغيل الذاتي (غرس الأشجار وبناء ملاعب القرب…).
لقد حرصت المعارضة التي يمثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أكبر حزب داخلها، على الدفاع عن المكتسبات الشعبية بطموح كبير، خاصة أن الحكومة الجديدة، ورغم أن السنة المالية المنصرمة جيدة رغم الإكراهات، إذ حققت نسبة نمو لم تضعها الحكومة الحالية ضمن أهدافها في تناقض كبير بين الشعارات والآليات المرصودة.
ويظهر أن عمل الحكومة الحالية سينصب على محاربة المعارضة عبر احتكار الإعلام العمومي وتوجيهه لصالحها، وكذا استخدام الإعلام الذي يجري في فلكها ويجد لها الأعذار، وذلك للتغطية على اشتغال الحكومة بشكل يخالف الدستور والقوانين التنظيمية، عبر سلب حق من حقوق المعارضة في مراقبة مجلس النواب، وذلك بالاستيلاء على منصب محاسب المجلس الذي خوله القانون للمعارضة بغرض التوازن وشروط المحاسبة والمراقبة، مما يعني أن المعارضة، اليوم، لا تحاسب ولا تراقب المجلس النيابي.
أضف إلى ذلك تخصيص وقت قصير جدا للمعارضة برمتها، في حين تتحدث الحكومة وأغلبيتها داخل مجلسي النواب مع بعضهما وكان المعارضة مجرد مصدر للإزعاج ينبغي عدم الاكتراث، وهذا أسلوب خطير يضرب سمعة المؤسسات الدستورية، مما يؤدي إلى وهي إحباط المواطنين المثقلين والمتعبين بالزيادات اللاشعبية والقرارات الارتجالية المتوحشة.
إن الحكومة، تحاول، وهي تمعن في هذه الأساليب اللاديمقراطية، إشعال الحرائق في الوقت الذي هي مطالبة بالالتزام بشرعية الإنجاز والبناء، لأن الوضع صعب، والخروج من تداعيات كورونا لن يكون إلا باعتبار الوطن ومصالحه العليا أولا وأخيرا .
إننا نسجل فشل الأغلبية المتغولة، إلى حدود الآن، في الاتفاق على استكمال التشكيلة الحكومية، إذ مازالت الهندسة ناقصة في غياب كتاب الدولة التي قالت إنها ستعلن عنهم، والراجح أن المشكلة في اقتسام «الوزيعة» ليس إلا .
ولا يجب أن ننسي أن الأغلبية التي ولدت بشكل غير طبيعي ضد منطق صناديق الاقتراع مشمولا بالتوجهات والوعود التي وثقتها نفسها بالصوت والصورة للناخبين والرأي العام، لم تنجح حتى الآن في الاتفاق على ميثاق عمل يفترض أن يكون هو أساس التحالف الحزبي والبرلماني والحكومي، بل إن هدا التحالف وزع، وحتى قبل ميلاده وبشكل قسري، المؤسسات المنتخبة من جهات ومجالس إقليمية وجماعات ومجلسي النواب وغيرها، دون ميثاق مسبق. فبأي معيار وأي اعتبار تمت الوزيعة؟
على الأغلبية أن تعلم أن الأحزاب هي الوليد الشرعي للديمقراطية، فلا يمكن وصف بلدٍ ما بأنه ديمقراطي إذ لم تكن فيه أحزاب وتنظيمات سياسية.
فمن الطبيعي أن تتنافس الأحزاب فيما بينها للوصول إلى السلطة لتحقيق برامجها الانتخابية. وبالعادة، فعندما يفوز حزب أو تحالف أحزاب بالانتخابات، فإنها تشكل الحكومة لتتولى الأحزاب خارج التحالف مهمة المعارضة لها، وهذه المعارضة التي لا ينفي أي أحد أنها مهمة وضرورية جداً لدورها الحيوي في تصحيح مسار الحكومة، فلا ديمقراطية حقيقية بدون وجود المعارضة التي تعتبر دعامة من دعائم النظام الديمقراطي وعنصرا أساسيا فيه..


الكاتب : محمد الطالبي

  

بتاريخ : 13/11/2021

أخبار مرتبطة

أفادت وزارة النقل واللوجستيك بأن الموانئ المغربية سجلت عبور حوالي 1.9 مليون مسافر و447 ألف سيارة في كلا الاتجاهين برسم

  غادرنا نهاية الأسبوع الشاعر الزجال، النورس الجريح وزجال الهامش المنسي، عبد الكريم الماحي بعد أن أتعبه “تحتحيت السؤال” ولم

  فاز فريق الرجاء الرياضي على مضيفه الحرس الوطني من النيجر بهدفين لواحد، في المباراة التي جمعتهما أول أمس السبت،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *