تشير الصفقة القياسية التي عقدتها الإمارات لشراء 80 مقاتلة فرنسية من طراز «رافال»، إلى تبدل ميزان القوى في الخليج بحثا عن شركاء جدد، بمواجهة خفض الولايات المتحدة مدى انخراطها في المنطقة.
وأوضحت نائبة رئيس معهد المتوسط والشرق الأوسط للبحوث والدراسات أنياس لوفالوا في باريس أن «دول الخليج، وخصوصا السعودية والإمارات، تدرك أنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على الأمركيين كما من قبل» ولا سيما منذ وصول الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير.
فالولايات المتحدة التي أصبحت أول دولة منتجة للمحروقات في العالم بفضل احتياطها من الغاز الصخري، خفضت إلى حد كبير اعتمادها على الخليج كمصدر للطاقة، وانعكس ذلك على انخراطها العسكري في المنطقة.
وقالت أنياس لوفالوا «رغم أن دول الخليج تملك الكثير من المعدات، إلا أنها تشعر أنها في موقع ضعف، فتقضي وقتها تشتري ضمانات من شركاء يمكنهم طمأنتها وطمأنة الذين يستثمرون فيها أيضا».
ووقعت الإمارات العربية المتحدة الجمعة اتفاقا بقيمة إجمالية قدرها 16 مليار يورو لشراء 80 طائرة «رافال» من الجيل الجديد، ما يجعل منها أكبر زبون في الخارج لشركة «داسو» للطيران الفرنسية، متقدمة على قطر والهند ومصر.
وتهدف الصفقة إلى استبدال 60 طائرة من طراز «ميراج 2000-9» حصلت عليها الإمارات في عام 1998.
وأشار فرنسوا هايسبور المستشار الخاص لدى معهد البحث الاستراتيجي في باريس «يريدون أن يكونوا الأفضل تجهيزا في المنطقة، مع طائرة «إف – 35» من الجانب الأمريكي، واختيار «رافال» من الجانب الأوروبي.»
مقابل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في سبتمبر 2020، حصلت أبوظبي على اتفاق مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لشراء 50 طائرة «إف- 35» لاستبدال أسطولها من طائرات «إف – 16» الأمريكية.
غير أن المفاوضات مع واشنطن حول هذا العقد الضخم بقيمة 23 مليار دولار الذي يشمل أيضا طائرات مسيرة من طراز «ريبر»، لم تفض إلى عقد بعد، ما يثير استياء أبوظبي.
ولفت فرنسوا هايسبور إلى أن «شراء طائرات «رافال» الـ 80 يندرج في سياق سياسة النفوذ والقوة الإقليمية التي تعتمدها الإمارات».
فهي مصممة على إثبات موقعها بمواجهة السعودية وكذلك قطر، خصمهما الكبير في شبه الجزيرة العربية الذي سيستضيف كأس العالم لكرة القدم عام 2022.
ورأت أنياس لوفالوا أن «ثمة إرادة في التحرر من الوصاية السعودية، وإثبات أنها لاعب أكثر استقلالية مما كانت من قبل، وأن لها مصالحها الخاصة».
ففي حين امتنعت السعودية عن التقارب مع إسرائيل إزاء معارضة الرأي العام لذلك، أقدمت الإمارات على تطبيع علاقاتها مع الدولة العبرية ما فتح الطريق لتعاون عسكري هام.
كما تدعو أبوظبي إلى اعتماد سياسة تقوم على خفض التوتر في المنطقة، بما في ذلك حيال إيران.
وقال أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان «علينا أن نغير نموذج المواجهة المفتوحة» الذي كان سائدا في العقود الماضية، مقرا بأن الولايات المتحدة «لن تحافظ على الالتزام ذاته في المنطقة» إلى ما لا نهاية.واعتبرت إيما سوبرييه الخبيرة في معهد الدراسات للشرق الأوسط في واشنطن أن «عقد طائرات رافال يؤكد أيضا على العنصر الجوي الطاغي للقوة العسكرية الإماراتية».
شاركت الإمارات من خلال طيرانها في التحالف الدولي الذي حارب تنظيم الدولة الإسلامية إلى جانب الغربيين في ليبيا عام 2011، وهي تقدم منذ ذلك الحين دعما عسكريا للرجل القوي في الشرق الليبي المشير خليفة حفتر.
وباختيارها طائرات «رافال»، تؤكد أبوظبي أيضا شراكتها الإستراتيجية القديمة العهد مع فرنسا التي تملك ثلاث قواعد عسكرية في هذا البلد.
وقالت إيما سوبرييه إن «هذا يؤشر إلى منعطف جديد محتمل، يترسخ بشكل حازم في علاقة مع فرنسا».
ويأتي ذلك في وقت تتزايد نقاط التوتر بين أبوظبي وواشنطن، حول صفقة طائرات إف – 35 إنما كذلك تقارب الإمارات مع الصين، الخصم الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة.
وقالت الخبيرة العاملة في واشنطن إن «الصين شريك تجاري هام للإمارات العربية المتحدة… وبدأ شق دفاعي يتعزز» بين البلدين.
ولفتت إلى أن الإمارات زودت قواتها بطائرات مسيرة مسلحة صينية من طراز وينغ لونغ، كما «يجري البحث عن بناء قاعدة صينية، ما يشكل خطا أحمر حقيقيا» لواشنطن.
إيران تتهم فرنسا بـ «زعزعة استقرار» المنطقة
اتهمت إيران فرنسا بـ «زعزعة استقرار» المنطقة من خلال بيع أسلحة لأخصامها دول الخليج، بعد ثلاثة أيام من توقيع باريس عقدا بمليارات اليوروهات مع الإمارات يشمل بيع 80 طائرة مقاتلة من طراز «رافال».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده للصحافة، «يجب ألا يتم تجاهل دور فرنسا في زعزعة استقرار» المنطقة.
وقال المتحدث الإيراني «نتوقع أن تبدي فرنسا مسؤولية أكبر: عسكرة منطقتنا غير مقبولة والأسلحة التي يبيعها (الفرنسيون) هي أصل الاضطرابات التي نشهدها».
وجاءت هذه التصريحات في وقت يزور مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان طهران للقاء مسؤولين إيرانيين.
وقال خطيب زاده «نشهد بيع أسلحة بقيمة عشرات مليارات الدولارات للدول العربية في الخليج فيما تعقد اجتماعات مكثفة حول صواريخنا».
وندد الأوروبيون والولايات المتحدة مرة جديدة الشهر الماضي بـ»الأنشطة المزعزعة للاستقرار» التي تقوم بها إيران في المنطقة بما يشمل «استخدام ونقل صواريخ بالستية وطائرات مسيرة» لميليشيات مسلحة حليفة.
ورفض خطيب زاده طلب فرنسا «إشراك» دول المنطقة «للمضي قدما» في المحادثات حول النووي الإيراني.
وكان الرئيس الفرنسي صرح «لا يمكننا معالجة مسألة النووي بدون معالجة المسألة الإقليمية، ولا يمكننا إحراز تقدم بدون إشراك أصدقائنا في المنطقة».
ورد خطيب زاده على ذلك بالقول إن «فرنسا تعرف جيدا أن هذه التصريحات ليس لها أساس قانوني ولا عقلاني».
وبعد خمسة أشهر من توقفها، استؤنفت المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني في العاصمة النمسوية في 29نوفمبر بين إيران والدول التي لا تزال طرفا في الاتفاق، لكنها علقت من جديد منذ الجمعة.
وفي 2015 أبرمت إيران وكل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا، اتفاقا بشأن برنامجها النووي أتاح رفع الكثير من العقوبات التي كانت مفروضة عليها، في مقابل الحد من أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها.
إلا أن مفاعيل الاتفاق باتت في حكم اللاغية منذ عام 2018، عندما انسحبت الولايات المتحدة منه أحاديا في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وأعادت فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران.
وردا على ذلك، بدأت إيران العام 2019 بالتراجع تدريجيا عن تنفيذ الكثير من التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق.
اردوغان يعمم
العرض التركي
ومن جهته، أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن رغبته في تطوير علاقات انقرة مع دول الخليج «من دون تمييز» قبل أن يسافر إلى قطر في زيارة امتدت يومين، وأكد خلال مؤتمر صحافي في اسطنبول قبل سفره إلى الدوحة أنه سيواصل «تطوير العلاقات مع إخواننا في الخليج من دون أي تمييز، في إطار مصالحنا المشتركة والاحترام المتبادل.»
وأضاف «نرحب بإعادة فتح الحوار والجهود الدبلوماسية لتجنب سوء التفاهم في منطقة الخليج».
وكان اردوغان استقبل في تنوفمبر ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أنقرة في زيارة فتحت صفحة جديدة بين البلدين تكللت بإعلان إماراتي عن إنشاء صندوق استثمار بعشرة مليارات دولار لدعم الاقتصاد التركي.
وبدأ التوتر بين تركيا والإمارات العربية المتحدة منذ سنوات، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد إردوغان في يوليوز 2016، واتهم الرئيس التركي آنذاك الإمارات بالمساهمة فيها، ووصف بن زايد بأنه «العدو الأكبر لتركيا».
في 2017، زاد تدهور العلاقات بعد الحصار الذي فرضته الإمارات والسعودية ومصر على قطر، حليفة أنقرة.
لكن الرئيس التركي الذي يجد نفسه معزولا على الساحة الدولية على خلفية مواقف عدة مرتبطة بأدائه الداخلي في مجال حقوق الإنسان، والملفات العديدة المفتوحة بينه وبين أوروبا، يسعى الى التقرب من القوى الإقليمية، ولو المنافسة له.
وقال اردوغان «إن الحصار والعقوبات المفروضة على قطر رفعت منذ مطلع العام. في الوقت الحالي، عاد التضامن بين دول الخليج».
وأعلن أيضا أنه سيزور ابو ظبي في فبراير . والتقى وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الاثنين نظيره القطري قبيل زيارة أردوغان للدوحة.ولفت الوزير التركي إلى أن الوضع في افغانستان وإدارة مطار كابول كان بين مواضيع البحث خلال اللقاء.وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن الثاني إن «قطر وتركيا تعملان بشكل مستمر مع حكومة طالبان في أفغانستان للتوصل إلى اتفاق لتشغيل المطار».