أصبحت الدروس الخصوصية، أو كما يسميها البعض الدروس الإضافية أو “السوايع” عند الغالبية، شرا لا بد منه أو”سنة مؤكدة “، للعديد من التلاميذ وأسرهم.
فماهي الأسباب والمسببات التي حولتها إلى دروس لا يمكن الاستغناء عنها ؟
يعتقد البعض أنها تكميلية للدروس التي يتلقاها مجموعة من التلاميذ نهارا بمؤسساتهم العادية، سواء أكانت عمومية أو خصوصية، ويعتقد الآخرون أنها ليست فقط لكسب مزيد من المعارف والمعلومات لتقوية مهاراتهم، بل لأنها توفر سبل النجاح خاصة لتلاميذ الأقسام الإشهادية، فيما ترى فئة ثالثة أنها حين تعتمد على الدروس الإضافية المسائية، فإنها تكون بذلك قد قامت بواجبها، كآباء وأمهات، على أكمل وجه .
وإذا كانت هذه أهم الأسباب والمسببات التي ساعدت على انتشار هذه الدروس الخصوصية، وجعلت منها المنقذ الخاص والوحيد لشريحة مهمة من الأسر المغربية، فإن الواقع الحقيقي يؤكد غير ذلك، على اعتبار أن الدروس العادية حسب الزمن المدرسي لا تعوض مساء وفي زمن ومكان بعيدين كل البعد عن جو التحصيل ووقته، بالدروس الخصوصية بالإضافة إلى أنها غير مراقبة تربويا، وأمنيا، وصحيا، ولا تخدم بأي حال من الأحوال مصالح التلاميذ، بقدر ما تخدم مصالح الأساتذة المدمنين عليها وأصحاب العديد من المؤسسات التعليمية الخصوصية الذين يستأجرون فضاء مؤسساتهم لبعض محترفي هذه الدروس العاملين بها، الذين كون بعضهم تكتلات استطاعت، من خلال استمراريتها، أن تستقبل أعدادا مهمة من التلاميذ، خصوصا وان هؤلاء الأساتذة اعتمدوا في دروسهم على كيفية إنجاز الامتحانات وليس على كسب مزيد من التعلمات لإغناء ثقافة التلاميذ ومعلوماتهم، على عكس الدروس التي يتلقوها في مؤسساتهم العادية وفق برنامج محدد الأهداف ويساير الزمن المدرسي.
مجموعة من تلاميذ السنة الثانية بكالوريا في حديثهم للجريدة، أكدوا أن شبح الامتحان الوطني وهزالة معدلات الامتحان الجهوي تدفعهم إلى البحث عن أي شيء تتقوى به حظوظهم للظفر بشهادة البكالوريا . فلم يجدوا سوى هذه الدروس، رغم أنها تكلف أسرهم الشيء الكثير، في حين هناك تلميذات وتلاميذ يبحثون عن مؤسسات بارزة أو أسماء أساتذة ذاع صيتهم في بعض المواد بين التلاميذ من أجل الظفر بمقعد، وذلك من أجل الرفع من معدلاتهم برغم مستواهم الجيد رغبة في ولوج معاهد بعينها والتي تتطلب معدلات مرتفعة . هذا إضافة إلى التنافس غير الشريف بين الأقارب والجيران، إلى غير ذلك ، وهو الشيء الذي أكده، للجريدة، العديد من الأمهات والآباء .
وفي السياق ذاته لابد من الإشارة إلى أن الوزارة المسؤولة عن القطاع وعبر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين والمديريات الإقليمية تنظم دروسا للدعم بالمستويات الثلاثة (الابتدائي والإعدادي والثانوي التأهيلي )، وبدون مقابل، أيضا وفي إطار الشراكة مع المجتمع المدني، خاصة شركاء المنظومة التعليمية وفي مقدمتهم جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، من خلال تنظيماتها، كالفيدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بالمغرب وبتمويل من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، هناك تجارب ناجحة في مشاريع تخص دروس الدعم ومحاربة الهدر المدرسي، وخير نموذج على ذلك الشراكة المبرمة بين المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وعمالة مقاطعة عين الشق، والفرع الإقليمي للفيدرالية الوطنية لجمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ بعين الشق، خلال الموسم الماضي وأيضا هذا الموسم. وهناك تجارب مماثلة في عمالات وأقاليم أخرى. وقد يلجأ بعض الأساتذة، الذين يستدرجون تلاميذ الأقسام التي يدرسونها نهارا، إلى الضرب بعرض الحائط بكل مبادئ تكافؤ الفرص حين يمنحون بكل سخاء النقط لتلامذة أقسامهم بطرق يجيدون استعمالها، رغم أن هناك مذكرات وزارية تربوية تمنع منعا كليا تقديم الدروس الإضافية المؤدى عنها من طرف الأساتذة لتلاميذتهم ..كما أن الوظيفة العمومية تمنع مزاولة أي عمل مدر للدخل لجميع موظفيها …
ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة أجرى الملحق التربوي لجريدة الاتحاد الاشتراكي لقاء مع مجموعة من المهتمين بالشأن التربوي التعليمي وبعض التلاميذ ومؤطرين تربويين وإداريين، حيث أكد في البداية
(أ – م) ، مفتش متقاعد لمادة علمية، أن هذه الدروس لا تستند إلى قانون وأن أساتذة الدروس الخصوصية يشتغلون دون أي ترخيص، (فقط بالنوار)، وغالبا يعملون في أوقات خارجة عن الزمن المدرسي المسموح به، إما ليلا أو في أوقات العطل، وبالتالي ليس هناك لا رقيب ولا مراقبة، وحتى المؤسسات التعليمية الخصوصية التي تفتح أبوابها ليلا لهذه الدروس لا تتوفر على ترخيص، مركزيا، جهويا، أو إقليميا، ولا حتى إشارة واحدة من بعيد أو قريب، ولا حتى دفتر تحملات يبيح لها ذلك !
ورغم كل هذه الخروقات الواضحة، يضيف المتحدث، لم نسمع عن أي تحرك لوقف هذا النزيف الذي يضرب في العمق منظومتنا التعليمية، وكلما طرح سؤال في هذا الاتجاه لا نسمع سوى: “لسنا مسؤولين بعد الزمن المخصص للدراسة يوميا”!!؟ وكأنهم بذلك يشيرون إلى أن المسؤولية تقع على السلطات المحلية .
والغريب في الأمر، يردف مفتش التعليم، أن العديد من التلاميذ المدمنين على هذه الدروس هم من أبناء مسؤولين في العديد من القطاعات، وهو ما يجعل هذه المؤسسات وأساتذتها محصنين وبعيدين عن كل مراقبة، أو أي شيء من هذا القبيل!!
من جهته أكد (س – ع)، وهو أستاذ من الجيل القديم، أن الانخراط في هذه الدروس يضرب بكل قوة مبدأ تكافؤ الفرص ببن التلاميذ. فهناك العديد من الأسر المغربية لا تستطيع مساعدة أبنائها المتعثرين والمحتاجين للمزيد من التحصيل اليومي والمراجعة لقلة وضعف مدخولها، وبالتالي لا يستطيع أبناؤها مجاراة أبناء الطبقات الاجتماعية الأكثر دخلا، الذين بإمكانهم الاستفادة الكلية من هذه الدروس، وذكر نفس المتحدث أن المستفيد الأول والأخير هم منظمو الدروس الخصوصية.