نظم أزيد من 500 عامل وعاملة بشركة ” سيكوميك ” وقفة احتجاجية أمام القصر البلدي تزامنا مع انعقاد دورة استثنائية لجماعة مكناس دعا لها عامل عمالة مكناس، رفع خلالها المحتجون شعارات منددة بالأوضاع الاجتماعية المزرية التي باتوا يعيشونها جراء عدم تأدية أجورهم ومستحقات الصناديق الاجتماعية ثم إغلاق المؤسسة في وجههم. وحمل العمال مسؤولية غض الطرف عن مطالبهم المشروعة إلى السلطات الإدارية والحكومية على حد سواء، كما وجهوا رسائل إلى ممثليهم في المؤسسات المنتخبة من بينهم رئيس وأعضاء جماعة مكناس.
وحسب المحتجين فهذه الوقفة مجرد إنذار لمن يهمه الأمر لأن السيل بلغ الزبى ولم يعد بمقدور العاملات والعمال تحمل الصبر الذي طال أمده ويتوقف بمسكنات من حين لآخر لذر الرماد في العيون لتحويل الأمر إلى نزاع شغل وهو أعمق من ذلك.
كل شيء بدا حين تم نقل أو تفويت الحق التجاري للمؤسسة الإنتاجية ذات الجودة العالية في صناعة الملابس إلى شركة فرنسية سنة 2016؛ لتنطلق معاناة العاملات والعمال بعدم تأدية أجورهم بصفة منتظمة، وعدم تأدية الشركة لواجبات الصناديق الاجتماعية على الرغم من اقتطاعها من أجورهم ليتم إغلاقها بدعوى الإفلاس سنة 2017 ، ويرمى بأزيد من 550 عاملا إلى الشارع.
وبعد سنة من الإغلاق شهدت خلالها شوارع الحاضرة الإسماعيلية سلسلة من الوقفات الاحتجاجية والمسيرات المنددة بالأوضاع المزرية التي هددت الاستقرار الاجتماعي والنفسي لمئات العائلات؛ بعد ذلك تدخلت الدولة لإعادة الأمور إلى نصابها وضخت جماعة مكناس ومجلس جهة فاس مكناس أزيد من 400 مليون سنتيم كما أعفت إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المؤسسة من الغرامات الجزائية الناتجة عن التأخير في الأداء مساهمة منها في إنقاذ الشركة.
وهكذا تمت إعادة فتح المؤسسة سنة 2018، وعلى الرغم من دعم الدولة لها ومضاعفة الدورة الإنتاجية للمؤسسة، لم تلتزم هذه الأخيرة بتسديد ما بذمتها تجاه الصناديق الاجتماعية من CNSS وتغطية صحية، ما يطرح أكثر من علامة استفهام خصوصا وأن الشركة المالكة ” Leo Minor “، الكائن فرعها بالبيضاء ومقرها باريس، لها صيت عالمي وليس في مصلحتها خدش صورتها، وهنا تتساءل إحدى العاملات ” لا يمكن أن يقبل العقل تملص مؤسسة من هذا الحجم العالمي مختصة في صناعة الملابس العسكرية وأن تدوس على سمعتها وشهرتها، إن لم تكن هناك أشياء أخرى مربحة ” ، وهنا تتدخل عاملة أخرى لتقول إن عدم الالتزام بتنفيذ الاتفاقات المبرمة مع الشركاء في المحاضر الرسمية من خلال التسويف والمماطلة؛ كان فقط من أجل ربح المزيد من الوقت لتزويد زبنائها ومنهم جنود فرنسا من جهة، ولبلوع 5 سنوات المدونة في عقد التفويت لترك المؤسسة للمجهول دون اعتبار للعاملات والعاملين الذين أفنوا عمرهم فيها ودون اعتبار للفصل 19 من مدونة الشغل، وسيتأكد ذلك مع سنة 2020 خصوصا مع جائحة كوفيد 19 حيث اشتغلت المؤسسة بطاقتها الاستيعابية ( 500 عامل وعامل )، كما استعانت بأزيد من 200 عاملة وعامل من القدامى لتتمكن من تزويد السوق المحلي والأجنبي بالعشرات من الطلبيات الخاصة بالكمامات، ليتضاعف حجم الإنتاج والأرباح بشكل كبير، إلا أن كل ذلك لم ينعكس إيجابا على الشركة، بل شرع مدير المؤسسة، الذي سيصبح بقدرة فاعل مالكا لها، في ما بعد، شرع منذ مدة في بيع ممتلكاتها من سيارات وشاحنات ومخزون الثوب الرفيع و”روبو Robot” الفصالة و…. إيذانا بالعودة إلى نقطة الصفر، وإظهار عدم قدرة المؤسسة على تسديد ما بذمتها للصناديق الاجتماعية وتصفية الشركة والتخلص من عمالها. وعلاقة بموضوع الصناديق احتضن مقر عمالة مكناس عدة اجتماعات بين الشركاء تم الاتفاق فيها على التزام المشغل بتنفيذ مضامين المحاضر الموقع عليها، إلا أنها بقيت حبرا على ورق ليبقى التسويف والتماطل والمراوغة سيد الموقف.
ولم يتوقف الأمر عند الصناديق الاجتماعية بل انطلق مسلسل آخر من الإجهاز على قوت العمال، وذلك بتأدية أجرة شهر شتنبر الأخير على دفعتين خلال متم شهر أكتوبر، فيما بقيت أجرة شهري أكتوبر ونونبر 2021 عالقة إلى حدود كتابة هذه السطور وتم إغلاق المؤسسة في وجههم.
الآن، وبعد مغادرة شركة” Leo Minor “، التي لم تعد تربطها أية علاقة مع شركة ” سيكوميك “، يتساءل أحد العمال ” من يصون القانون وخصوصا الفصل 19 من مدونة الشغل؟” من يحمي حقوق العمال ؟ من المسؤول عما يعيشه العمال من أوضاع اجتماعية مزرية أثرت نفسيا على أسرهم وخلفت مآسي وشتت أسرا وانقطع البعض من أبنائهم عن الدراسة وعجت المحاكم بالشكاوي نتيجة عدم تسديد واجبات الكراء والبقال ومستلزمات الدراسة والتطبيب التي خلفت أيضا ضحايا في صفوفهم.
الآن وشركة ” سيكوميك ” مدينة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يقارب ثلاث مليارات سنتيم، ولشركة التأمين الخاصة بأزيد من 200 مليون سنتيم وللجمارك بما يناهز 160 مليون سنتيم ولإدارة الضرائب بأزيد من 15 مليون سنتيم والوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء ب 36 مليون سنتيم، من يتحمل مسؤولية هذه الديون المترتبة على الشركة على الرغم من الأرباح التي تجنيها وجنتها بشكل مضاعف إبان الجائحة.
إنها مأساة حقيقية يتجرع العمال مرارتها بشكل يومي، وهي أيضا بمثابة قنبلة اجتماعية موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة وعلى الجميع تحمل مسؤولية ما يترتب عنها، وعلى الجهات المعنية التدخل لإيقاف النزيف أولا والعلاج ثانيا وفتح تحقيق في النازلة.