الاعتراف الأمريكي، زيارة فيشر للصحراء، والتقرير الأمني الأمريكي

نوفل البعمري

قد يكون من محض الصدف القوية أن يتزامن إعلان إدارة ترامب الأمريكية بالاعتراف بمغربية الصحراء ودعم مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية مع تخليد ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو تزامن يعطي صبغة ذات أبعاد ليست فقط سياسية لهذا الإعلان بل حقوقية كذلك، وما يرتبط من إسهام هذا الإعلان الأمريكي في إنهاء مختلف معاناة ساكنة المخيمات وطي الملف نهائيا بما سيسهم في وقف كل أشكال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الاٍنسان، هذه الانتهاكات التي تتخذ طابعا ممنهجا تمارسه الدولة الجزائرية على المدنيين العزل بمخيمات تندوف، خاصة منهم الفئات الأكثر هشاشة جندريا، وقبليا وسياسيا، ممن لا يتوفرون على أية حماية داخل المخيمات ويكون انتهاك حقوقهم جزءا من الممارسة الاعتيادية للدولة الجزائرية ولتنظيم البوليساريو، اللذين معا لم يعودا يتورعان عن القيام بعمليات إعدام خارج نطاق القانون، واعتداءات جنسية تتعرض لها النساء، ثم التجنيد القسري للأطفال وإخضاعهم لتدريب عسكري يعرض حياتهم للخطر، أضف لها أنها ممارسات تنتهك اتفاقية حقوق الطفل، التي تحظر استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة.
هذا التزامن ما بين الإعلان الأمريكي واليوم العالمي لحقوق الاٍنسان، أعطى له قوة رمزية كبيرة، تزامن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، واحتفال العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو تزامن يلخص طبيعة النزاع ووضعيته الحالية ارتباطا بوضعية حقوق الإنسان في المخيمات والانتهاكات الكبيرة والخطيرة لحقوق الإنسان، خاصة منها الحقوق الأساسية من جهة، وارتباطه بالأجوبة السياسية التي من خلالها سيتم حل هذا النزاع وحسمه لصالح مبادرة الحكم الذاتي، الذي يحظى اليوم بدعم دولي وأممي كبير متنامي، بفضل مصداقية المغرب على المستوى الخارجي وجديته في التعاطي مع الأمم المتحدة وهيئاتها من أجل إنهاء هذا النزاع، ومعها كل معاناة الساكنة المقيمة بالمخيمات، هذه المعاناة التي لن تنتهي إلا بطي الملف على أرضية مبادرة الحكم الذاتي، التي اقترحها المغرب، والتي اعتبرها مجلس الأمن في قراره الأخير الصادر في أكتوبر 2021 عدد 2602 الذي تبنى بشكل نهائي الحل المغربي، الحل الأمثل لطي الملف.
الاعتراف الأمريكي أصبح بعد مرور سنة على صدوره مكسباً للملف داخل الأمم المتحدة وبالمنطقة، ليس فقط لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة القلم، الذي يعد مسودة القرار، الذي يتم عرضه على مجلس الأمن قصد مناقشته، لكن من خلال التأثير السياسي الإيجابي لهذا القرار على النزاع ككل، وعلى المغرب الذي أصبح اليوم يتحرك في المنطقة مع عدد من شركائه من منطلق قوة، أعطته ومكنته من الإعلان عن المواقف، التي عبر عنها مؤخرا، وهي مواقف تشير إلى التحول الذي تعيشه الدبلوماسية المغربية، هو تحول دبلوماسي جعل حضور المغرب في المنطقة إفريقيا، ومتوسطيا… يكون أكثر وضوحا، صرامة وطموحا، نحو بناء شراكات مماثلة للتي تجمع اليوم المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الأمني، الاقتصادي، السياسي ومنها الحفاظ على المصالح الحيوية لكل طرف.
الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إدارتها الجديدة فندت كل التوقعات التي كانت تشير وتروج لفكرة أن القرار الرئاسي، الذي وقعه ترامب، لن يحظى بقبول إدارة بايدن الديموقراطية، لكن الممارسة الدبلوماسية لهذه الإدارة اتجهت نحو تدعيم هذا القرار على مستوى خارجيتها إذ لأكثر من مناسبة ظلت تؤكد أن الموقف الأمريكي من الإعلان لم يتغير، كما أنها وفي إطار ملاءمة ممارستها التقنية مع هذا القرار قامت بإعادة تقديم خريطة المغرب في عدة مناسبات وبسفاراتها بالمغرب كاملة، بدون الإشارة للمنطقة «المتنازع حولها»، بل كلمة المندوب الأمريكي عند التصويت على القرار الأممي 2602 كانت واضحة في دعم بلاده للحكم الذاتي وفي رؤيته من الجانب الأمريكي كحل ذي مصداقية ويحظى بثقة الإدارة الأمريكية الجديدة.
كل هذه المواقف كانت مواكبة للإعلان الرئاسي الأمريكي، الذي من المؤكد أنه أغضب بعض اللوبيات المحيطة بالمغرب، ودفعتها لمنواشته في أكثر من مناسبة لمحاولة الضغط عليه، ولولا وضوح الرؤية المغربية لانتصرت هذه اللوبيات التي ترى في تقدم العلاقة والشراكة بين المغرب وأمريكا تهديدا لها لأنها تريد من المغرب أن يظل في موقف ضعف لابتزازه بنزاع الصحراء، وهو تهديد وابتزاز قد طواه المغرب، الذي يطالب بشراكة مماثلة لتلك التي تجمعه اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت مثالا يحتذى به على المستوى الدبلوماسي.
هذا التزامن بين الحدثين، ينضاف له تزامنهما مع حدثين قويين، يشيران إلى قوة العلاقة بين البلدين:
الأول: تزامنه مع زيارة وفد من السفارة الأمريكية يقوده المستشار السياسي بالسفارة دفيد فيشر ومستشار بمديرية الشؤون السياسية بالسفارة أمين مسعودي للصحراء، التقوا خلالها نشطاء حقوقيين من المنطقة، وهي زيارة ستكون مناسبة لتقوية الموقف الأمريكي في عهد إدارة بايدن، حيث اطلعوا على حقيقة الوضع حقوقيا في منطقة الصحراء، متجولين بكل حرية هناك، كما التقوا كل الأسماء التي أرادوا لقاءها والمتميزة بتنوع مواقفها، لكن ما سيكون قد لاحظوه ووقفوا عليه هو التحول الذي شهدته الحركة الانفصالية بالمنطقة، التي كانت تختبئ تحت يافطة حقوق الإنسان وأصبحت اليوم بوقا سياسيا من أبواق البوليساريو في المنطقة، وهو تحول سيكون قد تمت ملامسته من خلال المواقف، التي تم التعبير عنها، والتي تؤكد أن الحركة الانفصالية قد انتهت إلى غير رجعة، وهي نهاية تؤكد أن الانفصال بالمنطقة أصبح من الماضي، من ماضي المنطقة التي باتت منتصرة اليوم لفكرة الحكم الذاتي، وللوحدة الوطنية ولحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا، لا حركية «حقوقية»، مؤدى عنها، كما كانت تمارس من طرفهم.
ثانيا: تزامنه هذه السنة مع التقرير الأمريكي حول الأمن، وهو التقريرالذي كان قد أشاد بالدور الذي يقوم به المغرب على هذا المستوى، خاصة محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكان التقرير واضحا في التذكير بعمل المؤسسات الأمنية المغربية سواء «لاديستي» أو «لا جيد» في حماية المنطقة وتأمينها، ومحاربة كل أشكال الجريمة العابرة للدول والقارات، وهي إشادة اعتراف بالعمل، الذي تقوم به المؤسسات الوطنية الأمنية داخليا وخارجيا، وتمكنها بفضل جاهزيتها ويقظة نسائها ورجالها من تجنيب العديد من الدول ضربات إرهابية خطيرة، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فهذا التزامن مع ذكرى الاعتراف قدم إشارة إلى الشراكة التي تجمع البلدين سياسيا، دبلوماسيا وأمنيا، وبالتالي ثقة الولايات المتحدة الأمريكية في كل المؤسسات المغربية، التي تقوم بدورها كاملا في دفع المغرب لأخذ مكانته بين الأمم والشعوب.
سنة على هذا الإعلان، وعلى دعم سياسي كامل أمريكي للحكم الذاتي وتحرك الدبلوماسية الأمريكية بالمنطقة، والتقرير الأمريكي حول دور المؤسسات الأمنية المغربية…. كلها محطات تعكس التحول الذي شهدته المنطقة عموماً، والدبلوماسية المغربية خصوصا بقيادة الملك محمد السادس، الذي وضع أساسها الاستراتيجي في خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2015، والذي جددها مع خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2021.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 20/12/2021