جان جينيه دفين العرائش : الروائي الذي بدأ حياته لصا وأنقذه «سارتر» من السجن

على طريقة جان فالجان بطل رواية «البؤساء» للروائي الفرنسي فيكتور هوجو، أو «الخبز الحافي» كما في سيرة الكاتب المغربي محمد شكري، تجيء وقائع حياة الكاتب المسرحي والروائي الفرنسي جان جينيه، والذي تحل اليوم الذكرى الــ 111 لميلاده، حيث ولد في 19 دجنبر من عام 1910 وتركته والدته في ملجأ للأطفال مجهولي النسب، ولم يعرف من هو والده حتى بلغ الحادية والعشرين من عمره.
عاش جان جينيه حياة البؤس والتشرد منذ صغره، حتى أنه مارس السرقة والنهب، فحكم عليه بالسجن أكثر من مرة، والتي سجلها داخل السجن في كتابه «يوميات لص»، وقرأها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، فتحمس له وكتب عنه حتى استطاع أن يخرجه من السجن.

«الأسير العاشق» يرصد مجازر صبرا وشاتيلا

انتصار جان جينيه للمضطهدين والمهمشين سواء الأفارقة في القارة الأوروبية، دفعه للتضامن مع القضية الفلسطينية، ورصد مذابح صابرا وشاتيلا في العام 1982، في كتابه المعنون بــ»الأسير العاشق». وعن هذا الكتاب يقول الناقد إبراهيم العريس: هو الذي ذلك «النص – الشهادة» الرائع حول مجازر صبرا وشاتيلا. أما بالنسبة إلى قارئه الفرنسي، فإن جينيه هو ذلك الكاتب الذي عاش كالمتشرد، ومات وحيداً في غرفة فندق متواضع، والمؤلف الذي كرس أعماله كلها تقريباً للحديث عن المهمشين والضعفاء والمضطهدين في كل مكان.
ويلفت «العريس» إلي: وفي هذا الإطار كان كل نص يكتبه جان جينيه، وهو لم يكتب كثيراً على أية حال – بالكاد عشرة كتب كبيرة خلال خمسين عاماً – كان هذا النص أشبه بالفضيحة للسلطات والمجتمع. ففي كتاباته وقف جينيه، وهو الذي ارتاد السجن منذ شبابه، إلى جانب اللصوص والفقراء، مبرراً تصرفاتهم، ووقف إلى جانب الخدم ضد سادتهم، وإلى جانب الثوار الجزائريين ضد السلطات الفرنسية… ووصل به الأمر إلى أن يعلن مناصرته لثورة الفهود السود في أمريكا، ثم انتقل إلى تأييد الثورة الفلسطينية غير آبه بشتى أنواع الضغوط التي جابهته.
في ذكراه تعرف على أبرز مؤلفات الكاتب جان جينيه
عقب خروجه من السجن، وتعرف القراء الفرنسيين عليه بعد كتابة جان بول سارتر عنه، كتب جان جينيه العديد من المؤلفات سواء في الشعر أو المسرحيات، ومن أبرز أعماله نذكر: الجرح السري .. مرسم ألبرتو جياكوميتي ــ أربع ساعات في شاتيلا ــ شعائر الجنازة ــ الخادمات ــ شعرية التمرد وغيرها.
أصبح «جينيه» أحد كبار الكتاب الفرنسيين، مما جعله يتخلى عن حياة السرقة والجريمة تماما، لتبدأ تلك الروح المتمردة حياة جديدة جعلته يرتبط مع العالم العربي عموما والمغرب على وجه الخصوص، وصار «جينيه» المترحل أيضا يعتبر أن جميع الأرض ملك له، ويحدوه قلق إنساني تجاه المعرفة والجمال.
انحياز جان جينيه للضعفاء والمضطهدين
في كتابها «جان جينيه.. صورة شخصية لرجل هامشي بامتياز» تقدم الكاتبة إيمان فاضل، سرد لنشاطات جينيه في المساندة الفعلية لقضايا إنسانية كبيرة منها قضية الزنوج والفصل العنصري بدعوة من منظمة النمور السود وهي جمعية لشباب أمريكي موالين للحزب الشيوعي الذي يناضل من أجل إقامة السلطة السوداء.كما تلفت مؤلفة الكتاب إلي تضامن جان جينيه مع قضية العمال المهاجرين عام 1971 والتصرفات العنصرية الرسمية ضدهم، إعلانه مساندته للنمور الحمر تأييدا للإتحاد السوفيتي ضد الولايات المتحدة.
وفي عام 1970 سافر جينيه إلى فلسطين بدعوة لمدة ثمانية أيام لكنه بقي لمدة عامين متنقلا مع الثوار ووصف تلك الفترة بأنها أجمل أيام حياته . شاهد المجزرة البشعة التي قام بها أرييل شارون ووصفها في كتابه «أربع ساعات في شاتيلا»: شاهد الأموات مفتوحي الأعين، وتلك الحفرة المليئة بالضحايا التي بقي يتأملها طويلا وظلت صورتها تبعث حريقا في جسده . قال جاك بريدا: «نص جينيه كان قبرهم الوحيد» .
انتهت رغبة «جينيه» في العزلة والابتعاد بعيدا عن صخب الحياة الثقافية الفرنسية إلى اختياره الإقامة الدائمة خارج فرنسا، وأين يمكن أن يقيم إلا في ذلك البلد الذي ارتبط به أغلب سنوات عمره، في المغرب لكن ليس في طنجة السياحية، بل في مدينة أصغر هي العرائش، على بعد 80 كم من طنجة، بطابعها المحلي الصرف، وروحها المغربية الواضحة، وبقي فيها حتى آخر عمره، وما بعد ذلك.
أراد الابتعاد عن صخب طنجة العالمية، إلى هدوء شرفات العرائش، حيث بإمكانه أن يطل على العالم بأريحية من هناك، في تلك المدينة كتب فيها كتابه الأخير، وأوصى أن يدفن فيها، حتى يبقى على شواطئ الوطن العربي الذي أحب، غير بعيد عن حدود فرنسا التي أنجبته.

 


الكاتب : عن»الدستور» بتصرف

  

بتاريخ : 21/12/2021