تونس بين الفخ الجزائري والعجز الذاتي
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
أثبتت الرئاسة الجزائرية، منذ مدة، بأنها مصابة بما كان السياسي التونسي محمد المصمودي، يسميه الالتهاب المغاربي/ الماغريبيت maghrébité، وهو «ذلك الالتهاب الذي يصيب دولة من المغرب الكبير فتدعو إلى الوحدة المغاربية وهي تعمل على إذكاء الاختلافات والفُرقة بين دوله»…!
وتتخذ المسلكيات الجزائرية في هذا الباب شكلين اثنين:
أولهما، »إسقاط الخلافات الداخلية، (سابقا داخل جبهة التحرير وحاليا داخل العسكر)، على الدولتين الجارتين…
وثانيهما، العودة باستمرار إلى القضية الحدودية التي ورثتها الدولة الوليدة عن حاضنتها فرنسا تبعا لمواضعات اقتصادية أو إدارية …أو فقط تبعا للمزاج، كما كتب الصحافي الشهير «جون لاكوتير» منذ 1962!!
هذه العقيدة نجدها في كل منعطف من منعطفات المنطقة ولا تختلف سوى تفاصيلها، كما هو حال القصة التي نحن بصددها.
والقصة اليوم تونسية…فقد توجهت الجزائر إلى تونس في ظرف صعب، لتستثمر في هشاشتها السياسية والاقتصادية، ولتأليبها ضد المغرب، مع تضخم في خطاب الوحدة والتحالف الإقليمي.
بدأت القصة تتضح مع زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لتونس في الفترة الأخيرة، والمال، يفسر جزءا كبيرا من الديبلوماسية، لا سيما بالنسبة لدولة تونس التي تعاني وضعا صعبا للغاية، فهي تعاني من عدم استقرار مزمن يعرقل انخراط الممولين الدوليين مع تضخم بنسبة 6 % وتدهور العملة بنسبة 8 % ونسبة نمو لا تزيد عن 0.6 %منذ عشر سنوات!
وتونس، التي زارها عبد المجيد تبون، ما زالت تنتظر 4 ملايير دولار من صندوق النقد الدولي لكي تستكمل إجراءات الميزانية للسنة القادمة.. في وقت أعلن فيه الصندوق المعني بتوصله بالطلب، وهو في طور الدراسة التقنية لـ «تحديد الأولويات الاقتصادية للبلاد»..وتونس التي زارها تبون بدأت في فقدان سيادتها مع صندق النقد الدولي، ثم تفقدها منذ مدة مع الدولة الجارة التي لا تتورع عن استغلال هشاشتها لإغراقها…
وتضاعفت التبعية عندما جمعت بينهما، وعندما قبلت «ضمانات سيادية» من دولة أخرى لكي تطلب القروض…
بدأت القصة أيام عبد العزيز بوتفليقة، وقتها وضع الرئيس الراحل، وتونس خارجة من حمام الثورة الياسمينية، مبلغ 100 مليون كوديعة ضمان لدى المؤسسات المالية تسمح لتونس الخضراء بالاقتراض، وعندما عجزت عن رد دينها، طلبت المزيد وكان أن أودع الراحل نصف المبلغ الصافي أي 50 مليون دولار.
وبدأت تثقل كاهلها، إلى أن وصلت إلى العجز عن السداد، وفي عهد عبد المجيد تبون، تدخلت الجزائر مرة ثانية في 2020 …
القرض الحالي البالغ 300 مليون دولار، يتخذ طابعا مخالفا، نوعا ما، لأن السياق يعطيه معنى آخر. وأول ما يثير فيه هو أنه تزامن مع الموقف التونسي في مجلس الأمن منذ شهرين، عندما امتنع ممثلها عن التصويت على القرار 2602 الذي كان في صالح المغرب.
هذا الموقف لم يجد له الرأي العام المغربي تفسيرا إلا بأثر بعدي… الدين جاء تبعا لمرسوم عدد 21 المؤرخ في 31 دجنبر 2021 المتعلق بالموافقة على البروتوكول المالي المبرم بتاريخ 9 دجنبر بين تونس والجزائر، وتبعا للديباجة الخاصة بهذا المرسوم المنشور في الرائد الرسمي للجمهورية (المقابل للنشرة الرسمية للمغرب)، فإن رئيس الجمهورية، بناء على المرسوم الرئاسي المؤرخ في 22 شتنبر، أصدر الأمر بالموافقة على البروتوكول المتعلق بقرض بمبلغ 300 مليون دولار أمريكي.
فالواضح أن المستندات التي اعتمد عليها القرار الرئاسي سابقة عن فترة التوقيع، ومنها ما يعود إلى ما قبل انعقاد مجلس الأمن في أكتوبر الماضي.
السياق الثاني يتمثل في محاولة استدراج الرئيس الفلسطيني إلى نفس الاصطفاف، في سياق معروفة تفاصيله اليوم ورسائله لا تخفى على أحد.
وإذا كان الفلسطينيون لم يجاروا عبد المجيد تبون في مسعاه العلني والواضح في مواقفه ضد المغرب، فإن الجزائر استطاعت استصدار بلاغ مشترك حول التوجه نحو ميلاد تكتل إقليمي جديد!
بعيدا عن ذلك فهناك اليوم في تونس الإفلاس المزدوج… فيما تشبه الجزائر، في منحها لقرض لتونس، رجلا مفلسا يمد سماطا للفقراء أمام خيمة بيته!
المفارقة الأخرى هي أن 300 مليون دولار ستجعل تونس مدينة لنظام على وشك الإفلاس، وعليه سيكون من المشروع طرح السؤال: كيف ستدبر علاقاتها مع جار لا يتورع عن ابتزازها بل وقطع الكهرباء عنها إذا ما عاندته؟
وإذا كان المال هنا يفسر جزءا من الديبلوماسية التقليدية للجزائر في ما كانت تطلبه من المواقف المدفوعة الأجر، فالوضع اليوم يستوجب الكثير من الأسئلة: هل يمكن لبلاد على شفا الهاوية وبلاد أخرى على شفا الانفجار أن يقتسما الأرباح أم سيقتسمان الهاوية فقط؟
هل تستطيع تونس دفع الأقساط المفروضة عليها،علما أن الرئيس بنى قراراته الأخيرة على وضع الانهيار الذي تعيشه بلاده لكي يفرض سلطته الفردية؟
هل الدولة التي عجزت عن رد دين 100 مليون دولار ثم دين 150 مليون دولار، قادرة على تدبير شؤونها لرد 300 مليون دولار الجديدة؟
هذه الأسئلة وغيرها لا نطرحها من باب التشفي بل لنقول إن أمر الشقيقة تونس يهمنا، وأن المغرب لا يستسيغ أن تظل تونس لقمة سائغة للجزائر…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 21/12/2021