البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات: التكوين المستمر للمدرس هو ما يمنحه مهارات وليس الشواهد العليا

مدرسو الرياضيات لحوالي%31 من تلاميذ الابتدائي حاصلون على بكالوريا أدبية

مدرسون لهم تكوين أدبي ويدرسون النشاط العلمي لـ 48 % من تلامذة السنة السادسة ابتدائي

 

نواصل في هذه الورقة تسليط الضوء على ماجاء في تقرير البرنامج الوطني لتقييم مكتسبات تلاميذ السنة السادسة ابتدائي والسنة الثالثة إعدادي، الصادر مطلع هذا الشهر، والذي كشف عن أرقام صادمة أماطت اللثام عن مدى تردي التعليم ببلادنا والمشاكل الكثيرة التي يتخبط فيها، وعن ضعف المستوى التعليمي للتلاميذ المستهدفين (36.808 تلميذ كانوا ضمن الفئة التي استهدفها البحث)، خصوصا في اللغات والرياضيات، ضعف أرجع البحث بعضا من أسبابه إلى المستوى الضعيف لبعض المدرسين أيضا، خصوصا في اللغة الفرنسية.
لا يختلف اثنان حول الدور المحوري والمتميز للمدرس في العملية التربوية، وحسب ما جاء في البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات، فإن فعل التدريس الذي يضطلع به المدرس، يعتبر توسطا مزدوجا، فهو من جهة أولى توسط علائقي وتنظيمي بين المدرس والتلميذ لتسهيل التعلم (العلاقة البيداغوجية)، ومن جهة ثانية توسط بين المعرفة والتلميذ من خلال التعاقد الديداكتيكي، لذا فمهنة التدريس، حسب نفس البرنامج، تستلزم بالإضافة إلى التكوين الأكاديمي والبيداغوجي مؤهلات شخصية ومهنية تسمح للمدرس بأداء وظيفته على أحسن وجه.

التكوين الأكاديمي للمدرسين وتأثيره على مكتسبات التلاميذ

وانطلاقا من هذه المعطيات الأولية حول مهنة المدرس ودورها الأساس في العملية التعليمية تساءل البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات للسنة السادسة ابتدائي والثالثة إعدادي إن كان للمستوى الاكاديمي للمدرسين المؤكد بالشواهد المحصل عليها من طرفهم مفعول على التعلمات في حالة ما إذا كان من الممكن أن نفترض أن هذه الشواهد المحصل عليها تشهد على التحكم في المواد المدرسة وتسهل نقل المعارف للتلميذ، ليخلص إلى أن مفعول شواهد الأساتذة يبقى هو نفسه بغض النظر عن كون الأستاذ أدمج في المهنة بمستوى البكالوريا أو حاصل على الإجازة او الدكتوراه.
وحده التكوين الأساسي والمستمر هو ما يمنح المدرس مهارات يمكنها ان تكون لها مفعول على تعلمات التلاميذ وليس الشواهد العليا (الماستر أو الدكتوراه) التي غالبا ما يتم الحصول عليها في مواد قليلة الارتباط بالتربية والتعليم، وهذه الشهادات عادة ما يتم الحصول عليها أثناء مسار المدرس وتنفعه بالدرجة الأولى في التفاوض على الترقي وتغيير الإطار.
كما خلص البرنامج إلى أنه لا توجد فروق حقيقية في المستوى الابتدائي في نتائج التلاميذ الذين يدرسهم مدرسون حصلوا على البكالوريا أو الإجازة وحتى بالنسبة لبعض المواد إذا كان مستواهم يتجاوز الإجازة، لكن الملاحظ بالنسبة للغة الفرنسية ان النتائج المحصل عليها من طرف التلامذة الذين يتوفر مدرسوهم على دبلوم السلك الثالث هي أقل بشكل واضح من نتائج تلامذة لديهم مدرسون مستواهم عند حدود الإجازة، وهذا التشخيص يطرح ، حسب البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات، جودة التكوينات الأكاديمية ويدفع إلى البحث عن الصفات الفعلية التي تشجع على التعلمات وتسهلها .
مثل ما هو الحال بالنسبة لمدرسي السلك الابتدائي، فإن مدرسي السلك الإعدادي لم يكن لهم عمليا أي مفعول على مكتسبات التلاميذ سواء توفروا على البكالوريا إو الإجازة أو حتى الدكتوراه.
وحسب ما كشف عنه نفس البرنامج فإن المستوى الأكاديمي لمدرسي ثلث تلامذة التعليم الابتدائي هو البكالوريا، في حين أن غالبية مدرسي السلك الثانوي الإعدادي هم مجازون، وتتراوح نسبة التلامذة الذين يدرسون عند مدرسين حاصلين على الإجازة بين 51 % و61% حسب المواد، في حين أن المستوى الدراسي لمدرسي تقريبا ثلث تلامذة السنة السادسة ابتدائي 28 في المئة إلى 34% حسب المواد، لا يتجاوز مستوى البكالوريا من ضمن المدرسين القدامى الذين التحقوا بمهنة التدريس بمستوى بكالوريا ولكنهم راكموا تجربة مهنية، بالمقابل فإن غالبية مدرسي السلك الثانوي الإعدادي هم مجازون مع بعض الفرق حسب المواد، وحسب نفس المعطيات التي كشف عنها تقرير البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات فإن ما بين 78 في المئة و85 في المئة من مدرسي اللغة العربية والعلوم(علوم الحياة والأرض والفيزياء والكيمياء) حصلوا على الإجازة، لكن هذه النسبة تقف عند حدود 69 و 58 في المئة على التوالي عند مدرسي اللغة الفرنسية والرياضيات. ولاحظ البرنامج أنه في التعليم الابتدائي هناك مدرسون لهم تكوين أدبي ويدرسون النشاط العلمي(48 في المئة أي نصف تلامذة السنة السادسة ابتدائي) ومدرسو الرياضيات لحوالي الثلث (% 31) حاصلون على بكالوريا أدبية، ونفس المفارقة تلاحظ في المواد الأخرى، حيث إن نصف تلامذة السنة السادسة ابتدائي لدى مدرسيهم بكالوريا علمية، نفس الملاحظة بالنسبة لمدرسي اللغة العربية لثلث التلامذة تقريبا.
إن إسناد تدريس مواد لمدرسين لا يكون مطابقا لتكوينهم لا يمكنه إلا أن يكون له اثار سلبية على جودة التعلمات اللغوية والعلمية للتعليم الابتدائي، ألا يكون توجيه المدرس نحو تدريس مواد غير مكون فيها مصدر الضعف الملحوظ في المكتسبات اللغوية والرياضية لتلامذة السلك الابتدائي. يتساءل البرنامج.

الولوج لمهنة التدريس

في ما مضى كان الولوج إلى مهنة التدريس يتم عبر تكوين تتراوح مدته ما بين سنة بالنسبة للحاصلين على الإجازة وسنتين بالنسبة للحاصلين على البكالوريا، وكان يتم بمراكز تكوين المعلمين بالنسبة للسلك الابتدائي ومراكز البيداغوجية الجهوية بالنسبة لمدرسي الإعدادي لكن ومنذ سنة 2012 أصبح تكوين مدرسي جميع أسلاك التعليم يتم في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين.
بالنسبة لمفعول نمط ولوج مهنة التدريس على مكتسبات التلاميذ يشير البرنامج إلى أنه باستثناء اللغة العربية فليس هناك أي مفعول فعلي على الأداء الدراسي للتلاميذ، لكن البرنامج يصل إلى حقيقة كون التلاميذ الذين يدرسهم مدرسون ينتمون إلى أطر الأكاديميات نتائجهم أقل نسبيا من نتائج التلامذة الذين يدرسهم أساتذة ولجوا مهنة التدريس بطرق اخرى. مفسرا ذلك بادماج مدرسين لم يكتسبوا التجربة الكافية أو يمكن إرجاعها، حسب نفس البرنامج، إلى الإضرابات المتتالية طوال السنة الدراسية التي تزامنت مع إنجاز الدراسة الميدانية (2019)أو أيضا إلى تراجع الحافزية العامة لدى المدرسين.
والملاحظ أن هناك عشر التلاميذ يدرسهم مدرسون من أطر الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين الذين استفادوا من تكوين قصير المدة بالمراكز الجهوية لمهن للتربية والتكوين والذين بدؤوا عملهم في سياق موسوم بالاحتجاجات على مبدأ التعاقد، وهكذا فإن مدرسي 4 في المئة من تلامذة السنة السادسة ابتدائي تم ادماجهم دون تكوين قبلي. أما في ما يتعلق بمدرسي السلك الثانوي الإعدادي فإن مدرسي علوم الحياة والأرض لـ43 في المئة من التلاميذ هم من خريجي المراكز البيداغوجية الجهوية ومدرسو 18 في المئة إلى 26 في المئة هم خريجو المراكز الجهوية و 11 في المئة إلى 24 في المئة من تلامذة الأعدادي هم من الأساتذة المتعاقدون.

إشكالية التكوين المستمر

للتكوين المستمر أهمية كبيرة في تجديد معلومات المدرس حول تطور التخصصات المدرسية والتكنولوجيات الرقمية المطبقة على التربية والتجديد البيداغوجي والديداكتيكي، كما يسمح للمدرسين بإغناء وتطوير كفايتهم المهنية، غير أن النظام التربوي، حسب البحث الميداني للبرنامج الوطني لتقييم المكتسبات، لا يمنح لأغلبية مدرسيه إمكانية تطوير كفاياتهم، وتظهر نتائج البرنامج الوطني إشكالية التكوين المستمر للمدرسين ونفس الأمر بالنسبة للذين استفادوا من التكوين الذين صرحوا أنه لم يكن له مفعول على أداء التلاميذ، الأمر الذي يسائل، حسب البرنامج، درجة أهمية هذا التكوين والقيمة التي تعطى لجودة التكوين المستمر ودوره في تقدم المسار المهني ومكانته في سياسة تطوير المكانة المهنية للمدرسين .
وهكذا أظهرت المعطيات أن التكوين المستمر لمدرسي اللغة العربية والنشاط العلمي لم يكن له مفعول إيجابي على تلامذة المستوى السادس ابتدائي بالمقابل سجل مدرسو اللغة الفرنسية والرياضيات فرقا يتراوح على التوالي بين 5 و6 نقط لفائدة التلامذة الذين استفاد مدرسوهم من تكوين مستمر طوال الخمس سنوات الماضية.
نفس الأمر بالنسبة لمدرسي التعليم الإعدادي الثانوي حيث لم يسهم التكوين المستمر في التأثير الإيجابي على مكتسبات التلاميذ .
وبالنسبة لمدرسي السنة السادسة ابتدائي الذين لم يستفيدوا من التكوين المستمر طوال السنوات الخمس الأخيرة فتبلغ نسبتهم ما بين 59 و 62 في المئة في حين صرح مدرسو 61 في المئة إلى 64% من التلاميذ حسب المواد، الذين استفادوا من التكوين، أنه لم يكن نافعا لا على المستوى المعرفي و لا على المستوى التربوي ولا على المستوى الديداكتيكي. أما بالمستوى الثانوي الإعدادي فقط ثلث المدرسين تقريبا هم الذين استفادوا من تكوين مستمر طوال الخمس سنوات الماضية .

الخبرة المهنية للمدرسين

أبرز البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات أن الخبرة التي يراكمها الأستاذ طوال سنوات التدريس تسمح له بتطوير ممارساته التربوية وتحسن جودة تدريسه. فالكفايات البيداغوجية والديداكتيكية والتواصلية تبنى وتزداد جودتها مع الممارسة في القسم، وأكد البرنامج أن تقوية المكتسبات تسمح للمدرس مبدئيا بمقاربة البرنامج الدراسي بمرونة أكبر من خلال التكييفات والتدقيقات والتصويبات، التي تفرضها الوضعيات حسب مستوى التلامذة المستهدفين، لكن ،يسجل ذات البرنامج، أن الأقدمية في المهنة يمكن ان تكون عائقا في بعض الحالات من خلال مقاومة أي تطور أو رفض التجديد وعدم المطاوعة في التكيفات التي تفرضها التحولات التي تطرأ على مهنة التدريس. وهكذا فإن مدرسي كل المواد الذين يتوفرون على 20 سنة من الخبرة يربحون أكثر على مستوى الفعالية أكثر من الأقل تجربة. والفارق بين أداء تلاميذ السنة السادسة ابتدائي الذين يدرسهم مدرسون لهم أقدمية تتراوح بين 30 و 34 سنة من الممارسة والتلاميذ الذين يدرسهم مدرسون لديهم أقل من 5 سنوات هو فارق بـ18 نقطة في اللغة العربية و12 نقطة في النشاط العلمي، وسجل البرنامج أنه باستثناء الرياضيات واللغة الفرنسية فإن التلاميذ الذين لديهم مدرسون لهم خبرة 30 سنة وأكثر حصلوا على أكثر من المعدل الوطني في كل المواد. وبخصوص أساتذة التعليم الإعدادي الثانوي فقد وصل البحث إلى نفس الملاحظة حيث أن تجربة 30 سنة من الخبرة لها أثر إيجابي على مكتسبات التلاميذ في اللغتين العربية والفرنسية.


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 23/12/2021