التلسكوب الفضائي الأضخم «جيمس ويب» يستعد لمهمة اكتشاف أسرار الفجر الكوني

أكدت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) ونظيرتها الأوروبية وشركة “أريان سبايس” للصناعات الفضائية، الأربعاء، موعد إطلاق التلسكوب الفضائي “جيمس ويب” على صاروخ “أريان 5” من قاعدة كورو في 25 ديسمبر بعد إرجاء الموعد مرات عدة.
وينقل الصاروخ مع شحنته، وهما موجودان حاليا في ملجأ داخل مبنى التجميع النهائي، إلى منصة الإطلاق، على ما أعلن مدير “أريان سبايس” ستيفان إسرائيل في تغريدة عبر تويتر
وكان إطلاق التلسكوب “جيمس ويب”، وهو الأقوى على الإطلاق، ثلاث مرات منذ وصوله إلى قاعدة كو الفضائية في غويانا الفرنسية في أكتوبر الفائت،وأرجئ الإطلاق مرة الأولى خلال التحضيرات للتلسكوب نهاية الشهر الفائت، فيما حصل ذلك مرة ثانية جراء مشكلة في الاتصال مع النظام على الأرض، والثلاثاء، تسببت “الأحوال الجوية المتردية” في تأخير الإطلاق مرة جديدة، وفق بيان لوكالة ناسا، وبني هذا التلسكوب، الجوهرة الهندسية الفائقة التعقيد، في الولايات المتحدة تحت إشراف “ناسا”، ويتضمن أدوات من وكالتي الفضاء الأوروبية والكندية
وقدم “جيمس ويب” على أنه خليفة التلسكوب “هابل” الذي أطلق في العام 1990، وستشمل مهمته اكتشاف مراحل الفضاء كلها بدقة عالية، وذلك حتى العصور الأولى للكون وتشكيل المجرات الأولى، وسيوضع في مدار حول الشمس على بعد كيلومتر ونصف كيلومتر من الأرض.
– يسود هدوء تام غرفة التحكم “جوبيتر” في مركز كورو الفضائي في غويانا الفرنسية، حيث أدت حوادث بسيطة وخصوصا الأحوال الجوية المتردية إلى إرجاء متكرر لإطلاق التلسكوب الفضائي المنتظر جيمس ويب حتى السبت.
ويقول المدير المساعد للعمليات والمهندس في المركز الوطني للدراسات الفضائية جان لوك ميستر “نحن متشوقون للحظة الإقلاع”، و”كل شيء بات جاهزا بانتظار حال الطقس”.
ويبدو أن الأرصاد الجوية تبشر بالخير على هذا الصعيد، بعد أيام عدة شهدت سقوط كميات كبيرة من الأمطار في الغابة الرطبة المجاورة.
لكن لا يمكن رؤية شيء من هذا كله في قاعة “جوبيتر” مع جدرانها الشاهقة التي تهيمن عليها شاشات تعرض عليها كل المعلومات التي تتيح تنسيق عمليات الإطلاق.
كذلك لا شيء يشي بأهمية الحدث المرتقب، أي إطلاق أداة إلى الفضاء استغرق إنجازها أكثر من ربع قرن بكلفة ناهزت عشرة مليارات دولار ويسود ترقب حولها في أوساط رواد الفضاء وخبراء الفيزياء الفلكية باعتبار أنها قد تحدث ثورة في طريقة مراقبة الفضاء.
ويقول رئيس المهمة لدى “أريان سبايس” برونو إرين إن “ثمة انخراطا خاصا في هذا المشروع الذي يمكن تلم س أهميته”، لكن الفهم لا يزال منقوصا نظرا إلى الحاجة لمزيد من الخبرة والتدريب على هذا الصعيد.
وسيكون التوتر ملموسا بلا شك السبت في صفوف المتفرجين والصناعيين والمسؤولين عن البرنامج، على رأسهم “ناسا” ووكالتا الفضاء الأوروبية والكندية. وسيكون الجميع أمام الشاشات لمتابعة الصور والتعليمات الواردة خلف الواجهات الزجاجية الثلاث التي تفصلهم عن باحة غرفة التحكم.
من حيث المبدأ، لا شيء من شأنه تأخير الإطلاق مجددا بعد إرجائه ثلاث مرات منذ وصول الأداة إلى كورو في أكتوبر الفائت. لكن ذلك لا يقاس مقارنة مع سنوات التأخير الطويلة التي تكبدها البرنامج بسبب تعقيده والتحديات الفنية التي واجهها.
وفي كورو، أدى حادثان بسيطان إلى تأخير الإطلاق، أحدهما بسبب التشغيل غير المتوقع على الأرض لنظام لانفصال الأداة من المفترض أساسا أن يحصل في الجو، ثم وقعت مشكلة ثانية في الاتصال مع النظام على الأرض، أما الإرجاء الثالث فحصل بسبب سوء الأحوال الجوية،
مع ذلك، يبدو أن شيئا لن يعيق اندفاع الصاروخ البالغة زنته 780 طنا إلى الفضاء، لكن الخطر الحقيقي يكمن في حصول حادثة بعد الإطلاق قد تدفع إلى تدمير الصاروخ، كما يوضح المسؤول عن حفظ الرحلات الجوية في المركز الوطني للدراسات الفضائية فنسان برتران-نويل.
ويشير المهندس إلى أن الوحدة التي يديرها بصورة مستقلة تماما عن غرفة التحكم، لها صلاحيات كاملة “للتدخل عند الحاجة، إذا ما خرج الصاروخ من مسار التحليق” المرسوم له، كما حصل سنة 2019 مع صاروخ “فيغا” الذي انشطر إلى قسمين.
وتقع على عاتقه مهمة الضغط على زر من شأنه تفجير الصاروخ وتحويله سيلا من الحطام. ويشعل الأمر المرسل إلى الصاروخ انفجارا من خلال مزيج من الوقد في محركاته. كما أن أحزمة نارية تضعف هيكل المركبة لتسهيل هذا التفكك.
من هنا تكمن أهمية توقعات الأرصاد الجوية، بما فيها على المدى القريب جدا، فقبل ثلاث ساعات من الإطلاق، يتيح إطلاق منطاد للقياس الجوي “يتيح تحليل الطبقات المتشعبة المختلفة من الرياح التي يتم اجتيازها””، وفق المسؤول.
وقد اعتبرت التوقعات الجوية جيدة بما يكفي صباح الخميس للسماح بنقل الصاروخ من منصته قبل يومين من إطلاقه المرتقب ضمن نافذة زمنية ممتدة على 32 دقيقة تبدأ عند الساعة 09,20 بالتوقيت المحلي.
وسيمضي جان لوك ميستر وزملاؤه ليلة ميلادية خاصة، مع عد عكسي نهائي حتى الإطلاق والأمل في استمرار الأحوال الجوية بوضعها المناسب حاليا.
أسرار الكون هناك

سيرفع التلسكوب الفضائي “جيمس ويب” بعد إطلاقه، النقاب عن مزيد من أسرار بدايات الفجر الكوني، عندما نشأت النجوم والمجرات الأولى في الكون.
ويتولى “جيمس ويب” المهمة المسندة راهنا إلى التلسكوب “هابل”وتتمثل في مراقبة الفضاء في مجال الضوء المرئي خصوصا، لكنه يتميز بأنه يسبر أغوار طول موجي ليس في متناول العين، وهو الأشعة تحت الحمراء الوسطى.
كلما كانت الرؤية متاحة لمسافة أبعد في علم الفضاء، وفرت رؤية لمسافة زمنية أقدم. وفي حين يستغرق وصول جزيئيات أشعة الشمس إلى العين على كوكب الأرض ثماني دقائق، تسعى قبة “جيمس ويب” إلى التقاط ضوء المجرات الأولى العائدة إلى أكثر من 13,4 مليار سنة، تلك التي ظهرت في الكون الحديث بعد أقل من 400 مليون سنة على “الانفجار العظيم”.
ولكن مع التوسع، يجتاز هذا الضوء مسافة أطول للوصول إلى الناظر، وعندها يصبح أحمر.
ومثل صوت الشيء الذي حين يبتعد يضعف، تتمدد الموجة الضوئية وتنتقل من التردد الذي تستطيع العين المجردة رؤيته، إلى الأشعة ما دون الحمراء.
فتلسكوب “هابل” الذي أطلق عام 1990، وصل إلى حدود تبلغ 13,4 مليار سنة باكتشاف مجرة “GN-z11″، وهي بقعة صغيرة غير مهمة لكنها “شكلت مفاجأة لأن سطوعها لم يكن متوقعا ضمن هذه المسافة”، على ما يشرح “مكنشفها” عالم الفيزياء الفلكية باسكال اوش لوكالة فرانس برس.
وسيتوقع أوش أن يوفر التلسكوب “جيمس ويب” صورا “أكثر دقة بفضل قدرة التقاط أكبر بمئة مرة، ما سيتيح اكتشاف هذه الحقبة بتفاصيلها”، “وكذلك اكتشاف الكثير من المجرات ولكن أقل إشراقا بكثير”.
بفضل قدرته في مجال الأشعة تحت الحمراء، لن يتمكن “جيمس ويب” من رصد ظواهر قديمة فحسب، بل سيرصد أيضا سحب الغبار بين النجوم التي تمتص الضوء من النجوم وتحجبها عن “هابل”.
ويشرح عالم الفيزياء الفلكي في هيئة الطاقة الذرية ديفيد إلباز أن “هذا الضوء غير المرئي يتيح رؤية ما يختبئ بين الغيوم، أي نشوء النجوم والمجرات”.
ويضيف “تدير هيئة الطاقة الذرية الفرنسية مشروع جهاز التصوير “ميريم”، الذي سيتولى مع جهاز تسجيل الطيف MRS التابع لوكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” درس هذه الهياكل في الأشعة تحت الحمراء المتوسطة، وسيكون قادرا أيضا على “رؤية بصمة الذرات في المجرات البعيدة”.
وتكمن الأهمية الكبرى لذلك في أنه يتيح تفسير مرحلة رئيسية من تطور الكون، وهي المرحلة التي “أ طلق فيها الضوء، أي عندما بدأت النجوم الأولى تتشكل”، أو ما ي عرف بـ”الفجر الكوني”.
ودخل الكون بعد مدة قصيرة من الانفجار العظيم في “عصر مظلم”، في حمام غاز محايد يتكون خصوصا من الهيدروجين والهيليوم، من دون ضوء.
وتشير النظرية إلى أن هذا الغاز تكثف في “آبار” من مادة سوداء غامضة وغير قابلة للكشف، نشأت فيها النجوم الأولى. وتضاعفت هذه النجوم ككرة ثلج، وبدأت تشحن كهربائيا الغاز المحايد للكون، وهو ما يسمى التأين. وأدت عملية تسمى “إعادة التأين” إلى إخراج الكون من غموضه وإلى جعله “شفافا “.
وتوضح عالمة الفيزياء الفلكي فرنسواز كومب أن “من غير المعروف مع ذلك متى تكونت المجرات الأولى”. وترجح عمليات المحاكاة أن يكون ذلك حصل خلال مرحلة امتدت ما بين 100 و200 مليون سنة بعد “الانفجار العظيم”.
وتضيف أن “النظرية تفيذ بأن كل المجرات الصغيرة ستعيد تأين الكون لأن عددها كبير جدا ، وما سنتأكد منه مع +جيمس ويب+، هو ما إذا كان عددها كافيا لذلك”.
لكن أحدا لا يعتقد أن رؤية النجوم الأولى ستكون متاحة. ستبدأ هذه النجوم العملاقة التي تسمى “الشعوب 3” وتتألف من مئة إلى ألف كتلة شمسية ذات درجة حرارة هائلة وعمر قصير، في تأيين الغاز المحايد للكون.
وتعد دراسة هذه الظاهرة بمثابة دراسة تشكل المجرات، وترى عالمة الفلك في مختبر لاغرانج التابع لمرصد كوت دازور نيكول نيسفادبا أن الأمل يتمثل في “رؤية المجرات الأولى التي تحمل الجيل الثاني من النجوم، والتي ربما ستوفر معطيات كثيرة عن النجوم الأولى”، وتضيف مازحة “لا أعرف، اسألونا بعد خمس سنوات”.
وأرجئ إطلاق التلسكوب “جيمس ويب” ثلاث مرات، كان آخرها الثلاثاء. وأعلنت “ناسا” أن سبب التأجيل هو “سوء الأحوال الجوية” في مدينة كورو، مشيرة إلى أن “تاريخ الإطلاق الجديد هو 25 ديسمبر”.
وارتبط التأجيل الأول لإطلاق التلسكوب بحادث وقع أثناء استعداداته نهاية نوفمبر، في حين كان التأجيل الثاني عائدا إلى مشكلة اتصال بالمنظومة الأرضية.

 


بتاريخ : 27/12/2021