محمد بنعبد القادر، عضو المكتب السياسي للحزب ليومية “لوماتان”

منشغلون حاليا بالدينامية الداخلية لتحضير المؤتمر، والنقاش حول الرهانات

السياسية والتنظيمية يستأثر بكامل اهتمامنا

 

 إلى أين وصلت الاستعدادات للمؤتمر الوطني 11 للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المزمع عقده أواخر شهر يناير، والتي انطلقت منذ بضعة أسابيع؟

خلال اجتماعه المنعقد في 18 دجنبر المنصرم، صادق المجلس الوطني للحزب على مشاريع مقررين وأرضية تأطيرية أعدتها اللجنة التنظيمية المنبثقة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر بأغلبية ساحقة، حيث صوت 201 عضو لصالح هذه المشاريع بينما امتنع تسعة أعضاء عن التصويت. أما بالنسبة للوثيقة السياسية التي قدمتها اللجنة السياسية فقد تمت المصادقة عليها بالإجماع . بعد ذلك انتقلنا إلى المرحلة الموالية المتمثلة في تنظيم لقاءات حضورية وعن بعد لمناقشة هذه المشاريع وإغنائها على مستوى كافة الأقاليم والجهات الحزبية. بالموازاة واصلت لجنة اللوجستيك والإعداد المادي مهامها في أجرأة قرارات المجلس الوطني في كل ما يتعلق بضمان الشروط اللائقة لانعقاد مؤتمرنا المقبل عبر اتخاذ عدد من التدابير الإدارية والتقنية لحجز فضاءات استقبال المؤتمرين وتثبيت المنصات الرقمية على مستوى جهات المملكة.

 تؤكد القيادة الحالية للحزب أن دينامية التحضير للمؤتمر تتواصل بكيفية عادية، غير أنها تلمح إلى وجود دينامية موازية تفتقد إلى السند التنظيمي أو السياسي وتحاول التشويش على التحضير لهذا المؤتمر . ماذا يعني هذا بالنسبة لكم؟

ما يمكن أن أقوله بكل صدق هو أننا منشغلون حاليا تمام الانشغال بالدينامية الداخلية لتحضير المؤتمر، النقاش بيننا حول الرهانات السياسية والتنظيمية لهذا المؤتمر هو الذي يستأثر بكامل اهتمامنا، ولو أننا لا نذخر جهدا في حدود امكانياتنا من أجل المتابعة المنفتحة والبناءة لمختلف التفاعلات الخارجية مع هذا الحدث السياسي الهام وكذلك من أجل اتخاذ عند الاقتضاء ما يلزم من قرارات مناسبة.

هل هذا يعني أن التيارات والمناضلين الذين يسعون إلى تقديم مرشحين أو ترشيح أنفسهم لمنصب الكاتب الأول للحزب ليست لديهم أية شرعية؟

ليس لي أن أصدر أي حكم على الترشيحات المعلنة إلى حدود اليوم من أجل تولي منصب الكاتب الأول للحزب، بل أنني لا أستطيع شخصيا إلا أن أنظر نظرة إيجابية إلى تكاثر هذه الترشيحات، والتي لا ننسى أنه تم الإعلان عنها بكيفية رسمية من طرف الكاتب الأول إدريس لشكر خلال الدورة الأخيرة للمجلس الوطني للحزب، كما يجدر التذكير أيضا أن المكتب السياسي للحزب قرر أن يحيل على المؤتمر الترشيحات الستة للإخوة الذين رشحوا أنفسهم لمنصب الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي .

n عموما هناك نظرة سيئة نحو القادة السياسيين الذين يصرون على البقاء في المسؤولية لفترة غير محدودة، هل هي نفس الحالة في ما يخص القائد الحالي للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر؟

pp هناك نقاش نظري وسياسي واسع حول هذه المسألة المتعلقة بتحديد ولايات المسؤولين، سواء في قيادة المنظمات الحزبية أو في تدبير مؤسسات الدولة، حيث نجد أنصار عدم تحديد الولايات يذهبون إلى أن حقوق الإنسان يفترض فيها أنها تشمل الحق في إعادة الترشح، على اعتبار أن تحديد عدد الولايات المسموح بها يقلص الحقوق السياسية للمترشحين وللناخبين على حد سواء، فضلا عما يحمله تحديد الولايات من مخاطر خصوصا المتعلقة منها بتعويض القادة المتمرسين بآخرين لا تجربة لهم، أو التسبب في تعثر المسارات الجارية، بما ينعكس سلبا على جودة واستمرارية النهج المتبع من طرف القادة السابقين، وقد يفضي ذلك إلى تفشي نوع من اللايقين السياسي. أما بالنسبة لدعاة مبدأ تحديد عدد الولايات، فإن تغيير القادة يشكل مؤشرا دالا على السير الديمقراطي للمؤسسة، ذلك أن التناوب المقنن على المسؤولية يبقى مفيدا بالنسبة للتنظيم لأنه يتيح التعبير عن أفكار جديدة ويشجع تداول النخب ويضمن الاحتراز من نزوعات الهيمنة السياسية . العلاقة واضحة إذن بين الديمقراطية الداخلية لحزب سياسي وتحديد عدد ولايات قادته، غير أنه يتعين أن نأخذ بعين الاعتبار بالنسبة لمنظمة سياسية عددا من العوامل الأساسية كالتاريخ والثقافة السياسية، ومستوى التنمية، ومسار تطور الديمقراطية داخل الحزب. الآن لكي أجيب عن سؤالكم حول حالة حزبنا أقول لا، لا يشكل التمسك بالمنصب القيادي لآجال غير محددة حالة خاصة بالنسبة لقادتنا من عبدالرحيم بوعبيد إلى إدريس لشكر، فقد تبنينا مبدأ تحديد ولايات المسؤولية بالنسبة للقادة الاتحاديين ولا أحد منا اليوم يدعو إلى إعادة النظر في هذا المبدأ، لكن أن يكون عدد الولايات محدودا في اثنتين أو ثلاثة ، فهذه مسألة أخرى تندرج في نطاق الممارسة العملية ومعطيات الظرفية السياسية، والتي لا يوجد بشأنها معيار مثالي. إن ما يشكل بالفعل تحديا بالنسبة لنظرية التمثيلية الديمقراطية هو المبدأ المتمثل في ضرورة أو عدم ضرورة تحديد الولايات وليس كيفية أجرأة هذا المبدأ.

 ما هي قراءتكم لمراجعة مقتضيات القانون الداخلي للحزب التي تعطي للكاتب الأول حق الاستمرار لولاية ثالثة ؟

ليس صحيحا أن مراجعة القانون الداخلي للحزب تمت بهدف تمكين الكاتب الأول الحالي من تولي نفس المنصب لولاية ثالثة. ما جرى هو أننا وضعنا لدى مصالح وزارة الداخلية مقررا تنظيميا مصادقا عليه من طرف المجلس الوطني للحزب في دورته الأخيرة ، وهذا المقرر يخص بالأساس تعديل بعض المقتضيات المسطرية بما يسمح لنا بتنظيم المؤتمر الوطني المقبل في احترام تام للتدابير الاحترازية التي اتخذتها السلطات العمومية في إطار محاربة تفشي وباء كوفيد19، وهذه المقتضيات لا تشمل بتاتا الفصل 49 من النظام الأساسي للحزب الذي ينص على أن »الكاتب الأول ينتخب لولاية تمتد بين مؤتمرين وطنيين، ولا يمكنه أن ينتخب إلا لولايتين متتاليتين « ..من جهة أخرى لا أخفي عليكم أن مسألة تمديد الولايات التي أثارت بعض التعليقات والتساؤلات، لم يسبق أبدا أن شكلت نقطة مدرجة في جدول أعمل أي اجتماع من اجتماعات المكتب السياسي للحزب، وأن اجتماعات اللجنة التحضيرية المدونة في محاضرها وتقاريرها والتي استغرقت عشرات الساعات الطوال، لم تخصص ولو دقيقة واحدة لهذه النقطة المتعلقة بولاية ثالثة لكاتبنا الأول الحالي. لكنني أود التوضيح أننا خلال السنتين الأخيرتين وبالضبط منذ دخول حالة الطوارئ الصحية حيز التنفيذ لم نستطع عقد مؤتمراتنا الجهوية والإقليمية لتجديد الأجهزة التنفيذية على مستوى القاعدة، وخاصة تلك التي استنفد أعضاؤها عدد الولايات المسموح لهم بها، وبما أننا مقبلين على تفعيل آلية الانفتاح على الكفاءات وإدماج المنتخبين الجدد في هذه الأجهزة، فإن الحس السليم يقتضي تفادي الإفراغ المنهجي لهيئات الحزب التسييرية من أعضائها الحاليين ومنحهم إمكانية الاستمرار لولاية إضافية، وذلك على نحو يضمن التوازن الضروري بين التجديد والاستمرارية. وبطبيعة الحال فإن هذا الخيار سيخضع للمناقشة والتصويت خلال المؤتمر المقبل، في احترم تام لقواعد الديمقراطية واعتبارا كذلك لمصلحة الحزب ولفعالية أجهزته.

 ماهي في رأيكم الرهانات الأساسية للمؤتمر الوطني الحادي عشر؟

على المستوى السياسي يتعين على المؤتمر أن ينكب على تجديد الخط السياسي للحزب مع استحضار مجمل التحولات الجيوسياسية إقليميا ودوليا، ومع إدراج مختلف الإكراهات والتحديات التي يطرحها على بلادنا تدبير الأزمة الوبائية، وكذلك دراسة الشروط الضرورية للانخراط في مسار تفعيل النموذج التنموي الجديد بما يحقق العدالة الاجتماعية ويضمن إدماج الشباب والنساء ويرسخ ركائز الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي، وهكذا يكون الرهان السياسي المركزي للمؤتمر المقبل هو رهان الوضوح السياسي على مستوى فعلنا في المجتمع وعلاقتنا بالدولة، خصوصا وأن الاتحاد الاشتراكي هو حزب يوجد في صلب مؤسسات الدولة سواء من موقعه في المعارضة البرلمانية أو من موقعه في المشاركة الحكومية، وهذا يتطلب منا مزيدا من التوضيح في رؤيتنا السياسية، ومن التدقيق في خياراتنا الاستراتيجية. ولعل ذلك سيجعلنا في مستوى تجسيد شعارنا» المغرب أولا «  وسيرفع من قدراتنا التعبوية لأداء مهامنا النضالية في ظرفية مثقلة بالتحديات،وذلك حتى نكون أكثر نفعا لبلادنا وخدمة لمصالحها العليا. أما على المستوى التنظيمي فإن أولى الأولويات كما يتضح ذلك من أشغال اللجنة التحضيرية، تخص إطلاق ورش تحديث الحزب وتطوير آليات اشتغاله وتدبيره. الرهان الأساسي في ذلك هو أن نستطيع إدراج التنظيم الاتحادي في نوع من العقلانية الوظيفية المحتكمة إلى قوة القانون وقواعد الحكامة الجيدة وليس إلى منطق الأمزجة والأمر الواقع المفروض بمخرجات الصراع اللانهائي والعقيم من أجل السيطرة على أجهزة الحزب. الرهان التنظيمي إذن يتعلق بقدرتنا على تمثل هويتنا الحداثية، أي بقدرتنا على أن نستوعب أن الحداثة السياسية تنهض على شرط أساسي هو العقلانية القانونية التي تحدد العضوية وتضمن الحقوق وترتب الواجبات وتفصل في المنازعات.
لاشك أن الخيارات السياسية والتنظيمية التي سيعتمدها المؤتمر المقبل في أفق إرساء دعائم متجددة لحزب اشتراكي ديمقراطي مؤطر بمبادئ العقلانية الوظيفية، ستسمح لنا بتطوير بنية حزبية منفتحة، متحركة ومبدعة، مما سيبوئ الاتحاد الاشتراكي المكانة اللائقة به في المشهد السياسي ببلادنا ويجعله أكثر فعالية ونجاعة في إنجاز مهامه الأساسية خلال المرحلة المقبلة، والتي تخص بالأساس مساهمته في تعزيز الوظائف الاجتماعية للدولة وترسيخ قيم الديمقراطية في مجتمع مغربي حداثي ومتضامن.


الكاتب : يومية لوماتان

  

بتاريخ : 13/01/2022