الجرائدي يخلف موعده

 

مات الجرائدي. مات المعلم و المربي حسن. غاب كأن لم يكن. انطفأ ضوء الرجل الذي ضبط إيقاع طفولة صباحات المدينة. من زمان كان الأب. و منذ مدة بالتحديد، غدا هو، حسن الذي يبكر حريصا على أن يصل الخبر / الأخبار لمن يترقبون بريد جرائد الصباح. يدرك. كان يدرك أن الزمن لم يعد الزمن.
إلا أنه و هو يدرك، يعرف بأن للورق عشاقه الخلص. هؤلاء الذين يترددون على الزاوية ذاتها كل صباح بحثا عن جرائدهم التي دأبوا قراءتها مثل الأمس و أمس الأمس. يخبر أذواقهم. فما أن يمثلوا، حتى يمدهم بما فاض من صيد. ويحدث أن يعرض الجديد متى سقط بين يديه. أما و هو ينفذ فيسعى ملاحقا بالهاتف نقاط البيع المتوافرة أطراف المدينة. كان يريد تحقيق بغية الجميع. وقد أوفى و وفى المأمول كحلم. لم يكن ليستريح إلا وقد حول الحلم إلى واقع، إلا وروى عطش الظامىء للحبر، وتلك الرائحة. رائحة الورق الخالدة.
كانوا وكنت. كنا نعرف زاويته تماما المعرفة. يرتبها منذ طفولة صباحات الجديدة. على يساره متجر بيع الأحذية، و على اليمين مقهى حان طارق. وأما في الأمام فنبتت في صمت بناية المسرح البلدي الغريبة شبه المهجورة وقد أماتت ممثليها، ومحت نصوصهم. وعلى امتداد البصر، البريد المركزي للمدينة. كان حسن وسط المدينة. تماما في الوسط حيث تعبر العيون و كأني بها تحفر الطريق باحثة عن غاياتها. إلا أنها وهي كذلك تقف أمام عربته الخشبية المفتوحة تستعرض عناوين جرائد الصباح الوطنية المفروشة بالتساوي. بعض العيون تقرأ صامتة، وأخرى تلفظ تأويلا وتمضي جادة، وثالثة تحتار جرائدها نحو المقهى المعتاد أو المكتب أو عودة للبيت. لا أحد يخطىء المواعيد. و أما على اللوحة الحديدية المسندة للحائط، فصفت المجلات الفرنسية ترى مثيلاتها باللغة العربية رتبت على المساحة الأرضية الصغيرة.
كان حسن بعويناته الطبية، وجسده النحيل يختار زاوية جلوسه على المقعد اليتيم يتلذذ قهوته الأثيرة بالحليب. لا يتكلم إلا إذا سئل. وأحيانا تجده يقرأ جريدة ما، وفي العديد من المرات يتأمل بعيدا. و من هذه الزاوية يرى البحر. تصله الرائحة وقد جللت الفضاء.
أذكر ومازلت، بأن هذه الزاوية لعبت دورا كبيرا في حياتي. منذ الأب، وإلى الغائب حسن الجرائدي والمربي. هنا استطعت الحصول على المجلات الرفيعة في زمنها : الكرمل، فصول، المعرفة، الموقف الأدبي، الفصول الأربعة، الثقافة العربية، روايات الهلال وغيرها.
غاب حسن فيما ظلت زاويته في مكانها ترثي غيابه وسترثيه إلى الأبد. لكم شاغبت عليه، و كم ضحكنا وجلجل ضحكنا المكان. غاب حسن. ستذكره الجديدة باستمرار. ستذكر زاوية ارتبطت باسمه. وستذكره أجيال درسها وساهم في تكوينها.
رحمه الله تعالى و أسكنه فسيح جنانه./.


الكاتب : صدوق نورالدين

  

بتاريخ : 19/01/2022